قصة قصيرة ..السّاحر

 

( إحضار الغائب، باب يصطنعه السّاحر، بواسطة الجنّ ، لجعل الغائب حاضرا، ويقابله تغييب الحاضر)

«سعيد يقطين ، ذخيرة العجائب العربيّة ، ص 237»

أخبروكَ بأنّه من دون شكّ السّاحر المغربيّ الأفضل الآن في مراكش، وبأنّكَ لن تخطئ يقينا الطريق إلى موضعه في ساحة جامع الفنا، تحديدا أمام الكوميسارية، مباشرة بجوار عربات باعة عصير الفواكه. وفعلا، ما إن وصلت إلى هناك، حتّى لمحته من بعيد بقامته النحيفة، وجلابيته البيضاءالخفيفة، وعمامته الحمراء، و لحيته المخضّبة بالحنّاء، ووشاحه الأخضر، وعصاه الخيزرانيّة الموشومة، مهيبا عتيدا في جلسته مثل شامان بدائيّ تحت مظلّة واقية مفتوحة من الحجم الكبير .كان يقتعد الأرض فوق سجّادة مزوّقة بصور حيوانات أسطوريّة منقرضة، وأمامه مجموعة من الكتب الصفراء القديمة منزوعة الأغلفة، ومحبرات شتّى مليئة بالسماق، وأقلام قصب بلا عدّ، وأوعية شفّافة لوضع الأعشاب والمساحيق والزّغب و البخور والعظام المطحونة. ولمّا ألقيت عليه السلام، رفع ناحيتك عينيه القاسيتين المكحولتين بخطين سميكين، ثمّ طلب منك على الفور الجلوس إلى جانبه على كرسي خفيض مصنوع من سعف النخيل . وقبل أن تبوح له بحاجتك كي تصير مقضيّة، أدخل يده اليمنى في حقيبة رياضيّة بالية كانت تقع خلفه، ثمّ أخرج ورقة بيضاء طفق يسطر ويخطّ عليها بخربشات عشوائيّة رسومات ملغزة، وتدوينات غامضة، وأرقاما عويصة، مشفوعة بقراءة متخشّعة لتعازيم غير مفهومة. وحينما ابتغيت أن تكلّمه عن حبيبتك الغائبة، عن جمالها الأخّاذ، عن لقائكما الأوّل قبالة شاطىء البحر، عن غرامك الأهبل بها طيلة سنين، عن تغيّرها تجاهك مؤخرا، عن كآبتها المتفاقمة، عن كآبتك الموازية لكآبتها، عن توقّفها عن مكالمتك هاتفيّا كعادتها كلّ ليلة، عن لغتها التي باتت جافّة متقشّفة، عن حزنك الذي يضاهي حزنها على كلبها الوفيّ الذي نفق مؤخرا بسبب سرطان الخصيتين، عن شكّك وغيرتك القاتلين في كونها تعاشر رجلا آخر، عن رعبك من أن تفقدها إلى الأبد، حينما ثقت في صمتك العاجز إلى إخباره بكلّ هذا كي يجد لك حلا عاجلا، إخباره بكلّ هذا الشّجن المحطّم لأعماقك الرمادية ووجودك البائس كرجل خمسينيّ «مزعوط» يعاني تداعيات أزمة منتصف العمر؛ جرّ السّاحر بيد واحدة تعادل تماما قوّة مصارعين كرسي «الدوم» الواطىء بكامل ثقل جسمك إلى قربه، وطوى باليد الأخرى المظلّة إلى نصفها، فصرتما عندئذ معا تحتها وجها لوجه. فكانت جبهتك لصق جبهته، وعيناك ترنوان إلى عينيه الخلاّبتين اللّينتين الشفيقتين، ويداك تمسكان بيديه الناعمتين الشبيهتين بالسيقان الخلفيّة للضفادع، ورجلك اليمنى محشورة بين فخديه الطريّين المغريين، ثمّ سرعان ما عانقك حتّى نفذ إلى كيانك ثدي فتّاك وعطر أنثويّ تعرفهما جيّدا، وهمس في أذنك كما تفعل حبيبتك دائما، أو بالأحرى كما تفعل الآن بالضبط بصوتها الرخيم : «لا تصدّق وساوسك ، فأنا لا أعشق سواك «.
ثمّ فجأة انبسطت المظلّة مجدّدا، لتتنبّه لحظتها أنّك كنت فوق الكرسي الخفيض لوحدك، وبين أناملك ورقة بيضاء فارغة .

مراكش في : 21/1/2023


الكاتب : أنيس الرافعي

  

بتاريخ : 31/03/2023