تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.
يلاحظ من خلال تحليلنا للخطاب المخزني الذي تضمنته بعض المراسلات المخزنية المتبادلة بين السلطان والشريف الحسين أهاشم، أن العلاقة بين الطرفين أصبحت تتجه نحو الطريق الذي رسم معالمه المخزن، إنه السير نحو جعل دار إيليغ ترضخ لسياسة السلطان في الجنوب المغربي والتي عبرت عنها حركته الأولى 1882. فبعد فرار شريف تازروالت إلى جبال سملالة وبعدما عبر السلطان عن رغبته في جعل العلائق تمشي وفق المخططات التي رسم معالمها الأجداد العلويين الأوائل، على اعتبار أن آل تازروالت من الخاصة التي يعول عليها في سوس نظرا للوزن الكبير الذي يمثله أشرافها والموروث عن الشيخ سيدي أحماد أوموسى، فإن شريف تازروالت هو الآخر ونظرا لأن نفوذه بدأ يتراجع مباشرة بعد رحيل السلطان عن سوس رأى في السلطان ذراعا واقيا من الرماح الثاقبة، وهو ما تعبر عنه هذه المراسلة المخزنية والتي كتبها السلطان للحسين أهاشم شاكرا إياه على الهدية التي بعثها إليه بمناسبة ميلاد ولي العهد المولى عبد العزيز يقول نص الرسالة :
” محبنا الأرضى البركة الأمثل السيد الحسين أهاشم وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد وصل كتابك بما أنتجته دواعي الوداد ودلت عليه البركة بالوفات عليه الأسماء وانضوت عليه الظهائر في حالتي القرب والبعاد من إخلاص الطوية وصفاء النية، وكونكم عند الامتثال والدوام على العهد وحفظ الخفارة تبعا لأسلافكم…في مواردكم وصروركم، ووجهت من بركة هاتيك الزاوية الأحمدية ما كان لدينا أعظم تحفة وأكبر سنية إكراما لعبد العزيز، وطلبت القبول ودعوت له بما هو منكم غاية المسؤول وصار بالبال. أما ما أنتجته دواعي الوداد فقد شرع في الأرواح واتصفت به الأجساد أدام الله صفاءها، … وجعلها خالصة في رياض المصافات، وما كونكم عند الامتثال والإشارة فهو المعهود منكم خلفا وسلفا، واستعين له لذلك السلف راشدين وفي أثواب الهداية والاستقامة… وأما التحفة فقد وصلت وقابلنها بالقبول، وعددناها من العظمة الربانية والموهبة الإلهية حفظ الله… الولد عبد العزيز وأصلحه الله، فرح بالهدية وهاهي عندنا من الذخائر البهية، والمرجو من الله سبحانه أن يكون دعاؤكم له متصل الضراعة فإنه لدينا أجل بضاعة، والسلام 18 رمضان المعظم عام 1303 هـ “. (مراسلة من السلطان المولى الحسن الأول على الشيخ الحسن أهاشم بتاريخ 18رمضان1303هـ /27شتنبر1885، خزانة البوخاري بودميعة بإنزكان، المجلد رقم4 الخاص بالسلطان المولى الحسن الأول.)
تعبر الرسالة التي كتبت سنة بعد الحركة الأولى عن مدى التقارب الذي حدث بعيد هذه الأخيرة، ويلاحظ من خلال تحليل فحواها واستقراء مضمونها أن السلطان خاطب الشيخ بعبارات تليق بمستوى الشريف كما تشير إلى تاريخ المودة والتقارب الذي كان بين أهل الدار والمخزن الشريف. وقد اعتبر السلطان ذلك من عوائد دار إيليغ مطالبا الشيخ بالبقاء والدوام عليها، ومن جهة أخركما يلاحظ أن تأثير الزاوية الأحمدية لا يزال وقعه كبيرا على شخصية السلطان، لذا فقد بادر إلى مطالبة الشيخ بالدعاء له ولابنه المولى عبد العزيز. كما ألح على الشيخ بأن يبقى على خصال سلفه، إذ يقصد بذلك الشيخ أهاشم وابنه علي. كما أن إرسال الشيخ للهدية بمناسبة ميلاد المولى عبد العزيز فيه إخضاع له من طرف المخزن الذي أراد من الشيخ أن يبقى تابعا له لا متبوعا له، والدليل على ذلك أن تبادل الهدايا يبقى صورة من الصور التي طبعت العلاقات بين الحضرة الشريفة ودار إيليغ (فهاشم التازروالتي كان يهدي للمولى عبد الرحمان بن هشام على رأس كل سنة أمة وعبدا، وقد دأب السلطان هو الآخر على أن يبعث له ألف مثقال سنويا باعتبارها صدقة لجده سيدي أحماد اوموسى. انظر بخصوص هذه النقطة ، الماسي سيدي إبراهيم، أخبار سيدي إبراهيم الماسي عن تاريخ سوس في القرن التاسع عشر ، اعتنى بنشره أفا عمر،منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الطبعة الأولى2004، ص،57. ) على الأقل منذ فترة المولى سليمان والتي تؤكد أن أهل هذه الدار كانوا يتحركون وفق إرادة السلطان.
لقد عبر السلطان عن تسامحه مع زعيم دار إيليغ الذي فر إلى جبل سملالة ظنا أن السلطان جاء للتخلص منه وللانتقام من أفعاله التي مارسها في المنطقة والواقع أن السلطان ما لبث أن يغير نظره له خصوصا وأنه استفاد من تجربة سلفه وكذلك من تجربته لما كان وليا للعهد وخليفة لأبيه على مراكش، لهذا فلا غرابة إذا ما اعتبر السلطان الحسين أهاشم عينا من أعينه على هذه البقاع، فقد شكل الشريف بالنسبة للسلطان الوسيط الضروري لإصلاح ذات البين بين القبائل المتنازعة والتي لم يفلح قوادها المعينون بظهير شريف حسني في تحقيق ذلك : “… وبعد فقد وصل كتابك بورود أعيان مجاط وتكنه ورخاوة وخصاصة وبني جرارة مع عمالهم لإصلاح ما بين تكنة وخصاصة ..”، (مراسلة من السلطان المولى الحسن الأول إلى الشيخ الحسين بن هاشم ، بتاريخ 8ربيع الثاني 1302/17 يناير 1885.خزانة بودميعة البوخاري، إنزكان ، المجلد الرابع.) وقد أشاد السلطان بالدور الجبار الذي قام به الشيخ في سبيل إصلاح ذات البين بين قبيلتي تكنة والأخصاص. وتشير المراسلة السلطانية، وفي هذا احتواء للشيخ، أن هذا الأخير وعد السلطان بأن يُتِمَّ عملية الصلح لما أمره بالوقوف عليها شخصيا : “…وأما وعدك بعدم تركك إياهم يذهبون حتى تصلحهم فنعم سددك الله، وأنت لها فلتقف في ذلك حتى تتم على أساسه كما هو المعروف منك، أسس الله بنيانك وأفعالك وأقوالك على التقوى، وعافاك من كل محنة وبلوى…”. لقد أصبحت كلمة الشيخ الحسين أهاشم مسموعة لدى الأوساط المخزنية والقواد الذين عينوا من طرف السلطان، كما أن مباشرة أية عملية للصلح بين قبيلتين متناحرتين لا تتم إلا بحضور هذا الأخير، وهي نفس العلاقة التي سيحدو حدوها خليفته محمد بن الحسين أهاشم.