قصص قصيرة : إجلاء الكائن المائل

يبدو من بعيد وهو يتوجه نحوي كعمود ثابت مغروس في الأرض إلى أن يتوضح قربي في الخيمة ، شاب هزيل ، سيىء التغذية ، يبادر طوعا القيام ببعض الأعمال كاجثثات الطلح والزرنيخ والسدر أو مساعدتي في تشغيل المحرك والسقي ، لا أبخل عليه بأجرة حسب عمله ، اعتاد على ذلك ولو باصطناع ما لافائدة فيه ولم تكن لي به حاجة ، أجاريه في ما يود عمله تجاوبا مع رغبته في كسب النقود هو في حاجة إليها كغيره من البدويين المعوزين . لما بدأت تسوير الحديقة كان من ضمن البناة . نشأت بيننا علاقة ـ تفضُّلا مني ـ باعتباره أنه من الجيران  ، لهذا وضعتُ مفتاح البستان رهن يده لرعي أغنامه على أن يحاذر من دونها من الشتلات لكنْ سوءُ طويته جعله يجىء بها ويتركها ترعى، يغلق الباب عليها وينصرف. دُمِّرت الشتلات بخضم الخراف أوراقها وقطع الطري من غصيناتها
أكْرَى الكائن المائل، وهو نموذج غريب للمخاتل ، أرضَ أسرته فهو عميدها لـ( بْحَايْري= مختص في زراعة البطيخ بنوعيه ). أصبح الوديعُ الخدومُ المستعطي شخصا آخر يتكلم من أنفه ، لما ملأ المالُ جيبه من عائد الكراء . سطا على الممر ( الأرضِ الحُرَّة ) السيَّارةِ بين بستاني والساقية الموصلة إلى الطريق المفتوحة على المدينة . لم يعد في وسعي إلا الالتفاف بما يضاعف ثلاث مرات المسافة المؤدية إلى منزلي ، ولأن المنزل يوجد في أرضٍ ( ذيل الجِلباب ) فحينما تمطر شتاءً ويغزر الفيضُ ، يتعذر علي الوصول إلى البستان . ياله من حصار الحصارات ياغوتيسولو ! . فعلا ، (جَوِّعِ الكلب يتبعك ، وجَرِّيئْه يلعق فمك )
حدث ، لاحقا ، ما لن يرد على خاطر نبيه دَقَّ تخمينُه … حوالي منتصف الليل  ، جاء متسلِّلا من طرق الباب الخارجي ثم شرع ينادى . التقطتُ شَفْرَةّ حادة ، فتحت الباب ، وقفت على مسافة مؤمَّنة فـ( الليل أخفى الويل)
قلت :
من ؟
قال :
المعيطى
عرفتُ الرجل ، اقتربتُ منه ووقفت على بعد نحو مترين
قال :
جئت لأخبرك ، أهله سيؤذونك، أو سيبلغون عنك القائد
تساءلت :
لماذا ؟
قال :
لمعاقبتك ، ولكي تَفُكَّ عنه السحر، إذ بات لا يغمض له جفن ، يطوف الليل كله في صحن الدار لاعنا شاتما مهددا، لم يعد أحد آمنا على نفسه منه
بعد هنيهة صمت وتردد ، قال :
تَكَتَّمْ ، لم أزُرْكْ
خطف الرقَّاصُ رجليه مغادرا ، اختفى في الظلام، تاركا الحيرة والدهشة تستبدان بي.


الكاتب : أبو يوسف طه

  

بتاريخ : 20/01/2023