حكاية المستقبل
أعيش الآن في سنة 2667 بعد مرور الوقائع الغريبة إبان السنوات الأولى من هذا القرن، مرت عقود عديدة على تواجدي فوق الأرض، منذ سنة 2599 التي ولدت فيها، آه! أو بالأحرى السنة التي قذف بي رحم أمي إلى هذه الأرض اليباب، تحديدا، تعبت من الحياة ولكنني من فرط التعود على العيش لم أعد أفكر في الموت، تركت التفكير فيها للحالمين بالفردوس، الأرض تغيرت تماما، لو صحا نيتشه من قبره لما عانق الحصان في طورينو وبكى، لما غاص سنينا في الجنون، ولما وصف الأرض ب la légère، لم تعد هناك سهول وحقول خضراء، مجرد براري قاحلة جرداء ، مناطق حجرية، يسكنها شعب من الزواحف السامة والزومبي، سهوب ماحلة تمتد على طول البصر، رأيت بالأمس وأنا أعبر بجوار خرائب مدينة منسية كائنات شبيهة بالإنسان، شبه عارية، تزحف على أياديها وأرجلها، ترتدي فقط أسمالا، ومزق ثياب، تمرق كحيوانات من بين الأنقاض مكسوة بالسخام، تنبجس من وسط الأحجار والجدران المدمرة، تسير أو بالأحرى تزحف كما تفعل القردة، تتشمم الأرض، كأنها تنقب عن بقايا طعام، عن الفتات، كان من بين تلك المخلوقات رجال ونساء وأطفال، اعتقدت في ما يشبه الحلم بأنهم يتواصلون في ما بينهم عبر صرخات تطول أو تقصر، اعتقدت بأنه كان منطق الطير ولكنه يشبه منطق القردة، الناس أو ما تبقى منهم، منذ سنوات وهم يتقاتلون حول مصادر المياه، جفت المنابع والأنهار، وغار الجودي، نضبت الآبار، الخضرة صارت ترى فقط في الأفلام الوثائقية، صارت مجرد ذكريات الماضي، لكن الماكنات الحربية البالغة الدقة والتقانة التي تملكها جيوش سرية، يعمل أفرادها كمرتزقة يتقاضون أجورهم بالعملات الرقمية، لقاء خدمات بوليسية أمنية عبر العالم ،خدمات يقدمونها للمافيات والعصابات السياسية والجماعات والحركات السرية، الرابضة كلها في عاصمة الثور الأسود، هذه الماكنات لم يطلها الخراب، يقال بأن هناك عالم مال وأعمال مزدهر ومختبرات علمية سرية à la pointe de la technologie، في عاصمة الثور الأسود لا يعرف مكانها أحد،عدا قادة المافيا السياسية السرية، تلك المختبرات تبتكر وتصنع كل شيء، الآن، حسب ما يقال، توجد شركات أخطبوطية عابرة للقارات،عفوا عابرة للخرائب، تقوم بتصنيع حتى الفيروسات، لأن الأوبئة وانتشارها صارت تجارة دولية مدرة للربح. سمعت في مدينة PertCity، أحدهم في حانة يقول بأنهم في أحد تلك المختبرات ابتكروا كائنا ذا هوية جنسية متحولة وأنه يستطيع وحده، أن يكون عائلة بمختلف أفرادها لأنه متعدد، أنا مجرد كائن إنساني أرهقته السنوات والتجارب، منذ سنوات وأنا أحلم بالعودة إلى المدينة الساحلية التي فيها ولدت بجوار المحيط الأطلسي، هناك في قارة بعيدة عن هذه البراري، التي يملؤها شعب من التتار. لم أعد أتذكر اسم تلك القارة البعيدة، أحلم بالعودة إلى رحم أمي، أحلم بالعثور على كتاب لأجلس في مكان ما وسط الخرائب والأنقاض وأتصفحه، أشم رائحته، أقرأ كلماته، منذ سنوات لم أعثر على كتاب، سنة 2620، اعتقدت بأنني سأموت بعد انتشار الوباء وإصابتي بفيروسه القاتل، لكنني لم أمت، يبدو أن لي سبع أرواح مثل القطط، الكتاب الوحيد الذي أملكه منذ سنوات خلت هو [الجريمة والعقاب]لكاتب مجهول الاسم، أحتفظ به في الصاكاضو بعناية فائقة، صفحاته اهترأت وتمزقت أطرافه من فرط القراءة مرات عديدة. هذا هو الكتاب الكوني الوحيد، ولكنه كتابي، كتاب الجريمة والعقاب لمؤلف مجهول، لا أعرف عنه أي شيء ،حتى البحث في محرك غوغل لم يعد ممكنا، لقد استحوذ الذكاء الاصطناعي منذ سنوات على مصادر المعلومات ولكي يبيع لك معلومة ما مهما صغرت يلزمك آلاف من العملة الرقمية. ها أنذا منذ سنوات وسط الخرائب والأنقاض، أحمل كتابي في الصاكاضو، وأجوس مثل شبح خلل the wast land، كالضارب في صحراء الظنون.
