بلغ عدد قرارات مجلس الأمن التي تناولت قضية الصحراء 76 قرارا صدر أولها في أكتوبر من سنة 1975، وآخرها في أكتوبر الماضي، ومن المفترض أن يصدر قرار جديد في أكتوبر المقبل…
قرارات تنوعت مضامينها، تعددت محطاتها، تفاوتت أحجامها، اختلفت درجة حرارة إعدادها …
منها من كانت له أسباب نزول.. ومنها من نزلت منه أسباب وصعدت إليه بدائل..
منها من سعى لمعالجة عراقيل. وتجاوز مآزق، ومنها اقتصر على مسائل تقنية..
قرارات تشابهت فقراتها في مراحل.. واختلفت في أخرى..
76 قرارا أصدرها المجلس خلال خمسة عقود بناء على 66 تقريرا قدمها إليه الأمناء العامون للأمم المتحدة من كورت فالدهايم إلى أنطونيو غوتيريس.
76 قرارا جلها اتخذ من تلك التقارير حول الحالة في الصحراء مرجعا.. بعضها كانت ولادته عسيرة بعد مخاضات في المناقشات وجدل في التعديلات حاولت أثناءها بعض الأطراف بأن تستصدر مواقف مناهضة للمغرب.. أو تدرج مصطلحات أو عبارات توحي بأنها حققت انتصارا..
خمسة عقود، كانت الدبلوماسية المغربية في نيويورك والرباط تدير المعركة على أرض القرارات وكواليسها بحكمة وتدبرها بتبصر، بسلاح القناعة بمغربية الصحراء وعدالة القضية وإجماع أمة و…بفضح مناورات ونوايا الخصوم وإحباط مخططاتهم..
76 قرارا، مضني هو البحث في وثائقها وتفاصيلها وخرائطها الإحصائية، وإذ أقدم بعض الخلاصات فإني أسعى إلى رسم صورة تقريبية عن هذا الكم الذي يمثل ما نسبته 2,80 تقريبا من مجموع القرارات التي أصدرها مجلس الأمن (2723 إلى غاية 30 يناير الماضي) منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة في سنة 1945.
33 من القرارات صدرت بين 1975 و1999 و43 منها منذ سنة 2000 إلى اليوم.. قرارات عايشت ستة أمناء عامين للأمم المتحدة، وواكبت تحولات عالم ومتغيرات قارة وتبدلات منطقة…
ولأن كل قرار بحاجة لأن يعبر الأعضاء الخمسة عشر بالمجلس (الدائمون وغير الدائمين) عن مواقفهم تصويتا وتفسيرا، فقد كانت الحصيلة بشأن هذه ال 76 قرارا:
التوافق على 3 منها (قرارات 1975).
الإجماع على 62.
الأغلبية على 11 قرارا بعد امتناع أو اعتراض أعضاء بالمجلس:
تسع قرارات عرفت امتناعا.
واثنان توزع فيهما التصويت إيجابا واعتراضا وامتناعا.
فمن الدول الدائمة العضوية امتنعت روسيا 9 مرات والصين مرة واحدة.
ومن الدول غير الدائمة العضوية امتنعت 8 دول من إفريقيا (ضمنها تونس البلد العربي الوحيد) وهي ناميبيا (في أول تصويت لها) وجنوب إفريقيا (ثلاث مرات) وإثيوبيا (مرتين) ومالي وأنغولا وكينيا والموزمبيق (مرة واحدة).
ونيوزيلاندا من (اوقيانوسيا).
وبوليفيا من أمريكا الجنوبية.
وجامايكا من منطقة الكاريبي.
وعارضت ثلاث دول هي ناميبيا من إفريقيا (قرار واحد) والأوروغواي وفنزويلا من أمريكا الجنوبية (قرار واحد).
والمثير أن القرارات الصادرة منذ 2018 إلى اليوم شهدت تصويتا بأغلبية 13 عضوا وامتناع اثنين عن التصويت كان الثابت فيها هو روسيا وبلد إفريقي.
لكل قرار أو مجموعة قرارات سياقات معينة، دولية أو إقليمية، أو مقاربات ومقترحات وتصورات تم طرحها على طاولة مجلس الأمن جاء بها الأمين العام أو مبعوثوه الشخصيون..
