قصة قصيرة.. العائد

تسلم مفتاح غرفته من موظف الاستقبال وصعد الدرج. الفنادق هنا في المدينة القديمة لا تتعدى الدورين، الحيطان نصفها زليج على شكل مربعات يغلب عليها السواد والنصف الثاني صباغة حمراء، هو يعرف أن المدينة تعاني من لعنة الرطوبة لذا الزليج وحده يستطيع حماية جدرانها من التآكل . ولج الغرفة رقم 618 ، استغرب الرقم فلا يمكن لهذا الفندق الصغير أن يضم هذا العدد الهائل من الغرف ، رقم مبالغ فيه، هكذا ردد في داخله دون اهتمام رمى الحقيبة الجلدية المزركشة فوق السرير وفتح النافذة اليتيمة، طبعا كما متوقع لا تفتح إلا على جدار آيل للسقوط. عاد يطوف الغرفة، غطاء السرير قطعة مزركشة قديمة وعلى الأرض زربية فقدت كل ألوانها وفي الجانب المقابل كرسي من الدوم ، يحسبونني أجنبيا . أمسك مخدة الصوف واشتمها لعلها تحمل عطر زمن مضى وهو يجالس والدته وهي تغزل الصوف، لم يشتم إلا الزفارة. أعادها لمكانها، أحس بالامتعاض من المكان ككل، تفقد شعره المنكوش على طريقة الهيبي، عدل جوانبه، يعرف أنه جوازه الوحيد مع اللباس المهلهل ليخترق مدينته بعد كل هذه السنوات ولا يتعرف عليه أحد. ضغط زر التلفاز، قناة إخبارية لا يزال القصف متواليا وحتى الآن لم يتحدد عدد الضحايا، وفي الخلفية شوارع تغطت سماها بلون برتقالي وشهب نارية في كل مكان. لا يدري لم لم يستطع حتى الآن تصديق ما يراه أو ربما لا يريد أن يفعل. علمته الحياة أن ليس كل ما نراه حقيقة، غير القناة. شباب بالهراوات يمنعون تجمعا من جنسيات مختلفة على أرض عربية في مسيرة لفك الحصار عن غزة، وصوت المذيع يردد ساخرا ماذا أعددتم لهذا اليوم فحتى الصائم يضع في جيبه حبتين من التمر وأنتم عزل وتريدون فك الحصار . كل يقدم مبرراته ولا يعرف من يصدق، أقفل التلفاز، اختار حقيبة صغيرة وقرر أن يخترق شوارع مدينته التي يعرف مسبقا أنها لم تعد كذلك مذ تركها غصبا. اخترق ساحة الساعة متجها نحو فضاء الجمعيات، فضاء الشعر الذي طالما صدح فيه صوته. كان صف الحراس يقفون على بابه، لديك تصريح؟ ممنوع.. الحفلة خاصة ، لم يستوعب الأمر لكنه مضى مكملا طريقه، قرر أن يمر من أمام مدرسته القديمة ، تهدمت والتي بجانبها تهدمت والإدارة التربوية المحاذية لهما تهدمت.. فقط لافتة كبيرة تشير إلى تصاميم لمركب سياحي ضخم، التفت ربما يجد من يسأله عن الأمر، لا أحد… أكمل سيره إلى الشاطئ – عما تسأل؟ الكوميسارية القديمة ؟ بيعت.. مبنى المقيم العام؟ بيع ..بيت القنصل القديم؟ بيع.. المدارس ؟ الملاح بكل حواريه وأزقته ؟ هدم …اذهب لن تجد إلا حواجز في كل مكان.
كان الصديق القديم يهذي وهو صامت. التفت إليه ماذا ستفعل الآن؟ لا شيء. قبل سنوات قلت لي أنك عائد، كلهم يقولون ذلك عائدون عائدون .. لم يعد هناك مكان تعود إليه، فكل الأماكن واحدة …


الكاتب : ليلى مهيدرة

  

بتاريخ : 04/07/2025