التكرار الثاني
اعتقدت بأنه بعد ما عشناه في العقود الماضية من سنوات الجفاف المدمرة، والحروب المتناسلة التي تحولت لحرب أهلية كونية، وتفاقم أعداد الجياع والمنبوذين، في مناطق عديدة من كوكب الأرض أو ما تبقى منه من هوامش قابلة للعيش، وبعد سنوات طويلة كليل حالك السواد من الاستبداد والدكتاتورية وقهر الأفراد، وبعدما تحولت الحياة وطرق العيش إلى ممارسات شبيهة بسباقات الفورمولا وان، اعتقدت بأن التاريخ لن يتكرر، لكنه تكرر ثانية، وهذه المرة كمهزلة، في زمن البهلوانات والمهرجين والأرلوكانات بثيابهم المتعددة الألوان، وماكياجهم الصارخ، وباروكاتهم. أعتقد أن ماركس هو من قال هذا، لست متيقنا، قلت سابقا بأن البحث في محرك غوغل صار مستحيلا، وأن الذي يسود الآن هو Dark web، والذكاء الاصطناعي، الذي يستلزم الدفع المسبق، المشكلة هو أنه لم يعد من حقنا منذ أربعة عقود، وبالضبط منذ سنة 2627، الحق في الحصول على بطاقة بنكية للأداء الإلكتروني. يقولون بأن أفراد الأوليغارشيا وبعض الأغنياء أصبحوا يملكون بطائق أداء رقمية مثبتة في أدمغتهم مباشرة، ذاكرتي التي ما زالت تشتغل وإن بشكل متقطع، تقول لي بأن ماركس هو من قال ذلك مستهزئا من معلمه هيجل في الجملة الافتتاحية لمقاله:[18برومير]، نعم bingo، إنه هو. يقولون بأن عاصمة الثور الأسود بها مجمع كوني للبهلوانات والمهرجين، وأن هناك معاهد عليا محكمة، كما يحلو لأساتذة الجامعة لدينا أن يرددوا لتجاوز ضعفهم، معاهد تعكف على تدريبهم وتدريسهم طرق الحكامة البهلوانية وأساليب التدبير التهريجي.. يقولون أيضا بأن تلك العاصمة قد تحولت إلى ركح تمثل فوقه بشكل دائم مسرحية فودفيل. الغريب أن محدثي أخبرني بأن مشاهد المسرحية لم تعد تضحك أحدا منذ سنوات، بالرغم من أنها تعرض بشكل دائم en boucle، خلف المنصات وغابة الميكروفونات، وعلى شاشات التلفزة العملاقة المعلقة على واجهات العمارات، لم يعد أمامنا من خيار، الفرجة صارت معممة. يبدو أن المهرجين والأرلوكانات، هم الذين يتفرجون علينا. كل شيء في مجتمع الفرجة صار مقلوبا وزائفا، منذ سنوات وأنا في مدينة PertCity، سمعت هنا في الحانة المهترئة العديد من الحكايات. الشخص الجالس بجواري والذي يشبه بوكوفسكي، يقول بأنه يحلم بالتوفر على مسدس، شحنه بالرصاص والخروج إلى الشارع لإفراغه في رؤوس الزومبي وأفراد قبيلة الزاحفين، حدجه البارمان بنظرة قاسية، فقال معتذرا بأنه مجرد حلم، حلم فقط. التكرار الثاني شبيه بمهزلة كونية، تكرار ساركازمي مضحك، بالرغم من استمرار نزيف دم الأرض، فيه، أستدير نحو الشخص وأقول له: [ما تحلم به يشبه الشروع في جريمة قتل]، ساركازمي ومضحك بالنسبة لمن. لقد وضعنا منذ سنوات أقنعة خشبية على وجوهنا، لم نعد قادرين على الضحك.