هناك خيارات تم التخلي عنها.. بعضها تم الزج به في متاهات التأويل بما لا ينسجم مع روحه الأصلية إلى أن لقي حتفه.. وبعضها كان نفق عبوره للتنفيذ مسدودا. وحدها حقوق المغرب، مغربية صحرائه صمدت وشكلت جدارا تحطمت عليه تحركات الخصوم وشعاراتهم.
أول القرارات صدر في منتصف سبعينيات القرن الماضي، كانت هناك دولتان جارتان وثالثة مغاربية ينسقون من وراء حجاب المؤامرة ويرتبون مخططا مناوئا لبلادنا: إسبانيا المناورة من أجل إيجاد صيغة توفر لها استمرار هيمنتها على الصحراء، والجزائر المعادية لوحدة المغرب الترابية …وليبيا الواهمة بزعامة قومية …
وكان المغرب ولمواجهة المخطط، يهيئ لمبادرة أطاحت بأوهام مدريد والجزائر وطرابلس: المسيرة الخضراء التي أعلن عنها الملك الحسن الثاني رحمه الله في 16 أكتوبر 1975.
عقد مجلس الأمن اجتماعا له، في 22 أكتوبر، من تلك السنة بناء على رسالة وجهها مندوب اسبانيا بالأمم المتحدة، في 18 أكتوبر، إلى رئيس مجلس الأمن يطلب فيها « ثني المغرب عن تنظيم المسيرة « و»اتخاذ القرارات اللازمة» لمواجهة ما أسماه ب»غزو» الصحراء. واعتبر في رسالته أن «القيام بالمسيرة سيولد خلافات بين الدول ويهدد السلام والأمن الدوليين. ويتجاهل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره…».
عقد المجلس جلسات له دعا إليها في 20 أكتوبر كلا من الرباط ومدريد إلى المشاركة في إحداها دون تصويت. كما دعا الجزائر إلى جلسته في 22 أكتوبر. وفي نفس اليوم أصدر قرارا أعلن فيه أن انعقاده يستند على الفصل 34 من ميثاق الأمم المتحدة (ينص الفصل على أن لمجلس الأمن فحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي). ويستند على الفصل 33 (ينص على : « يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها). ..»وأنه يطلب من الأمين العام إجراء مشاورات عاجلة مع الأطراف المعنية والمهتمة ويقدم تقريرا في الموضوع…من أجل اتخاذ التدابير اللازمة «.
وفي 2 نونبر عقد المجلس اجتماعا جديدا نظر فيه إلى تقرير الأمين العام وأصدر قراره ال 379.
وفي 6 نونبر تاريخ انطلاق المسيرة الخضراء اتخذ قرارا ثالثا كلف فيه رئيسه بأن يبلغ الملك الحسن الثاني» بأن يوقف بشكل فوري المسيرة «. وأن «على الأطراف المعنية والمهتمة اتخاذ الإجراءات التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة».
حققت المسيرة هدفها وفشل الخصوم في مبتغاهم..
مر عقد حيكت ضد بلادنا مؤامرات قادتها الجزائر وليبيا.. وانحازت منظمة الوحدة الإفريقية لأطروحتهما، وشنت قوات جارتنا الشرقية بزي البوليساريو وبسلاح ليبي هجمات عدوانية على المغرب.. إلى أن طوى العقيد القذافي صفحة العداء وفتح صفحة جديدة مع الرباط بعد إنشاء «الاتحاد العربي الإفريقي» في غشت 1984.
في 1988 وضع ملف الصحراء من جديد على طاولة مجلس الأمن الذي أصدر في 20 شتنبر من تلك السنة قراره الرابع أعلن من خلاله عن مقترحات مشتركة بين الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المنظمة الإفريقية، وهي المقترحات التي شكلت قاعدة ما سمي بـ»خطة التسوية» في قرار 27 يونيو 1990.
كانت الخطة ترتكز بالإضافة لوقف إطلاق النار على تحديد هوية الناخبين المحتملين في استفتاء لتقرير المصير.
