(الفشل أمر لا مفرَّ منه…)
ج.ك رولينغ
بِرَقْنِها نقطةَ نهايةِ روايتها الأولى، أزاحت هَمّا خانقًا كان يطاردها منذ سنتين من البحث والتبيّن، البناء والهدم، التدقيق والمراجعة.
تملّكها يقينٌ بأن ذلك العمل سيغيّر حياتها. بحماسٍ لا يوصف، باشرت إرسال مخطوطها إلى دُور النشر؛ متطلعة إلى رؤية كتابها على أرفف المكتبات والمَعارض.
لكن -وعلى غير المنتظر- سرعان ما صدمها الرفض الأول من دار نشر عريقة. تُرى ما السبب؟ «الحَبكة معقّدة أكثر من اللازم، والقارئ المعاصر يميل إلى البساطة». لم تيأس؛ فلكل دار سياستها وخطتها. و»اللي عندو باب واحد الله يسدو عليه».
بعد أيام قليلة تفقدت بريدها الالكتروني، فوجدت رسالة جديدة تنتظرها، كانت أكثر لباقة وأقل قسوة: «عزيزتنا الكاتبة المحترمة، سعِدنا بقراءة إبداعك القيّم ونشكرك لثقتك بدارنا، لكن الرواية تفتقر إلى العمق الفلسفي الذي نبحث عنه، نعتذر عن نشر النص ونرجو لك مسارًا إبداعيًا موفّقًا».
استغربت للردود التي تتوالى عليها دون تأخير أو تجاهل؛ فقد نشرت من قبْلُ مجموعتين قصصيتين، وكانت إذا راسلت مائة دار نشر، تُجيبها ثلاث أو أربع فحسب، فماذا حدث الآن؟! هل لأن الأمر يتعلق بمخطوط رواية؟!
توالت رسائل الرفض، وبدأت الأعذار تأخذ منحى غريبا: “النهاية سعيدة بشكل مبالغ فيه، والحياة ليست كذلك” كتبت إحدى الدور.
وصل عدد رسائل الرفض إلى تسع وثلاثين رسالة، جمعتها في ملف خاص، تتأملها يوميا. كانت على وشك الاستسلام، وحذف المخطوط الذي أصبح عبئًا عليها من ذاكرة الحاسوب وذاكرتها، والرجوع إلى قصتها القصيرة، فكّرَت أيضا بتقسيم تلك الرواية إلى قصص قصيرة…، لكنها بعد هذا الصراع قررت إرسالها للمرة الأربعين والأخيرة إلى دار نشر فتية وغير معروفة، صادفتها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فكتبت: تحية طيبة…في المرفق تجدون مخطوط روايتي، وأخبركم من باب النزاهة والأمانة أنها رُفضت من قِبَل تسع وثلاثين دار نشر…”.
بعد شهر، تلقت رسالة إلكترونية من الدار، فتحت الرسالة دون لهفة أو شغف، متوقِّعة اعتذارًا جديدًا يُضاف إلى قائمتها، لكنها قرأت كلمات لم تتوقعها: “الأستاذة المبدعة جميلة كريم رويسي، قرأنا مخطوطك بإعجاب شديد، إنه عمل فريد من نوعه ونرغب في نشره فوراً، لكن بشرط واحد…”.
كتبت ردًّا سريعًا: “يسعدني ذلك…ما شرطكم؟
وجاء الجواب في الحين: “شرْطُنا أن ننشر روايتك كما هي، ولكن مع إضافة مقدمة خاصة للكتاب: جميع رسائل الرفض التسع والثلاثين التي تلقيتها بالترتيب دون ذِكر أسماء دور النشر طبعًا”.
ضحكت بهستيرية أمام شاشة حاسوبها؛ لقد كانت فكرة هذه الدار المغمورة رائعة فعلًا، وافقت على الفور، وصدر الكتاب، وحقق نجاحًا ساحقًا. كما قارن بعض المهتمين قصة جميلة كريم رويسي بقصة جوان كاثلين رولينغ، كاتبة سلسلة “هاري بوتر”.