التكرار الأول
عند بداية هذا القرن السابع من الألفية الثالثة انفجرت في العديد من المناطق العديد من أشكال العنف المتوحش، التي غيرت مفهوم الحرب تماما ومحت تصورها الماضي. قبل انفجار أشكال العنف هذه كانت الحرب تخاض بين جيشين نظاميين، وغالبا ما تنتهي بالمفاوضات وتحترم ما يسمى بقوانين الحرب التي يقال، والعهدة على الشخص الشبيه ببوكوفسكي، الذي يقضي حياته كلها في الحانة رابضا قرب الكونطوار، على أنها قوانين وضعت بعد حرب ضروس سماها أسلافنا القدامى الحرب العالمية الثانية، وعرفت أيضا باتفاقات جنيف، ويقال إن جنيف هذه كانت عاصمة في تلك الأزمنة الغابرة لبلاد لم أعد أتذكر اسمها في قارة كانوا يسمونها أوربا، وأغلب الظن أنها كانت موجودة في المناطق المسيجة بالأسلاك الشائكة التي تسمى الآن DarkZone. اتفاقات جنيف تلك عقدت في القرن الذي سموه العشرون، يقال بأن أحد زعماء عصابات المافيا التي تحكم العالم، يحتفظ بنسخة نادرة منها، وأنه يوجد مع أتباعه وشعبه في قارة ميزيريا، التي يسكنها المتسولون والمهمشون والمقصيون والمشردون، واللصوص وأفراد كانوا في الزمن الغابر ينتمون لشيء نادر اسمه الطبقة المتوسطة أو البورجوازية الصغيرة، وأنه، أي زعيم عصابة مافيا القتلة، ادعى النبوة وصار يحمل معه نص اتفاقات جنيف ويردد في أتباعه بأنها إنجيله الجديد. هذا هو التكرار الأول، وماركس، إن لم تخنني الذاكرة، هو من قال ذلك في جملته الافتتاحية الشهيرة التي يسخر فيها من هيجل. الشخص الذي يدمن شرب الكحول، يقول بأن هذا الأخير فيلسوف ألماني عاصر نابليون الذي انتهى به الأمر سجينا في جزيرة Elbe. التكرار المأساوي الأول هو ما عشناه عند بداية القرن السابع من الألفية الثالثة، مع أشكال العنف السديمي التي فجرت المطارات وناطحات السحاب ومحطات القطارات وأنفاق الميترو وغيرها. التكرار الأول مرعب لأنه أكد مجددا وحشية الإنسان، وأكد مقولة هوبز homo homini lupus، بدون طقوس القتل والمجازر الطائفية، وحروب الإبادة والغزو، هل يمكن الحديث عن تاريخ الإنسانية. الشخص في الحانة التي لا اسم لها، يقول بأن الإنسان مجرد قاتل بالتسلسل. في ذلك القرن المرعب الذي كان يسمى القرن العشرون، قرأت في كتاب «موجز الخراب»، بان القتلة بالتسلسل كانوا يسمون في لغة اندثرت الآن هي الإنجليزية the serial killer، تفاقمت أعدادهم، وأن بعضهم مارس الكانيبالية على ضحاياه، مثل قاتل وسيم في مدينة ميلووكي التي كانت توجد في البلاد التي بها عاصمة الثور الأسود. لا أحد بإمكانه حماية نفسه من أشكال العنف، الهلامي، هذه، وإذا كان التكرار الثاني عبارة عن مهزلة، فإن التكرار الأول عبارة عن مأساة. الشخص يقول خلل هذيانه الكحولي بأنه مازال يحلم بمسدس ماغنوم او كولت، ليخرج إلى الشارع مثل إيروسترات، ويقتل الزومبي وشعب الزاحفين، البارمان يصرخ في وجهه: [Ferme ta gueule connard، إنك تحلم بارتكاب جريمة قتل، إن كررت هذا مجددا في حانتي سأكون مضطرا لطردك ومنعك من الدخول إليها ثانية، وقد أضربك، هل فهمت]. لا أعرف كم من الوقت سيمر قبل أن ينتهي كل شيء، قبل أن تطلع كلمة The End، لكن رجال المال والأعمال في عاصمة الثور الأسود غير منشغلين بأية نهاية، لقد صارت الأرض بالنسبة لهم مجرد شركة عابرة للقارات، وهذا الثور الأسود يقال بأنه كان منتصبا في وضعية هجوم بجوار جدار، ثور أسود وعدواني لا علاقة له بسلالة العبيد. لكن أين يوجد المال، أين توجد هذه القارات؟
