قصة قصيرة .. الحسناء هي الكلمة

عقرب الحنين لا يتعطل، في لحظة سهو، سافر بك مع عطر سكن الذاكرة، أيقظته أغنية منحت للوقت خلوده الافتراضي، عدت لما توهمته ميتا زائلا، وقيل لك: إسأل الشجرة التي أحببت، ظلالها موقوفة على أغصان محظوظة، تمنع عنك ثمارها المفترضة، وأنت دون زهر.. لا حنين اهتم بشقائك!!!
طبعا.. أنت لستَ فارسا استحق الوسام الموقوف على من اختار فريق العصابة، سكنك في الهامش الوفي، وفي قلوب الأصفياء واحتك الظليلة التي لا تخون أمثالك!

رفضتَ وضع الصخرة في وسط الطريق، تركتك قافلة الجِمال المعطوبة تسأل حروفك، سألت نفسك: لماذا تنَكّر الحبيب لمن واصل البوح وحمل الشهْد لجنيات الجبل الشامخ؟!

في ماضي الخيانات، كسّرْت حصارك، سجون المنفى وهم، يقينك القادم إمكان، وشساعة المدى المفتوح حُضن دافئ لمن ولدتهم أمهاتهم أحرارا!

رددوا عليك مناحة الوقت، قالوا: استمع لنبض من يجعلك بطلا في حلمه المستحيل، وابتعد عمن تجاهل بطولاتك ورحل بعيدا عن منارة الشهيد، تماسك، وابن حلما آخر!

ازدحم القاع بالأقنعة، بنوا للغوهم مقاهي نميمة وغياب، وفي الجحور المحروسة من طرف زعماء المزادات البشعة، اغتالوا أطياف النكران، أسسوا لأقزامهم أبواقا تنشر الغباء بصيغ دون ألوان، واستطابوا مضغ الفرائس.

رفضت أن تمتد يدك لخزائن الأشباح، حرضُوك على سرقة قلوب العذارى، كرروا في حضورك أن الفرصة لا تأتي سوى للمحظوظين، لكنك المنحوس التاريخي، امتنعت عن تلطيخ حذائك بغبار التهافت المقيت.

وهم تهافتوا على ما تبقى من حبيبتك المعلومة، تسابقوا إليها ككلاب تجيد عفن الفراش، أفرغوا روحها من حاسة الوفاء لحسناء الكلام، أفقدوها القدرة على التمرد، وراحوا يتندرون على غبائك المزمن.

اعتزلهم كلب مسعور، امتطى هضبة منذورة للجائعين المحرومين من لعنة الافتراس، استعار لنباحه إيقاعات مجذوبي الحضرة ومواسم الخرافة، نادى اسمك وطالبك بتخليصه من إسطبل المتردية وما عافت الأنفس.

ذَكَّركَ نباح الكلب المعطوب بسمفونية مقززة تَغنَّت بنظافة سلالة تاريخها متواليات غدر وخيانة، وفي هاوية الأحلام الموؤودة، قرب سور المقبرة المثقوب، كهف مظلم يحمي قناعه المثير للضحك.

قلت في خاطرك المكسور سؤالا لم يحتج لعلامات استفهام سريالية.. ما العمل؟ وفي البال آثار عشق أعمتك عن رؤية الفخاخ الصدئة ومضيت أعمى لا تبالي بما تحدثه الأسلاك الشائكة من جروح في باطن قدمك الحافية.

احتميت بخلوتك المتوحشة، أغراك خرير الجداول الثعبانية بالسفر ذهنيا مع محاسن حبيبتك قبل تدنيسها من وحوش السرير المأجور، داعبت المويجات الحائرة أناملك المرتعشة، دلتك على مخابئ عطرها المقدس. وأنت المسرنم في وضح النهار صدقت إشاراتها الحمقاء.

قرأت بصوتك المقموع سِفر الخيانة المدنس، هناك، حيث خرافة المنبطحين شجرة تين أسطورية جذبت غربان الجثث المتعفنة، حلقت في سمائك البعيدة، ومنحت لشجرة الخطيئة هوية عاهرة فاتها ركب الندم والتوبة.

تواطأت عليك مخالب الذئاب، رمت بك في الهامش المنسي ولم تكن تدري أنها أعادتك لعُشِّ وجودك البسيط، فوق ربوة العناد، بنيت بيتا زجاجيا لا ينكسر، وعشت دقائق العصيان الجميل، باسم الوفاء للحب الصادق، رَقَّيتَ نفسك بعطر العشق المزلزل لحواس الرعشة المشتهاة.

سخَّرتَ من جَلادِيك، وضحكت من الأعماق، ذاك الجلاد الأحمق تَوهَّم فناءك في هاوية الأشقياء، لم يكن يعرف أن يتامى الوقت المسبي أقوياء أشِداء يتحملون ظلم الأوغاد، يعتبرون الإقصاء نعمة، والهامش روضة، والعتمة شاشة لعرض اللعنة وإدانة انزياح المفترسين لطغاة السجون السرية.

ومن فاز قسرا بقُبلة الحسناء مشى طاووسا تباهى بذيل مزيف وشحه به سادة التمييع وصرف أنظار الملاعين عن حقارات الكلاب المسعورة، وبعدها.. مسح عن رأسه المزدحمة بالأغلاط تفاصيل التهمة وأحكام الإدانة.

أكثروا لغط المنتشين بفوز مغشوش، غنوا ورقصوا، لم يبالوا بآهاتك وتدمرك من بلاهة سيوف الغدر والتفاهة، واصلوا السخرية من سذاجتك، ونسوا أنك تتظاهر بغباء ذكي يعرف كيف يقتص من جلاديه في الوقت المناسب.

صعدت إليك جماعة الخير والاعتراف النبيل، ساندتك في عزلتك، رغبة منها في تحويل هزيمتك بنصر احتفى بملاحمك المحفوظة في كتاب الأصفياء، احتضنوك بما يليق من الحب، جعلوا من ضجرك القاسي مطية عادت بك لساحات العناد الأبية، واعترفوا بالحقيقة طيعين، قالوا: «الحسناء هي الكلمة».


الكاتب : حسن برما

  

بتاريخ : 25/07/2025