استوطنت الخطة ب 36 قرارا من قرارات المجلس إلى وفاتها سنة 2001 تجر معها إلى مثواها الأخير كلا من «لجنة تحديد الهوية» و»الاستفتاء». وسنحاول من خلال قراءة للقرارات اقتفاء آثار الثلاثة إلى أن صاروا جثثا هامدة:
الجثة الأولى: «خطة التسوية»
قدم الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس منظمة الوحدة الإفريقية مقترحاتهما المشتركة إلى المغرب وجبهة البوليساريو في 11 غشت 1988، وتمت الموافقة عليها في اجتماعات منفصلة، مستقلة بتاريخ 30 غشت منه « بغية إجراء استفتاء بالصحراء تنظمه وتراقبه الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية «. ومن هذه المقترحات انبثق ما سمي بـ «خطة التسوية «، والتي ورد تفصيلها في التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار إلى مجلس الأمن في 18 يونيه 1990. وتم إقرارها بموجب القرارين 658 (1990) و690 (1991) للمجلس.
أبدى المغرب حسن النية في قبول هذه الخطة بالرغم من أنه انسحب من المنظمة القارية في 1984 بعد أن أقحمت في عضويتها وفي انتهاكات صارخة لميثاقها ومبادئها وتاريخها ما يسمى بـ «الجمهورية الصحراوية»..
تزامنت الدينامية الجديدة بالنسبة لملف الصحراء وقتها مع عودة العلاقات المغربية الجزائرية في ماي 1988، ومشاركة الملك الحسن الثاني في القمة العربية التي احتضنتها العاصمة الجزائرية في يونيه من تلك السنة، واللقاء الذي ضم قادة دول المغرب الكبير في زيرالدة نفس الشهر، وتأسيس اتحاد المغرب العربي بمراكش في فبراير 1989، وسقوط جدار برلين في 9 نونبر 1989، وبعدها انهيار الاتحاد السوفياتي في 26 دجنبر 1991 وبالتالي تراجع سياسة الاستقطاب شيئا ما في بعض الملفات الإقليمية …
ولتنفيذ الخطة والإشراف على وقف إطلاق النار، أعلن مجلس الأمن في قراره 690 بتاريخ 29 أبريل 1991 إنشاء تحت سلطته «بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية «(المينورسو) …
لكن هذا المولود /الخطة لم تنظر له المؤسسة العسكرية الجزائرية بعين التسوية بل من زاوية إطالة النزاع انسجاما مع سعيها للهيمنة الإقليمية بالمنطقة، وجعلت كل مطالب ومقترحات ومواقف الجبهة الانفصالية تطبخ بمطابخها وتحمل توقيع دبلوماسية قصر المرادية…
اصطدمت «خطة التسوية» في خطواتها الأولى وهي تسعى للانتقال من قرارات مجلس الأمن إلى حيز التنفيذ، اصطدمت بمحاولات تأويل مستوياتها وآلياتها من طرف جبهة البوليساريو الناطقة باسم مطالب الجزائر. وبرز ذلك من حجم التحفظات التي أبداها الانفصاليون مدعومين من طرف النظام الجزائري. لذلك اتسعت مساحة قلق المجلس قرارا بعد قرار دشنها بما أعلنه في 31 دجنبر 1991 من أنه « لاحظ بقلق الصعوبات وحالات التأخير التي صودفت أثناء تنفيذ خطة التسوية بالصيغة التي تم اعتمادها في القرارين 658 و690». وفي مارس 1993 أورد أنه « يساوره القلق للمصاعب والتأخيرات التي اعترضت تنفيذ خطة التسوية …. « . وبدا واضحا أن الطرفين المناوئين للمغرب يطرحان تفسيرات مصطنعة لأهلية الناخبين المحتملين وكيفية تطبيق المعايير بشأنها عكس ما طرحه الأمين العام في تقريره في 19 دجنبر 1991.
وخشية من وفاة المولود (خطة التسوية) قبل أن يبلغ سنته الخامسة؛ أوفد مجلس الأمن وطبقا لقراره 995(1995) بعثة إلى المنطقة في الفترة ما بين 3 و9 يونيو 1995.. لكنها اصطدمت من جهة بتشبث البوليساريو بإحصاء معيب أجرته إسبانيا سنة 1974 وبتحفظاتها تجاه معايير وشيوخ مراكز تحديد الهوية … ومن جهة ثانية رفض حكومة الجزائر على عكس ما تضمنته الخطة، بأن يتم حصر قوات الانفصاليين في معسكراتهم التي تتواجد أصلا فوق أراضيها واقترحت بأن تخصص لهم معسكرات في المناطق العازلة…
لم تضخ توصيات البعثة أوكسجينا بجسد خطة التسوية الذي اختنق بعراقيل اصطنعتها الجبهة وحاضنتها الجزائر. وبدا ذلك واضحا في قرار المجلس (1002) في 30 يونيو 1995 حيث أعرب عن «قلقه لتأخير تنفيذ خطة التسوية مرة أخرى …». وفي قراره بتاريخ 22 شتنبر 1995 أعرب عن خيبة أمله لعدم إحراز تقدم كافي في تنفيذ الخطة … ولأول مرة استعمل المجلس مصطلح «مأزق» في قراره 1056 بتاريخ 29 ماي 1996 إذ طلب من الأمين العام «أن يواصل مساعيه للخروج من المأزق الذي يحبط تنفيذ خطة التسوية… «.