مسرحية سياسية
صرخ البارمان:[لا تنسوا يا سلالة الحشرات بأننا في سنة 2667، وأن الكثير من الأشياء انتهت دون أن تنتهي]. تبادلنا النظرات أنا وشبيه بوكوفسكي. فجأة وجدتني أقول له:[هل تعرف بأنك تشبه كاتبا عاش في القرن العشرين من الألفية الثانية اسمه بوكوفسكي كان مقيما في مدينة اسمها لوس أنجليس احترقت مرات قبل أن يدمرها تماما الحريق الأخير لسنة 2024، كل حياته تمحورت حول الكتابة، ممارسة الجنس، تناول المشروبات الروحية والرهان على الخيول، أو التيرسي، وجهك مليء بالثقوب مثل وجهه]، قال:[لا…لا أعرف] أعلم بأن السياسة مجرد مسرحية يتناوب على ركحها ممثلون بعضهم يكونون موهوبين والأغلبية أنصاف موهوبين أو ماكرين، والبعض أميون نيشان، ولكن الانتماء السياسي وإغراءات أضواء بروجكتورات السلطة المرغوب فيها، تحولهم إلى كائنات تشبه الفامبيرات، ترتوي عبر مص دم ضحاياها. سألني البارمان بصوت خفيض ناعم لا يتناسب مع جسده الشبيه بفيل:[كيف ذلك؟]. قلت:[خذ أي شخص مغامر خامل الذكر، مجهول الهوية يعمل في وظيفة تافهة، امنحه عضوية ما، طبعا سيتضاعف صراخه داخل الحزب، يتحمس أكثر من زعيم الحزب، يسيح على صفحات الجرائد الورقية ويقفز من موقع في السوشيال ميديا إلى آخر، يرفع عقيرته بالصراخ، يرفع سبابته ويحركها كأنه يروم إدخالها في أنف الهواء، إلى أن يصير زعيما، وحينها تنفتح أمامه أبواب أخرى، ويصير شخصا لا مرد له كالقضاء والقدر،]. انبرى الشخص الذي لا يغادر الحانة إلا لقضاء حاجته في المرحاض أو حين تغلق الحانة أبوابها في منتصف الليل، انبرى قائلا: [لكن هذا مرعب، إنها مسرحية يمثل فيها مغامرون ماكرون أو جهلة، قرأت بأنه في القرن الخطير الذي سموه العشرون، صعد إلى الحكم في دول بقارة كانت تسمى إفريقيا أو أن اسمها قد تغير الآن، عتاة الدكتاتوريين والقتلة، أحدهم قتل الآلاف وكان يسمي نفسه ملك إسكوتلاندا، آخر حول جمهوريته إلى امبراطورية ونصب نفسه امبراطورا على طريقة نابليون وجوزفين، كان معروفا بأكل اللحم البشري ويقال إنه أكل لحم وزرائه بعد قتلهم، رئيس آخر كان ثوريا في بدايته، لكنه انتهى دكتاتورا مصابا بخرف الشيخوخة ولم يتخل عن السلطة إلا بعد أن قاد البلاد إلى الإفلاس الاقتصادي والتضخم الذي لا مثيل له، بحيث قد تشتري كيلو بطاطس بورقة من فئة مليون دولار، لأنه في خضم هذيانه وجنونه، تبنى عملة الدولار]، قلت:[لا تنس بأنه في زمن ما منذ عقود، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مصدر للسلطة المالية والرمزية وصار الأميون والمحتالون والانتهازيون والمناضلون المفبركون يستثمرون فيها باعتبارها أنشطة مدرة للربح، وقاد هذا إلى أن يصير المسرح السياسي معمما، يجب أن تعلم بأنه في القرن الأول من الألفية الثالثة اعتلى سدة الحكم في دول كثيرة أشخاص قدموا من عالم الفرجة التلفزية والشوبيز، حتى أن نجمة أفلام البورنو صارت نائبة برلمانية في دولة أوروبية]، ظل البارمان ينصت وفجأة حدجنا أنا وشبيه بوكوفسكي بنظرات حادة وقال:[صافي، باراكا من الهضرة، هل تريدان شرب شيء آخر].
