أغلب الفلاحين الصغار فضلوا ترك أراضيهم دون زراعة لتجنب مزيد من الخسائر
من أصل 1.1 مليون قنطار من بذور الحبوب المدعمة لم يشتر المزارعون سوى 662 ألفا
بعدما نفضوا أيديهم من الزراعات الخريفية أعين الفلاحين على السماء لإنقاذ الزراعات الشتوية
يمر القطاع الفلاحي هذا العام بأخطر أزمة جفاف يشهدها منذ عقد الثمانينات، فلم يسبق لهذا القطاع الذي يعيش منه بشكل مباشر أزيد من 15 مليون مواطن، أن توالت عليه تباعا 6 سنوات من الجفاف وهو ما جعل الموارد المائية للبلاد تهبط إلى مستويات قياسية، تبدو معها الوضعية المائية التي عرفها المغرب خلال أعوام 1981 و 1986، و1987، و1991 أفضل بكثير من الوضعية المائية الراهنة،
وإذا كان الموسم الفلاحي الماضي قد عرف تساقطات مطرية تقدر بـ102 ملم مقابل 187 ملم كمعدل طبيعي، وحوالي 207.5 ملم ككمية أمطار على مستوى المناطق الزراعية مقابل 377 ملم كمعدل طبيعي، فإن الوضعية هذا العام تكاد تكون أسوأ حيث معدل التساقطات المطرية خلال الموسم الفلاحي الحالي لم يتجاوز لحد الآن 77 مليمترا، أي بتراجع نسبته 54 في المائة مقارنة بمعدل 40 سنة الماضية، و44 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
وبسبب هذا الوضع غير المسبوق، تراجع متوسط واردات المياه إلى السدود من 18 مليار متر مكعب خلال فترة 1945 – 1980، إلى 14 مليار متر مكعب ما بعد 1980 وإلى أقل من 5 ملايير متر مكعب في السنوات الخمس الأخيرة، حسب ما أكده وزير الفلاحة محمد صديقي أول أمس بالبرلمان، وأوضح الوزير الوصي على القطاع أنه منذ 2018، تم تسجيل ست سنوات جافة متتالية مع انخفاض شديد في مستوى الموارد المائية ومخزون السدود والفرشاة المائية.
اليوم، وبعد مرور 3 أشهر على انطلاق الموسم الفلاحي، مازال المزارعون في المغرب يتطلعون برجاء إلى السماء علها تجود بأمطار تروي أراضيهم. وعلى الرغم من التساقطات الضعيفة و المتفرقة التي شهدتها بعض المناطق في البلاد، قبل أسابيع، فإن الانتظار الممزوج بالقلق والرجاء، يهيمن على الفلاحين الصغار، الذين اتصلت جريدة “الاتحاد الاشتراكي” ببعض منهم، فأكدوا أنهم لم يباشروا عملية رمي البذور بسبب وضعية التربة الصلبة التي تضررت بفعل قلة الأمطار طوال المواسم الثلاثة الماضية.
وإذا كانت الزراعات الخريفية المحصورة زمنيا بين 15 أكتوبر و15 دجنبر، تعتمد بشكل أساسي على كمية التساقطات خلال هذه الفترة الحاسمة من الموسم الفلاحي، فإن انحباس الأمطار في المناطق الزراعية الكبرى بالمملكة إلى الآن، بات يهدد العديد من هذه الزراعات، بدءا من الحبوب بشتى أنواعها ومرورا بالخضروات (لاسيما البطاطس والبصل) وانتهاء بالقطاني على اختلاف أنواعها.
وبعدما انقضى اجل التساقطات التي من شأنها أن تنقذ الزراعات الخريفية (خاصة الحبوب)، تعول الحكومة على التعويض زراعة الخضروات الشتوية، حيث أفاد السيد صديقي أن المساحات المزروعة بلغت 11 ألف هكتار من أصل 67 ألف هكتار مستهدفة، مشيرا إلى أن البرنامجين الخريفي والشتوي سيمكنان من إنتاج مختلف أصناف الخضروات لتغطية حاجيات الاستهلاك الداخلي للفترة الممتدة إلى يونيو من السنة الجارية، ولاسيما خلال شهر رمضان.
وعلى الرغم من أن الحكومة، ممثلة بوزارة الفلاحة، قامت بتعبئة حوالي 1.1 مليون قنطار من البذور المختارة للحبوب بأسعار تحفيزية، من خلال تسويق بذور الحبوب بأسعار بيع مدعمة تصل إلى 210 درهم / قنطار للقمح اللين والشعير و290 درهم /قنطار للقمح الصلب، معلنة أن السعر المدعم لبيع بذور الحبوب (فئة (R2 هو 400 درهم / قنطار للقمح والشعير و620 درهم / قنطار للقمح الصلب، فإن إقبال الفلاحين على شراء هذه البذور المدعمة كان ضعيفا من في المناطق المتضررة، وهكذا، وحسب معلومات حصرية حصلت عليها «الاتحاد الاشتراكي» فإنه من أصل 1 مليون قنطار التي عرضتها سوناكوس للبيع (64 % منها موجهة للقمح الطري، و 27 % للقمح الصلب، و 9 % للشعير) فإن أقل من 662 ألف قنطار أي 60% فقط من هذه البذور المدعمة هي التي تمكنت سوناكوس من بيعها إلى حدود 12 يناير 2024، علما أن هذه الكمية كانت تنفد قبل هذا التاريخ خلال المواسم الفلاحية العادية، وذلك راجع إلى كون العديد من الفلاحين تراجعوا عن مباشرة عملية البذر لتجنب مزيد من التكاليف وتفادي مزيد من الخسائر بسبب شح الأمطار.
ولتبديد مخاوف المزارعين الذين يجدون صعوبة في الحصول على الأسمدة، قامت الوزارة الوصية بتزويد السوق ب 600000 طن من الأسمدة الفوسفاتية بنفس سعر الموسم السابق. بالنسبة للأسمدة الأزوتية التي يتم استيرادها بالكامل، تزويد السوق الوطنية بكميات كافية قدرها حوالي 500.000 طن بأثمنة مدعمة، 240 درهم/قنطار لأمونيترات النيتروجين 33٪، و330 درهم/قنطار لليوريا 46٪، و150 درهم/قنطار لكبريتات الأمونيوم 21٪ من خلال مراكز للبيع، بأسعار مدعمة وذلك للحفاظ على أسعارها عند مستويات بمتناول الفلاحين في جميع أنحاء المملكة، غير أن الإقبال عليها كان دون المستويات المسجلة خلال المواسم العادية، وهو ما يؤشر على صعوبة الأوضاع المادية التي أصبح يعيشها المزارعون في المغرب.