قصة قصيرة : «صاحب القبعة»

منذ شهور وأنا أشعر به يلاحقني أينما رحلت وارتحلت، طيفه ورائي، أرى ظله، بقبعته العجيبة تلك، القبعة التي تجعلني أميزه بين الجميع.
طاردني بين الأزقة والشوارع، بين المحطات وأرجاء الجامعة، بل حتى في أحلامي صار يطاردني.
في البداية قلت ربما يكون معجبا سريا، لكن لأمر صار يخيفني، أصبحت أشعر كما لو أن صاحب القبعة يترصدني حتى يؤذيني، لم أعد أستطيع الخروج وحيدة خوفا منه. تسبب لي بالكوابيس كما لم يسبق أن حصل معي.
مرت الأشهر بسرعة، وفجأة تحولت الكوابيس إلى أحلام جميلة، مزهرة، نعم.. فجأة صار صاحب القبعة شيئا جميلا وبطل أحلامي، لا أعرف منذ متى بدأ يطاردني، لكن أذكر جيدا أول يوم رأيته، أول يوم شعرت بخطواته تقترب مني. صار شيئا جميلا في حياتي ، جعل لحياتي طعما، في كل مرة أنتظر أن يأتي للتحدث معي، وحتى إن لم يفعل كانت خطواته تكفيني، كان وجوده يشعرني بالأمان والارتياح دون أن أدري السبب.
لكن…
مر ما يقارب الثلاثة شهور، اختفى ظله، وما عدت أرى طيفه، فصرت أخاف من أشياء لا أعرفها، طالما استدرت فجأة أبحث عنه بين الناس، علني ألمح قبعته الجميلة. كنت أتساءل دوما ماذا حصل؟ وكيف حصل؟ بل لماذا حصل ما حصل؟
لقد صار وجوده ومطاردته لي إدمانا، كنت أحتاج جرعة من ملاحقته حتى أصبح بخير.
فقط بعد أن فقدته، بت أتساءل ترى من يكون ذلك المجهول؟ لماذا يلاحقني؟ ولماذا لم يحادثني من قبل؟
عادت إلي الكوابيس وأصابني الأرق من كثر التفكير بصاحب القبعة الذي ملأ حياتي وذهني بعلامات الاستفهام وغادر..
طالما احتفظت بذلك السر لنفسي، لكن وبعد أن رحل وجدت نفسي أحكي لرفيقة غرفتي، أقص عليها كل ما حصل بالتفصيل، كانت متفاجئة ومذهولة بما تسمع، صاحت قائلة:
” يا إلهي، ربما قاتل مأجور، لكن لا أظن أن لأحد مصلحة في قتلك”
وعندما فكرت قالت:
“لابد أنه رجل عاطل، لم يجد هواية أفضل من مطاردة الغرباء، وحتما قد وجد عملا”
قالت ذلك وأطلقت العنان لضحكاتها العالية، ضربتها بالوسادة التي كانت بجانبي، ووقفت أنظر من النافذة بحثا عنه، فطالما رأيته يمر بجانب البيت، لكن وجدت أن فكرتها منطقية، لقد كنت بحاجة لتفسير يتقبله عقلي، فجأة قامت صديقتي لتقف بجانبي وهي تقول:
“أو ربما كل ذلك تخيلته يا صديقتي، فطالما كان لديك خيال واسع”.
قلت محتجة على كلامها: ” بربك هذا ليس خيالا، هذا جنون، هل تظنيني مجنونة إلى هذا الحد حتى أبدأ بتخيل هكذا أشياء، أقول لك وأكرر أن صاحبة القبعة كان يتبعني دائما، وجدته أمامي،ورائي، بجانبي، بعيدا عني، قريبا مني، لا يمكن لكل ذلك أن يكون خيال، هذا مستحيل”.
رغم ذلك الاحتجاج والصراخ، ما إن اختليت بنفسي حتى بدأ ينتابني الشك، وتساءلت، ماذا إن كان كل ذلك وهما؟ لكن سرعان ما أعود لرشدي وأقول أنه لا مجال للوهم، أن كل شيء حقيقي، وأنني رأيت صاحب القبعة.
مرت مدة طويلة وأنا مازلت أبحث عنه بين الحين والآخر، حتى أتعبني التفكير، أردت أن أطرده من عقلي حتى أهنأ في عيشي، إلى ذلك اليوم الممطر، حيث الناس يهربون وأنا أسلم نفسي لقطرات المطر، لكن فجأة لمحت شيئا غريبا، صرخت متفاجئة وركضت، لقد رأيت القبعة موضوعة على أحد الكراسي، أخذتها، أتحسسها، نعم هي نفسها قبعته، بلونها، برائحتها، رحت أركض في الأرجاء بحثا عنه، بينما الناس يركضون هربا من المطر، كنت ما أزال أبحث، إلى أن تذكرت أنني أبحث عن صاحب القبعة، والقبعة في حوزتي، فكيف لي أن أعرفه وأميزه بين الناس بدونها. جلست جلسة المستسلم، أخذت القبعة قبل أن ألمح ورقة صغيرة بداخلها، أخذتها بسرعة وأنا أقرأ الكلمات المكتوبة عليها:
“سترينني دائما، لكن لن تعرفينني لأن القبعة صارت ملكك الآن”
عدت حزينة وفرحة في ذات الوقت، لكنني لم أجد رفيقة غرفتي، ذهبت لأسأل الفتاة التي تكتري الغرفة المجاورة…
” ألم تشاهدي رفيقة غرفتي تغادر؟”
” لكنك تكترين الغرفة لوحدك منذ سنة”
” ماذا؟ لا معي صديقتي أريد أن أخبرها بأنني وجدت قبعة الرجل الغريب”
” لكن هذه قبعتك، تعودين كل يوم محتضنة إياها وأنت تبكين، وتأتيني كل يوم لتسأليني عن رفيقة غرفة ليست موجودة أبدا”.
قالت ذلك وأقفلت الغرفة، لم أهتم لكلامها وخرجت أبحث عن صديقتي، لكن لمحت رجلا غريبا يتبعني وهو يضع قبعة غريبة، يا إلهي من يكون، منذ أكثر من ساعة وهو يطاردني…


الكاتب : حسنية يقضان

  

بتاريخ : 13/08/2021