قضايا من التاريخ الجهوي للجنوب المغربي خلال القرن 19 انفراد الزاوية السملالية برياضة الرماية -16-

تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.

ومما عرفت به أيضا الزاوية السملالية وشيخها احماد اوموسى هو ممارسة رياضة الرماية، الأمر الذي حدا بالبعض إلى اعتبار الشيخ معلم الرماية الأول في كافة سوس ، لذلك ينسب علي بن ناصر ببلاد أحمر، صاحب أشهر مدرسة للرماية، هذه الأخيرة إلى سيدي احمد أموسى، كما يُستحضر في هذا المقام النشاطات الجسمانية الرياضية البهلوانية التي يمارسها اليوم “أبناء سيدي أحماد أوموسى” (إهياضن) التي ينسبها هؤلاء إلى الشيخ أيضا(ناعمي مصطفى، معلمة المغرب ص، 161) كما أن زيارة احماد أوموسى تميزت باستقطابها للمريدين والزوار من كافة الانتماءات الصوفية المعروفة آنذاك في سوس، الأمر الذي جعله يحث أتباعه على التزام الأسبقية في الزيارة، كما أنه كان يرفض أن يكون شيخا لأحد. وقد صرحت الباحثة خديجة الراجي إلى أن الشيخ احماد أوموسى لم يؤسس طريقة على غرار تلك التي أسسها شيوخ معاصرون، بل نجد أتباعه وأبناءه ينضوون تحت لواء الناصرية والدرقاوية خلال القرن 19، بل إن أبرز مريدي الشيخ قد أسس زاوية قادرية(الراجي خديجة، نفس المرجع، ص، 44/44).
جدلية السلطة الدينية والسلطة السياسية: الزاوية والمخزن:
الملاحظ غياب مادة مصدرية حول علاقة سيدي احماد اوموسى بالمخزن السعدي اللهم من باب الهمز واللمز او بعض الإشارات الخافتة التي لا تجدي نفعلا ولا تشفي غليلا ، ولم تعطيها أهمية كبيرة، باستثناء علاقته بثالث سلاطينهم وهو عبد الغالب، فتحدثت عن استقباله لهذا السلطان في تازروالت، وذلك رغم كون التحركات الأولى للسعديين في المنطقة تزامنت مع انتقال واستقرار الشيخ أحماد أوموسى في تازروالت. وبسبب المكانة التي أضحت له في كل نواحي الجنوب فقد كان محط اهتمام السلطة السعدية، وكانت تستشيره بشكل مستمر.
رغم إحجام المصادر التاريخية عن تقديم تفاصيل وافية عن علاقة أحماد أوموسى مع السلطانين السعديين أحمد الأعرج (1514-1540م) ومحمد الشيخ، فإنه أوردت التقاء احماد موسى مع السلطانين وتحدثت عن علاقته بهما، والتي تندرج ضمن الحركية العامة لمتصوفة الجنوب خلال تلك الفترة والتي هدفت إلى تدعيم أسس الدولة السعدية الناشئة وتثبيت ركائزها(الراجي خديجة، م س، ص، 61-62) خصوصا في فترة السلطان الأول أحمد الأعرج الذي لجأ إلى متصوفة زمانه لمناصرته ضد القبائل العاصية في المنطقة. وفي الفترة التي انقسمت فيه السلطة السعدية بين أحمد الأعرج ومحمد الشيخ، والتي استأثر خلالها هذا الأخير بمنطقة سوس ودرعة، عمل على التواصل مع الشيخ احماد أوموسى وذلك في سبيل دعم حكمه ومشاريعه في المنطقة، فقام محمد الشيخ باستقبال الشيخ أحماد أوموسى بحاضرة تارودانت العاصمة آنذاك وذلك سنة 958ه/1551م .
نذكر أن أحمد بن موسى السملالي المعروف عند أهل المدينة بـ(سيدي احماد وموسى) وفد على السلطان محمد الشيخ السعدي فأنزله بمشور دار الإمارة بالقصبة السلطانية، فأتاه الناس يزورونه، ووقف خذيمه الرجل الصالح صاحب شرطة الأمير زكرياء بن الغازي يذود الناس عنه فقال: من زار خرج يرحمكم الله، فقال له الشيخ: بل قل من جار خرج يرحمكم الله.
وقد علق محمد بن عبد الله خرباش الروداني على هذه الواقعة في كتاب (إليغ قديما وحديثا) للعلامة السوسي قائلا: ولعل ما يؤيد ذلك أنه في دار الإمارة المذكورة إلى الآن قبة معروفة بقبة سيدي أحمد بن موسى، وأن في ساحة أساراك بتارودانت مسجدا يسمى مسجد سيدي أحمد بن موسى.

ومما أورده السوسي في سبب تسمية (مفرق الأحباب) بهذا الاسم في رحلته الرابعة خلال جزولة نقلا عن عدول المدينة وفقهائها: أن أناسا من الصالحين كسيدي أحمد بن موسى التزروالتي ونظرائه الذين عاصروه تفرقوا فيه بعدما اجتمعوا. كما تحدثت المصادر التاريخية عن كونه دعا الناس إلى الثورة على الأتراك الذين اغتالوا محمد الشيخ في 23 أكتوبر 1557م. وبسبب مواقفه تلك فإن مكانة أحماد أوموسى تعززت لدى السلطان الثالث عبد الغالب (1558-1574م)، فكان الشيخ أحماد أوموسى خير داعم للسلطان الجديد في تثبيت دعائم حكمه في مواجهة الأخطار المحدقة به خصوصا ضد التهديد التركي والبرتغالي.


الكاتب : n ربيع رشيدي (*)

  

بتاريخ : 29/03/2024