قطارات يراد لها أن تمرّ على« أنقاض » هويّة وذاكرة أحياء بيضاوية عريقة

نزع الملكية.. بين تحقيق المنفعة، «الاجتثاث» من الجذور، والرمي بالمتضررين نحو المجهول

 

 

تعيش عدد من أحياء منطقة درب السلطان في تراب مدينة الدارالبيضاء خلال الشهور الأخيرة غليانا كبيرا وسخطا عارما، بسبب الخطوات المتعلقة بنزع الملكية، التي تقوم بها «الإدارة» من أجل فسح المجال أمام توسيع خط السكة الحديدية لأجل استقبال القطار فائق السرعة، وذلك في إطار المشاريع التنموية التي تم الشروع في تنزيلها قبل مدة استعدادا لمونديال 2030 أساسا.
وتعيش ساكنة مجموعة من الأزقة بحي البلدية حالة توتر متعددة المستويات خلال الأسابيع الأخيرة بعد أن خرج المتضررون إلى الشارع العام للاحتجاج والمطالبة بـ «العدالة» واعتماد الحكامة في تدبير هذا الملف، عوض تهديدهم بالجرافات التي تسعى لهدم أساسات وجدران البيوت التي رأى الكثير منهم النور فيها، وشبّوا وترعرعوا داخل تلك الأزقة التي تعتبر جزء أساسيا من هويّة وذاكرة درب السلطان، خاصة في الشق المحاذي لمنطقة الأحباس على مستوى هذا الحي.
غضب تتسع رقعته يوما عن يوم وذلك بسبب عوامل متعددة، في مقدّمتها التدبير الزمني للملف، وعدم استحضار مجموعة من التحديات والإكراهات، التي ستدفع السكان المتضررين إلى الرحيل من منطقة تعتبر جزء من كينونتهم صوب المجهول، في ظرف زمني وجيز، بناء على ما تمت مطالبتهم به، وفقا لتصريحات عدد من المتضررين، الذين أكدوا لـ «الاتحاد الاشتراكي» على أنهم نبهوا إلى أن «تهجيرهم» نحو مناطق نائية هو تهديد لـ «أمنهم وطمأنينتهم ولعيشهم البسيط».
وأوضح عدد من الغاضبين في تصريحاتهم للجريدة بأن هذا التخوف يرجع إلى أن تلك المناطق المتحدث عنها تفتقد لكل المواصفات التي ألفوها، والمتعلقة بوسائل النقل والمواصلات المتواجدة في محيط سكنهم الحالي، التي تتيح لهم التنقل إلى مختلف مناطق المدينة،إضافة إلى تعدد الأنشطة التجارية والاقتصادية التي تسمح لهم بالتبضع بسلاسة، فضلا عن أن المنطقة وبحكم أنها تجارية فإنها فسحت المجال لعدد من بنات وأبناء المنطقة لتدبر وسائل للعيش الكريم، ضدا عن البطالة التي وجدوا أنفسهم يعيشون في خضمّها، وإن تعلق الأمر بالقطاع غير المهيكل، وذلك عوض السقوط في براثن الانحراف والجريمة.
ونبّه عدد من السكان إلى أن السعي لاقتلاعهم من تربة ولدوا فيها تحت مبرر المنفعة العامة هو أمر يفتقد لكل حسّ إنساني، مشددين على أنهم ليسوا ضد أي قرار يساهم في تحقيق التنمية ويمنح صورة أخرى للمدينة، لكن وجب استحضار كل ظروف العيش التي يعرفها الجميع وعلى رأسها أسعار العقار التي صارت تحلّق عاليا في السماء، والتي لم تعد حتى الطبقة المتوسطة قادرة عليها. وأبرز المتحدثون بأن تحديد سعر التعويض عن المتر المربع في ما بين 2000 و 5 آلاف درهم، بناء على التصنيف المتعلق بالملك و «الزينة» مخالف تماما لواقع العقار في المنطقة الذي يصل فيه المتر الواحد إلى مابين 40 و 50 ألف درهم، فضلا عن أن فئة المكترين تم إقصاؤها بشكل غير مفهوم عن كل نقاش في الموضوع.
هذه الوضعية الغريبة والمثيرة للتساؤلات تجعل عددا من المتتبعين يطالبون من السلطات المختصة التدخل لإنصاف المتضررين والعمل على أنسنة كل مسطرة تتعلق بقرارات نزع الملكية، مشددين على أن خطوات من هذا القبيل يجب أن تجلب معها السلم الاجتماعي وأن يكون الهدف من إنجاز المشاريع المتعلق بها تحقيق تنمية شاملة لا أن تؤدي إلى طمس الهوية وإلى الرمي بالمعنيين نحو المجهول!


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 07/07/2025