جاء كوفي عنان إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة في يناير 1997 يحمل معه رصيدا أمميا في كيفية التعامل مع الأزمات. وارتأى أن يعين في مارس من نفس السنة الأمريكي جيمس بيكر مبعوثا شخصيا له في قضية الصحراء..
لم تجد محاولات بيكر ولا اجتماعاته ومخططاته ولا حتى سيناريوهاته ومناوراته النفخ في خطة التسوية روحا جديدة. وعكست قرارات مجلس الأمن في بداية الألفية المأزق بكل وضوح، بل إن المجلس أقر في القرارين (1301) ل 31 ماي 2000 و (1309) ل 25 يوليوز 2000 عن وجود خلافات أساسية حول تفسير الأحكام الرئيسية لخطة التسوية واتفاقات لم يستطع اجتماع لندن تجاوزها … وفي القرار 1324 بتاريخ 30 أكتوبر 2000 لاحظ أنه لا يزال يتعين تسوية الخلافات الجوهرية بشأن تفسير هذه الأحكام.
أغلقت مطالب البوليساريو والجزائر وتأويلاتهما الأفق أمام الخطة في سنة 2000. وبدأت قرارات المجلس تتخلص تدريجيا من إيراد اسمها إلى أن ووريت الثرى بعد أن نزلت من قطاره في محطة 29 يونيو 2001 (القرار 1359) حيث كانت آخر مرة تمت الإشارة إليها.. ومنذ سنتها تم التخلي عنها في القرارات اللاحقة إلى اليوم كخيار برزت استحالة تنفيذه. ومن يومها بدأت تبرز في قرارات المجلس فقرات جديدة تمت صياغتها كخلاصات وقناعات لدى المنتظم الدولي من قبيل: «الحاجة الماسة للبحث عن حل سياسي… «..
جاء جيمس بيكر بـ»الاتفاق الإطاري» في يونيو 2001 الذي تبناه مجلس الأمن في قراره 1359 (29 يونيو 2001). وقبل المغرب التفاوض على أساسه وإبداء المرونة اللازمة.. لكن الجزائر والبوليساريو اختارتا تجاهل ذلك القرار ورفضتا التفاوض بل إن الجزائر قدمت في 2 نونبر 2001 خطة لتقسيم الصحراء رفضتها بلادنا لأسباب قانونية وسياسية في آن..
مرت سنة أصدر المجلس خلالها ثلاثة قرارات «تقنية» بهدف منحه الوقت الكافي لتدبر قراره، كما قال الأمين العام، وليفسح المجال السياسي لوليد جديد تم الإعلان عن ميلاده في قرار المجلس (1495) بتاريخ 31 يوليوز 2003 يحمل اسم «خطة السلام» وكان قد تضمنها تقرير الأمين العام الذي قدم إليه في ماي من نفس السنة.. خطة جاءت كصيغة منقحة ل»الاتفاق الإطاري» لكنها بدت وكأنها صيغت على مقاس الطرح الجزائري ولاقت رفضا من الرباط.
اصطدمت «المهارات الدبلوماسية» لجيمس بيكر بصخرة الرغبة الجزائرية أولا في تمديد زمن النزاع وثانيا خشية الانفصاليين من أن يفقدوا امتيازات استطابوها وهم يحتكرون المناصب العليا لجبهة البوليساريو ويتصرفون في أموال ومواد المساعدات.. ولم يجد بيكر من خيار جديد سوى أن يقرر مصيره في يونيو 2004 والذي كان هو الاستقالة من منصب قضى فيه كمبعوث شخصي للأمين العام ست سنوات.
