قصة قصيرة:  طبقُ الفْرِيتْ

ثلاثُ حبات بطاطس. حباتٌ كبيرة. قشّرتُها بهمّةٍ ورغبةٍ لم أعهدهما في هذا المطبخ، وقطّعتها على الطريقة البلجيكية. أحبّ قطعة الفْرِيتْ كبيرةً ومحمرةً قليلا ومقرمشة ومملحة. ألتهمها بكامل الحواس وأنا أقلّب أخواتها في المقلاة. أراها وألمسها وأشتمها وأتذوقها وأسمعها. ثم يستمر احتفال الحواس وأنا جالس أمام التلفاز. أنظر إلى الطبق وألتهِم قِطَعَهُ بعشقٍ لا يُضاهَى. لم أفعل هذا من قبل، لكنه آخر طبقِ فْرِيتْ في حياتي. أمرني الطبيب هذا الصباح بأنْ ألقي المقلاة في القمامة. أعرف أن تعاقبَ هذه الحروف مزعجٌ في الجملة الواحدة، لكنه مزعج أيضاً أن تأكل آخر طبقِ فْريتْ في حياتك، وأن ترمي بالمقلاة الوحيدة في مطبخك.
شعرت بهول الفاجعة حالما خرجت من غرفة الفحص. اتكأت إلى جدارٍ ونظرت حولي: أناس قاعدون، وآخرون واقفون، وأطفالٌ يحتجّون، وكلهم ينتظرون. لم أر أحداً. ثم نظرت في الوصفة: سجائر، ملح، أرق، مايونيز، كيتشوب، كلب البحر. قائمة الممنوعات طويلة. لكنني لم أر شيئاً. ولم أفكر في شيء غير طبق الفْرِيتْ رغم أنني لا أحبه مثلما أحب السجائر وكلب البحر.
اقترب مني أحدهم وهمس وكأنه في محتجز نازي:
-الأعمار بيد الله، لكن إذا ضمنتَ حراسَ الأمن في يدك فقد ضمنت عمراً أطول.
نظرتُ إليه، فلم أر أحداً. وضع في يدي ورقة من فئة مئتي درهم وأشار إلى مدخل الطابق. كانت جموعٌ تحتشد حول حارسِ أمنٍ يوزع المواعيدَ والوصفاتِ الطبية. نهضت متثاقلا من الجدار الذي اتكأت إليه وأقدمتُ عليه ببشاشة لا تُضاهى. لم أعرفني. نظر إلى الورقة النقدية وابتسم.
–        عُدِ الأسبوعَ المقبل لإجراء فحوصات أخرى.
احتجّت امرأة لم يسمَح لها الحارس بدخول الطابق. أخبرتْ رفيقتَها بأنها ذهبت إلى الإدارة لتشتكي فوجدت ذاتَ الحارس في مكتب المدير، وذهبت إلى الطبيب الرئيس لتشتكي فوجدت الحارس نفسَهُ بوزرةٍ بيضاء وسماعاتٍ حول عنقه.
عقبتْ رفيقتُها:
–         لعلها لم تكن سماعات طبية.
نظرت إليها فلم أر أحداً، وهرعت إلى أقرب سوق للقرب لشراء البطاطس. الأعمار بيد الله، همهمت، لكنني لا أريد أن أموت قبل التهام آخر طبقِ فْريتْ في حياتي. أحبها كبيرةً، ومحمرةً قليلا، ومملحةً، ومقرمشة. رفعت عيني إلى التلفاز فإذا بذات الحارس يقدّم وصلة إشهارية عن أمن ونظافة المستشفيات.
غمست آخر قطعة فريت في بقعة الكيتشوب، وألقيتُ بالمقلاة في القمامة.


الكاتب : شكري البكري

  

بتاريخ : 15/10/2021