قصة حب
عرفت جيم في الحانة. سميتها هكذا Jaime، لأن اسمها يبدأ بحرف الجيم. حين ولجت الحانة أول مرة، حدجها البارمان بنظرات متمعنة، اعتلت كرسيا بكل أبهة، وطلبت جين تونيك. استدرت أنا وشبيه بوكوفسكي نحوها وشرعنا ننظر إليها مباشرة دون أدنى إحساس بالحرج. شربت كأسها دفعة واحدة كامرأة خبيرة، نظرت إلي بعينين واسعتين تغشاهما بقايا زرقة باهتة ومتعبة. طلبت من البارمان أن يقدم لها كأسا أخرى. سحبت كرسيها واقتربت مني. شبيه بوكوفسكي حاول أن يحشر نفسه ويفصل بيننا لكنها نهرته بحزم، أما أنا فقصفتني بابتسامة شاسعة مثل إشراقة شمس في مضاءة وسط غابة كثيفة. ارتجلت كلمات شكر، واندلق صبيب كلامها، حكت عن وقائع حياتها مطولا. جيم امرأة في الخمسين من عمرها، قد نسميها une femme mûre، تزوجت وتطلقت مرات، une femme bien faite، على ملامح وجهها تنرسم بقايا جمال قديم. يجب أن نقول إننا في سنة 2667، مؤسسة الزواج لم يعد لها وجود تقريبا، عوضها الكونكيبيناج. جيم امرأة حرة، وفق نمط حرية بلا ضفاف، وهي تقتسم معي الحياة المشتركة منذ شهور. جيم تتناول المشروبات الروحية كبئر بلا قرار وتدخن مثل قطار يسير بالفحم، على ذراعيها دقت أوشاما تشي بأنها قضت فترات متفرقة في السجن. هناك رسوم وتواريخ عديدة تؤرخ لفترات قضتها خلف القضبان. تبدو بأوشامها مثل عضو في عصابات القتلة الخطيرة التي عاثت فسادا في بداية الألفية الثالثة والتي نشرت رعبها في أمريكا الوسطى وكانت تسمى los maras. غريب، بالرغم من الانهيارات التي طالت مختلف نواحي الحياة في المنطقة التي أعيش فيها، مازال السجن الشيء الوحيد الذي يوجد ويشتغل بكفاءة وحكامة رشيدة. أحيانا حين نرقى أعلى درجات الثمالة نتخاصم من أجل أشياء تافهة جدا، فتقذفني بكأس أو بقنينة بيرة في يدها. مرة كادت تكسر رأسي. منذ أيام خنقتها، بضع ثوان فصلتها عن الموت، بقيت محكما قبضتي على عنقها، وغمر لون أرجواني يشبه لون حبات الكرز وجهها الناصع البياض، الذي تطرزه التجاعيد وآثار أرجل الإوز، بدأت أنفاسها تتقطع، أزلت قبضتي، انهارت وبكت طويلا، بكت بصوت يشبه منشارا من فرط إدمان التدخين. أنا لا أحب Jaime، نعم لا أحبها، ولكنني ألفت وجودها معي هنا في الشقة الفوضوية وفي الحانة، في هذه السنة الشبيهة بمقصلة 2667، سنة الكوابيس، السنة التي تشبه أغنية لفرقة هارد روك اشتهرت في القرن العشرين هي AC/DC، أما الأغنية فهي High way to hell، كنت أعتقد بأنني في هذه السنة سأعيش في كوكب مارس أو المشتري أو عطارد، وهاأنذا مع ما تبقى من البشرية أعيش وسط خرائب مدينة، مع الزومبي وشعب الزاحفين. أحيانا نتخاصم، بشكل عنيف فتغادر جيم الشقة ،تغيب أسابيع وشهورا، لا أعرف أين تذهب وسط خرائب المدينة، أكتفي بالسؤال عنها في الحانة وكفى ، ثم تعود متعبة مكتئبة، باكية. أحيانا تعود وهي تحمل ندوبا ملتئمة في أنحاء من جسدها، أنا أعرف بأنها حين تغيب تنام مع أي كان من أجل بضع كؤوس جين تونيك، لكن ذلك لا يهمني، لا يعنيني، لقد ألفت العيش معها، nous sommes tout les deux des épaves humaines. ألفت العيش معها وسط هذه الصحراء الإنسانية، حين تعود ننام معا، تقول لي بأنني الرجل الوحيد في حياتها، لأنني أجعلها ترقى مدارج النيرفانا، تقول بأنني أملك كاريزما، تظل تمدحني أياما قبل أن يتعكر مزاجها وتنقلب على فجأة لينفجر إعصار آخر. مرة استسلمت لجاذبية البوح وقالت لي بأنها مصابة بمرض ثنائية القطب، أي إنها bipolaire، في هذه السنوات العجاف التي اندثرت فيها الكثير من أسباب الحياة، بعد النصف الأول من الألفية الثالثة حيث صارت الأوبئة والكوارث الطبيعية والأزمات السياسية والاقتصادية مجرد برامج في تلفزة الواقع همها الأساس الحصول على نسبة مشاهدة عالية.