الجثة الثانية: لجنة تحديد الهوية
شكلت الأمم المتحدة في بداية التسعينيات لجنة تحديد الهوية « مكلفة بوضع القائمة النهائية لأهالي الصحراء المؤهلين للاشتراك في التصويت أثناء الاستفتاء…». لكنها صادفت في طريقها ألغاما زرعتها كل من البوليساريو والجزائر خاصة في تفسير وتطبيق معايير أهلية الناخبين. وبهدف شق طريق «آمنة» للجنة صاغ الأمين العام وممثله الخاص آنذاك ايريك جونسون اقتراحا توفيقيا تضمنته مذكرة تفسيرية في27 شتنبر 1993 صادق عليها مجلس الأمن. لكن هذا الاقتراح ظل مجرد فقرات في تقرير الأمين العام لم تعبر إلى حيز التنفيذ.. ولم يتوصل المجلس وفي اجتماعين عقدهما سنة 1994 إلى صيغة قرار لحلحلة الأوضاع. وكان البديل بيانين لرئاسته في يوليوز ونونبر من نفس السنة.
في بداية 1995 وبعد مفاوضات ومشاورات عرفت مكاتب اللجنة دينامية حذرة لكن مثقلة بعراقيل مصطنعة من طرف الجزائر والبوليساريو.. تحركت في مراحل وكأنها تسير على ظهر سلحفاة، ودخلت إلى غرف الإنعاش أكثر من مرة:
ففي 31 يناير 1996 أعرب المجلس في قراره 1042 عن قلقه البالغ إزاء حالة الجمود التي باتت تعوق عملية تحديد الهوية وما ترتب عن ذلك من عدم إحراز تقدم نحو إنجاز «خطة التسوية».
وفي القرار 1056 بتاريخ 29 ماي 1996 عبر عن أسفه البالغ لعدم توفر الإرادة المطلوبة للتعاون مع بعثة الأمم المتحدة لغرض استئناف واستكمال عملية تحديد الهوية وكذلك لعدم إحراز تقدم ملموس، نتيجة لذلك، صوب تنفيذ خطة التسوية.
ووافق المجلس على توصية الأمين العام بتعليق عملية تحديد الهوية (وتعليق عمل اللجنة مؤقتا)» إلى أن يقدم الطرفان دلائل مقنعة وملموسة على أنهما ملتزمان باستئناف واستكمال العملية دون مزيد من العقبات، وفقا لخطة التسوية».
وأعلن أن جبهة البوليساريو ترفض الاشتراك في تحديد الهوية، لثلاث مجموعات من بين المجموعات القبلية موضع النزاع … بالرغم من أنها تنحدر من الصحراء وتتوفر فيها المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة.
اعتقد الأمين العام للأمم المتحدة ومعه مجلس الأمن أن تعيين المبعوث الشخصي جيمس بيكر في سنة 1997 سيخرج لجنة تحديد الهوية من النفق لكنه لم يفلح في ذلك طيلة سبع سنوات من ولايته. بالرغم من أنه وضع بروتوكولات ملحقة رحب بها المجلس في قرار 30 أكتوبر 1998 وتتصل بتحديد هوية بعض الأشخاص وبإجراءات الطعن…. لكن اللجنة استمرت في التعثر ويبدو أن استئناف عملها في سنة 1999 كان بمثابة النفس الأخير لها قبل أن تسلم الروح، ولم تعد الإشارة إليها بشكل صريح ابتداء من قرار للمجلس في 29 فبراير 2000 وأصبحت صراحة وضمنا جزءا من «المشاكل المتعددة (والخلافات الجوهرية) المتعلقة بتنفيذ خطة التسوية «. توقف عملها وغاب ذكرها وكانت تنتظر فقط دفنها وهو ما تم لها بالإضافة إلى خطة التسوية التي لم تصمد بدورها أمام مناورات الجزائر والبوليساريو..
وبوفاة «خطة التسوية» و»لجنة تحديد الهوية» انهار التصور الذي صادق عليه مجلس الأمن في 1990. ولم يعد لما سمي بالاستفتاء معنى لعدم وجود لوائح ناخبين مؤهلين للمشاركة فيه أو أجندة لمحطاته..
