قصتان

 

حمام المدينة

القصة التي كتبتها فاطمة استلهمتها من غرفة الحمام الداخلية، وهي الغرفة التي تقول جميع النساء اللواتي يقصدن الحمام التقليدي: غرفة إزالة الأوساخ و طلاء الصابون البلدي.
فاطمة تقول في قصتها: لبست الشورط لأني لا أحب الاستحمام بالتبان، فهو يجعل الشيطان بتفرج علي، فالمذكر الوحيد الذي يستطيع أن يتسلل الى حمام النساء هو إبليس! وأنا لا أحب إبليس لأنه كان سببا في ما نحن فيه الآن، كنا في الجنة نعوم بالماء البارد و نستلقي تحت الأشجار، لا نحتاج الى (الطيابات) والصبون البلدي.
المرأة التي شاهدتني وأنا أغرف الماء من الجفنة الإسمنتية المستطيلة، قالت لي: ألست من المدينة، فنساء المدينة لا يستحممن بالشورط!؟
لم تعجبني ملاحظتها، و أعطيتها ( باللور)! و حملت سطلي و توجهت الى ( القنت ) و بركت! كنا أكثر من خمس نساء وثلاثة أطفال صغارا.
اللغط القوي، و الصراخ من حرارة الماء الساخن جعل الأطفال يئنون !
قالت لي المرأة التي تبدو أنها من الجنوب: (نحك ليك وتحكي ليا).
لم تعجبني الفكرة، لكن ظهري بعيد عن يدي و أنا يجب أن أحكه، قالت لي : (تمغطي)!
كان الكيس يمشي فوق ظهري بسرعة مثيرة، وكانت المرأة تغني أغنية شجية، تبينت من ترديدها لها أنها تتحدث عن الغربة في المدينة، ما أعجبني في المرأة أنها لم تتجاوز حك ظهري، قالت لي: (على سلامتك).
سكبَت الماء على جسدي، ومدت الكيس إلي وانسحبت الى مكانها.
أنهيت المرحلة الأولى من الاستحمام، ثم انتقلت الى مكان المرأة، مدت إليّ كيسها، و تمددت كنخلة أسقطتها الريح. دسست يدي في الكيس، و بدأت أحك ظهرها الذي تخشب بفعل شمس بائدة، قالت لي: أنا جئت من الجفاف وجلدي يحتاج الى الترطيب وضحكت! حككت وحككت، كلما تعاملت مع ظهرها، كانت تتلوى كخذروف فوق سطح محدودب، قالت لي: (باركا) لقد أتعبتك!
المرأة كانت تعوم بسروال قندريسة، سماوي اللون، قالت لي حين رأتني أنظر إلى أسفلها: (سروال الحاج)! الحاج يقول لي : حمام الدار البيضاء ماسخ، فإذا كان حمام الرجال ماسخ كذلك، فما أدراني بحمامكن ؟ كان يقول لي:( عومي بسروالي)!
وحدها المرأة التي أعطيتها بالظهر كانت تعوم بتبابين المدينة!

الكرة الأرضية

يستطيع بائع الأدوات التي سبق استعمالها أن يجعلك تضحك من الذين اشترى منهم البضاعة، فأمامه بسط فوق التراب بقية من كرة أرضية بلاستيكية،!
ماتبقى على الخريطة يظهر أن الذي باعه المجسم الأرضي كان يستعمل المقص لمحو بعض البلدان منه، مثلا ترك فراغا كبيرا في المجسم حين انتزع الصين منه، فتدفق الصينيون من جنبات البحر وزحفوا في اتجاهات مختلفة، ويظهر كذلك أنه نزع من إيطاليا حذاءها وطوح به بعيدا اتجاه مالطة، لبست مالطة الحذاء و ضربت بالعالم الغربي عرض الحائط!
حمل المشتري المفترض ماتبقى من الكرة الأرضية، و وضع عينه في الثقب الذي أحدثه ربما معلم الجغرافيا و التاريخ، أراد أن يجد موقعاً للتضاريس التي تهاوت بفعل الاستعمالات الكثيرة لهذه الكرة من طرف من سبقوه في تدريس المادة، فتفاجأ وهو يرى العالم العربي يستقر في الأسفل متكوما على نفسه، رفع عينه عن الثقب ووضع اصبعه داخل المجسم وبدأ يحرك مابداخله، لم ينتبه للحشرة السامة التي عضت بنانه الذي انتفخ بسرعة فصعب عليه سل الإصبع من الثقب.
قال البائع: لقد وقع لي ماوقع لك، فأصبحت أخاف هذه الكرة الملعونة، لقد وجدتها ضمن متلاشيات اقتنيتها من رجل كان يسكن وحده، والذي حدثني عن حبه للبحر و للخمر، ولكن منامة شاهدها في ليلة من ليالي صيف حار، جعلته يشك في هذه الأرض التي تغرق في المآسي، فقرر أن يقتني كرة أرضية بمحور تدور حوله، ويقامر بدولها، فحين يشرب خمرا أحمر، كان يغمض عينيه، ويجعل المحور يدور، و أثناء الدوران، يضع إصبعه على المجسم، يوقفه، و البلد الذي وضع فوقه الإصبع، كان يقصه بمقص، ويلقي به تحت المائدة!
أما إذا شرب جعة، ففد كان يدير المجسم ببطء، ويبدأ بقراءة الدول التي أمامه، ويستعرض تاريخها ومساهمتها في العالم علميا واقتصاديا ، وإذا ظهر له البلد عاجزا عن توفير العيش الكريم لأهله طمس معالمه بقلم اللبد الذي لا يمكن إزالته!
لم يترك في الكرة الأرضية سوى ماتراه الآن: ثقب تضع فيه إصبعك والذي وضعته فيه أنا كذلك قبل أن أنشر هذه الخريطة مع هذه المتلاشيات التي ترى!


الكاتب : عبد العزيز حاجوي

  

بتاريخ : 28/02/2025