قصتان

مولاتي السحابة

لعن السحابة التي غطت الطائرة التي تقل والده إلى الديار المقدسة، كان يتابعها منذ إقلاعها، كلما ارتفعت ارتفع رأسه وطال عنقه، لكن السحابة الملعونة حجبت رؤيته، فبدأ يلعن السماء والسحاب والشمس، لم يكد يعود إلى حالته الطبيعية حتى وجد نفسه يقاد إلى الفارگونيط، ويدفع به داخلها.
القبو مظلم وبارد، وحده عنكبوت كان يتنقل من قنت إلى قنت، مما جعله يتتبع مساره رافعا رأسه في السقف، لم يكن السقف يسمح بسير السحاب فوقه، فلعن ثانية الشمس والسحاب وهدير الطائرات.
انفتح الباب، وطلب منه الخروج، صعد درجات خشبية، فوجد أمامه سحابة فوق المحكمة، أراد لعنها، لكن الشرطي فتح بابا قهويا وأمره بالدخول.
أمامه طاولة كبيرة فوقها ملفات تراكمت بدون ترتيب، قال له وكيل الملك: ابرك لمّك؟
أصابه الأمر بدوران و رجفة، جلس أمام الوكيل الذي استل ملفا من الملفات غير المرتبة وقال له: علي بن محمد !
مولود بورززات سنة 75
من محمد بن الجيلالي
وحادة بنت السي موح
نعم السي !
ماذا كنت تفعل في المطار؟
كنت اودع أبي !
وهل من جاء لتوديع أبيه يقوم بلعن سحابة شريفة؟
لم أكن أعرف أنها سحابة شريفة سوى الآن!
أنت تتغابى وتتحيمر أمامي، فأنت تعرف السحابة و تعرف وقت مرورها واستغليت سفر والدك لتمرر خطابا للعامة وللحاضرين!
اقسم بالله لم أكن أعرف أنها سحابة شريفة، فقد ظهرت لي سحابة كبقية السحاب الذي يمر فوق البلد.
أنت تراقب السحاب الذي يمر فوق البلد إلى درجة أنه لم يعد سحابا ممطرا؟
لا ياسيدي أنا أراقب السحاب خوفا من ضربة شمس!
الشمس لا تضرب أي أحد، الذي يضرب هم امثالك الذين يوهمون الناس أنهم لا يعرفون السحاب الشريف؟
سيدي هل هناك علامة تميزون بها السحاب الشريف عن غيره؟
سكت لمّك!
فتح وكيل الملك سجلا استقدمه حارس الأمن، قلب صفحات عدة ثم توقف، أشعل سيجارة وبدأ يدخن، قلت له: هناك سحابة دخان أمام وجهك!
انتفض وقال لي: اسكت لمّك! هذه السحابة لا تصنف مع أي سحاب، ثم سألني: هل تعرف هارون الرشيد؟
قلت له: راجل زبيدة!
نظر الي نظرة قاسية وقال لي: اسكت لمّك!
قلت له: صديق أبو نواس!
نهض من فوق الكرسي وصفعني.
ثم أشعل لفافة أخرى، وقال لي: زد!
قلت له: خليفة عباسي، ثم كأن أحدا أيقظني، تذكرت أن السحابة فعلا شريفة، فهي سحابة هارون الرشيد مازالت تدور في الجو منذ مئات السنين، تسقط ثم تلتقط، وهكذا دواليك حتى وصلت إلي في المطار، وأمطرت علي كل هذه المشاكل التي لا أعرف كيف ستنتهي مادامت تسمى في دهاليز المحكمة ب (مولاتي سحابة)!

دواء أزرق

لا أعرف لماذا كلما مررت بالصيدلية المختصة في بيع الأدوية البيطرية، تحركت شفتي السفلى، لهذا قررت اليوم أن أدخل إليها وأسأل البيطري عن ذلك.
وجدت الصيدلي البيطري يأكل سندويتشا، ولما رآني أدخل الكارطونة تحت الكونطوار ومسح فمه بكمه، وقال لي: اعتذر، فأنا أحسست بالجوع فطلبت سندويتشا كما ترى، وسألني: كلب أم قط؟
قلت له: أنا. لما سمع كلمة أنا، أعاد السندويتش إلى مكانه، وقال لي: مالك؟
قلت له: يحدث لي كلما مررت بهذا المكان إلا وتحركت شفتي السفلى!
قال لي: هل سبق لك أن أكلت مع حصان في نفس الإناء؟ لم يعجبني سؤاله، فقلت له: تضحك علي؟
تجهم، وتفاداني بعضة في السندويتش، ثم مسح فمه هذه المرة بكلينيكس، وقال لي: أريد أن أشخّص إصابتك، فتحريك الشفاه خاصة السفلى بالنسبة للإنسان لا يتم إلا إذا كان يعاشر بعض الحيوانات التي تحرك هي كذلك شفتها السفلى أثناء الجر.
قال كلمة الجر، وهو يلتقط عود رقيقا وبدأ ينظف به أسنانه،
فعلا والدي كان له عود يجر عربة لما كنا في البادية، على فكرة، نحن كنا في البادية وجئنا إلى المدينة، ولما مر والدي بالصيدلية التي على واجهتها رسم رأس حصان وزوج من الأرانب، قال لأمي سنسكن هنا حتى إذا وقع للعود مشكل نجد الدواء قريبا منا.
لم يبق أبي في المدينة كثيرا، ذات صباح، جر والدتي وماتبقى من متاع في البيت، وقال لنا: سأعود إلى القرية، إذا أردتم البقاء فسوقكم!
كنت أنا الأكبر، والذي تتحرك شفته كلما مر بالصيدلية البيطرية! قلت له: سأبقى. أعطاني الساروت، وقال لي: خلص الكراء.
ترك والدي أثاثا خاصا بالحصان، منه بانيو كبير كان يخلط فيه النخالة والشعير ويقدمهما للحصان، لما انتقل أبي إلى البادية، بدأت أستعمل البانيو للعجن والتصبين!
شرحت للصيدلي كل ذلك، فقال لي: جاءتك العدوى من البانيو والحصان، التفت إلى الوراء، مد يده إلى قرعة صغيرة فيها سائل أزرق: قال لي اقترب، اقتربت منه، فتح الغلاقة وسكب فيها السائل ثم أخذ لفة قطن غطسها في المحلول، مرر السائل الأزرق فوق الشفة السفلى، قال لي عض على القطن ولا تكلم أحدا أربع وعشرين ساعة!
أشرت له إشارة يفهم منها أني أسأله عن ثمن الدواء، قال لي: الدواء الأزرق بالمجان! فهو خاص بالحيوانات!

 

 

 


الكاتب : عبد العزيز حاجوي

  

بتاريخ : 17/01/2025