الجثة الثالثة: «الاستفتاء»
لمطلب الاستفتاء بالصحراء تاريخ بعدة ألوان، أولها ما كانت تدبره إسبانيا في سنة 1974 وبعدها ما كان يرتب له خصوم المغرب في أروقة منظمة الوحدة الإفريقية.. ومن محطاته كذلك ما أعلن عنه الحسن الثاني وهو يحضر قمة نيروبي في 1981 حيث قال:
«واعتبارا لهذا كله، ومن أجل أننا نريد بكل ما لأرادتنا من قوة إنقاذ مجموعتنا الإفريقية من كل ما من شأنه أن يهددها بالانفجار والتمزق، ومن أجل أننا نريد دون كلل أو سأم أن نحافظ لفائدة منظمة الوحدة الإفريقية وهي تقابل العالم كله على صورتها كمنظمة متماسكة واعية ومسؤولة، فإننا قررنا أن نأخذ بعين الاعتبار مسطرة استفتاء مراقب تراعي شروطه التطبيقية في آن واحد أهداف التوصيات الأخيرة الصادرة عن اللجنة الخاصة: لجنة الحكماء، وما للمغرب من اقتناع بحقوقه المشروعة».
ومن ألوان هذا الاستفتاء غير المأسوف عليه ما تم إدراجه بقرارات مجلس الأمن:
كانت العبارة في قرارات 1988 و1990و 1991هي «إجراء استفتاء بشأن تقرير المصير…». ثم أصبحت في قرار 1993»تنظيم الاستفتاء الخاص بتقرير المصير».
لكن في بيان لرئيسة المجلس في 15 نونبر 1994 تحولت العبارة إلى» إجراء استفتاء حر ونزيه ومحايد». وظلت بهذه الصيغة في قرارات المجلس الموالية وطيلة سبع سنوات إلى 29 يونيو 2001. بعدها لم يعد له ذكر وبالتالي لم يعد إجراؤه خيارا ممكنا.. وحدهما الجزائر والبوليساريو من سجنتا نفسيهما منذ بداية الألفية في مطلب اتضح أنه مستحيل ومتجاوز: مطلب تنظيم الاستفتاء.
وفي السنة الموالية (2002) وبمناسبة خطاب الذكرى 27 للمسيرة الخضراء قال جلالة الملك محمد السادس
«لقد كان من شأن إجماعنا الوطني على نهج الخيار الديمقراطي الجهوي وما حققناه من تقدم مشهود به عالميا أن تزايد تجاوب المجتمع الدولي مع وجاهة موقفنا، بإيجاد حل سياسي للنزاع المفتعل حول استرجاعنا لصحرائنا في نطاق احترام سيادة المملكة ووحدتها الترابية. الأمر الذي صار معه مشروع تنظيم الاستفتاء الوارد في مخطط التسوية الأممي متجاوزا لعدم قابليته إطلاقا للإنجاز الفعلي».
تخلصت قرارات مجلس الأمن من «خطة التسوية» و»لجنة تحديد الهوية» والاستفتاء… وحتى من ما طرحه جيمس بيكر أي مخططه الأول والثاني. وبدأت رحلة البحث عن حل سياسي بديل لخيارات اتضح أنه لا أفق لها..
كما تخلصت القرارات في بداية التسعينيات من منظمة الوحدة الإفريقية بالرغم من أن «خطة التسوية» كانت تقتضي تعاون الأمم المتحدة معها، إلا أن هذه الأخيرة واصلت التعامل في بيانات وتوصيات مؤتمراتها في تلك الفترة بنفس اللغة العدائية ضد المغرب. وبفعل الدبلوماسية المغربية لم يعد لهذه المنظمة التي أصبحت تسمى الاتحاد الإفريقي مكان في قرارات المجلس بعد أن كانت تحضر فيها كطرف متعاون في القرارات 1988 و658 (يونية 1990) و690(أبريل 1991) و725 (دجنبر 1991). ولم تعد الإشارة إليها بعد ذلك إلا في القرار 1056 (ماي 1996) من خلال رسالة بعثها في تلك السنة رئيس منظمة الوحدة الإفريقية (رئيس وزراء إثيوبيا) والأمين العام للمنظمة تتعلق ب»الطريق المسدود أمام تنفيذ خطة التسوية نتيجة الصعاب التي تكتنف عملية تحديد هوية الناخبين «. وبذلك أصبح ملف نزاع الصحراء حصريا لدى الأمم المتحدة. وهو ما أكده القرار 693 المعتمد بالإجماع خلال قمة الاتحاد الإفريقي بنواكشوط سنة 2018.
( يتبع )