قضية الصحراء و»حق تقرير المصير» خلال المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب -2-

نستعرض في الحلقات الآتية سلسلة من المواضيع المرتبطة بمواقف اليسار الجديد بالمغرب بشأن قضية الصحراء المغربية. ولعل اعتمادنا اصطلاح « اليسار الجديد» يستند على التداول المرتبط بمدلولات هذا المفهوم في علاقته بتنظيمات اليسار الماركسي- اللينيني- الماوي بأقطابه الثلاث البارزة.   منظمة « إلى الأمام، ومنظمة 23 مارس، و»لنخدم الشعب». كما نعتمد هذا المفهوم للتمييز الموضوعي بين التنظيمات الديمقراطية واليسارية المغربية» الرسمية» التي اشتغلت في الشرعية السياسية، والتنظيمات اليسارية الراديكالية التي عبرت عن مواقف متطرفة إزاء قضية الصحراء تلتقي في مجملها في إقرار « حق تقرير المصير» بإقامة تمييز بين ساكنة الصحراء والمغرب، أو باعتمادها مفاهيم خاصة من قبيل « الشعب الصحراوي» و « البؤرة الثورية» و «النضال الثوري» و «التناقض مع النظام..» الخ.

 

يقدم الكتاب الصادر في موقع «30غشت» مجموعة من الوثائق التي بلورتها منظمة «إلى الأمام»، وكذا مقالات وملخصات بخصوص قضية الصحراء. نقرأ في مقدمة الكتاب موضوعا بعنوان « المنظمة «الماركسية اللينينية المغربية « إلى الأمام، وقضية الصحراء- مقدمات أولية».
ويشير التمهيد الذي وضع لهذا الملف إلى أن أول خروج « جماهيري» للمنظمة بشأن قضية الصحراء، و الإعلان عن الموقف السياسي من هذه القضية كان خلال المؤتمر الخامس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب (صيف 1972) حين تبنى المؤتمر صيغة «حق تقرير المصير للشعب العربي في الصحراء».
وقبل ذلك، كان هذا الموقف قد تبلور على صفحات مجلة «أنفاس» دجنبر 1971- يناير 1972) عند إصدار وثيقة « فلسطين جديدة في أرض الصحراء»..
وللتدقيق، فان وثيقة « فلسطين جديدة في أرض الصحراء» حسب ما هو وارد في «المقدمات الأولية» ليس هو أول نص- وثيقة تعلن فيها منظمة « إلى الأمام» موقفها من قضية الصحراء حيث إن وثائق سابقة عن ذلك تطرقت للموضوع. ومنها « سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري» و « الثورة في الغرب العربي». كما تضمنت مجلة « أنفاس»، والتي كان من ضمن هيئة تحريرها أبراهام السرفاتي، وعبد اللطيف اللعبي» مقالا بالفرنسية (عدد19-1970) يهم « الصحراء الغربية».
ويشير التمهيد المذكور بأن « المنظمة ظلت في مواقفها إلى غاية خريف 1974، حيث ظلت تنظر لقضية الصحراء» ضمن تصور استراتيجي يربط بين الخط الأممي والطرح القومي للثورة العربية بقيادة البروليتاريا، وتصور للثورة في منطقة الغرب العربي..، معتبرة أن « كفاح تحرر جماهير الصحراء، جزء من الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بالمغرب، مع حق جماهير الصحراء في تقرير مصيرها..».
يتضمن هذا الكتاب وثائق المنظمة بشأن قضية الصحراء. وهي الوثائق التي اعتمدناها لبسط التصورات السياسية لمنظمة « إلى الأمام» كإحدى فصائل اليسار الجديد بالمغرب. وسنعرض فيما يلي أهم النقط الواردة في وثيقة « إلى الأمام وقضية الصحراء- مقدمات أولية».
تشير هذه الوثيقة إلى أن قضية الصحراء احتلت موقعا مهما في سيرورة ما تسميه ب « الصراعات الطبقية بالمغرب» خاصة في المرحلة التي أعقبت انقلابي 10 يوليوز 1971و 16غشت 1972. وتضيف الوثيقة بأن النظام جعل قضية الصحراء « بوابة لتحالفات سياسية جديدة مع الأحزاب الإصلاحية المغربية، وذلك تحت شعارات مختلفة من قبيل « الوحدة الوطنية»، « المغرب الجديد»، المسلسل الديمقراطي».و أن النظام كان يسعى إلى « تعزيز قاعدته السياسية وإعادة الشرعية المفقودة ، خاصة بعد المحاولتين الانقلابيتين. وقبلت الأحزاب السياسية « اللعبة» من موقع التبعية انطلاقا من مصالحها الخاصة».
نقرأ في الوثيقة» شكل هذا المسلسل المزعوم غطاء سياسيا لسيرورة تراكم الرأسمال الكمبرادوري الذي زحف نحو مناطق جديدة وقطاعات اقتصادية جديدة، كان من أبرز نتائجها بلترة فئات واسعة من الفلاحين الصغار والفقراء الذين فقدوا أراضيهم وتحولوا إلى جيش من العاطلين، ومن الأيدي العاملة الرخيصة…» و « كل سياسات النظام لم تكن معزولة عن الاستراتيجيات الامبريالية في المنطقة، ولم تكن قضية الصحراء بمعزل عن ذلك لموقعها الاستراتيجي، والاقتصادي، والجغرافي».
وتشير « المقدمات الأولية» إلى أن التقرير- الدراسة المنشورة في مجلة أنفاس المشار إليها سابقا تحت عنوان « فلسطين جديدة في أرض الصحراء»(دجنبر 1971- يناير 1972) هي أول وثيقة تؤسس لموقف المنظمة من قضية الصحراء. وقد تم توقيع هذا التقرير من طرف هيئة التحرير والتي كانت تضم هيئة مشتركة بين تنظيم» أ»، وتنظيم «ب» (23»مارس لاحقا). وهذا التقرير هو عبارة عن حوارات مفصلة أجرتها المجلة مع مصطفى السيد الوالي أحد مؤسسي» الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب». ويضم هذا التقرير-الوثيقة مجموعة من المحاور (الموقع السكاني- الموارد الاقتصادية- التركيب الاجتماعي- أحداث يونيو70- طريق التحرير..).
وتلخص هاته الفقرة المقتبسة من الوثيقة الأطروحة الأساسية( أنظر،المنظمة الماركسية- اللينينية المغربية- إلى الأمام وقضية الصحراء- مقدمات أولية).
« إن من العوامل التاريخية الأساسية التي عرقلت نمو حركة التحرير في الصحراء ضد الاستعمار الاسباني والسيطرة الاقتصادية والعسكرية الامبريالية وضد الخونة المحليين، هو التدخل المستمر خلال كل الفترة التاريخية الماضية لتطويق وتفريق المبادرات التحريرية في الصحراء، وفرض الوصاية عليها من طرف الرجعية المحيطة بأرض الصحراء، وخاصة منها من جانب الرجعية المغربية. وقد وقع دوما هذا التدخل الرسمي تحت غطاء مغربية الأراضي الصحراوية. ومن الواضح أن الإفلاس الملموس للرجعية على صعيد المعركة الوطنية يجعلها في الصف المعادي عمليا لتحرير الجماهير الصحراوية…». وتضيف الوثيقة» ان تعمق التناقض بين الجماهير الصحراوية والسلطات الاستعمارية يسير بموازاة انكشاف التعامل الرجعي الامبريالي على حسابها، ويجعلها بالتالي تنفر من شعار « الانضمام للوطن الأم».
ويعني هذا أن أطروحة إلى الأمام وفق منطوق الوثيقة نفسها أنها « وجدت صداها لدى مجموعة من « مناضلي حركة التحرير الصحراوية›»، وفي مقدمتهم مصطفى الوالي السيد.
ويبقى صدور وثيقة « فلسطين جديدة..» والإعلان عن الموقف السياسي خلال المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب عند تبنيه صيغة « حق تقرير المصير للشعب العربي في الصحراء» بمثابة أول إعلان جماهيري للمنظمة وللحركة الماركسية اللينينية المغربية.
وستصدر افتتاحية جريدة « إلى الأمام» (يناير 74) مقالا افتتاحيا بعنوان» الموقف الوطني الحقيقي من الصحراء ومهام الحركة الجماهيرية وقواها الثورية والديمقراطية». كما ستصدر كراسا تحت عنوان « طريقان لتحرير الصحراء» شتنبر 1974.
والى غاية 1974، ظلت قضية الصحراء من منظور منظمة « الى الأمام» قضية « استراتيجية» تربط بين « الخط الأممي، والطرح القومي للثورة العربية، والتصور السياسي للثورة في منطقة الغرب العربي» . وهو ما تتضمنه العديد من الوثائق التي سنستعرضها في الحلقات القادمة.


الكاتب : n تقديم وإعداد: عبد المطلب أعميار

  

بتاريخ : 15/03/2025