«قطاف التيه» بإذن الضوء قراءة في منجز الشاعرة سلمى زياني

 

في حدائق الشعر، زرعت الشاعرة سلمى زياني، ثلاثة دواوين شعرية:(جسور على صهوة الريح- وترحل الظلال- قطاف التيه). وتعود طبعة هذا المنجز الأخير إلى سنة2024،ويشتمل على سبعة وثلاثين نصا شعريا، ويغطي المجموعة، هذا العنوان الذي اختارته الشاعرة ليكون منسجما مع كل الثيمات المطروحة وفق النفس الشعري، طولا وتوسطا وقصرا، حسب السياق، الذي يشمل التجربة.

مسالك الضوء:

حين نلج عالم الشاعرة سلمى زياني، تطالعنا عناوين القصائد، وهي عناوين لم توضع كيفما اتفق، بل وضعت بشكل مركز، يلخص أبعاد النفس الشعري لأن العنوان عتبة الدخول إلى ٱفاق النص.
في «غرق» تصيخ السمع للذات، وتأملاتها، عبر لغة شفافة تنسجم مع العاطفة، مما يجعلها كنهر دائم التدفق والجريان، وهنا نعثر على جزء من العنوان الذي يغطي المجموعة: «حيث يعريك سقف الماء الأخير ويدثرك التيه الساكن»ص6، ثم هذه المصالحة مع الأب، عكس التفكير النيتشوي الذي يدعو إلى هدم الماضي، وإعادة البناء من جديد، فالشاعرة مرتبطة بالأب ويحضر في جل كتاباتها:
«بخجل قصيدة
أفتح درج خزانة أبي
حفرت للذكرى صندوقا
ملأته الحروف من فائض معناها
ألقت فيه ما تبقى من مفاتيح الشوق»ص7.
ومما يؤكد هذا الارتباط العاطفي هو «بخجل قصيدة»، لتقترب من خزانة أبيها، وتعيدَ أسطورة التماسك، ولا تكتفي بذلك، بل تسعى إلى ربط الشكل بالمضمون، عبر هذه اللغة، التي تتحول من المباشرة والتقريرية الباردة، إلى لغة إيحائية، تتعدد وفقها التٱويل، ثم هذه القدرة على صياغة المعاني، وتحولها من مجرى إلى مجرى آخر، يسعف الشاعرة فيما تود البوح به، فإذا كان الشاعر المتنبي: يقول
«على قلق كأن الريح تحتي»، فشاعرتنا تحول الريح إلى مخاطب نفسي، تقرأ من خلله تغيرات الأجواء:
«كنت هناك
الريح نامت تحت النافذة
المتعبون لن يرتاحوا في زمن ٱت
ستضمر الريح بعض الحزن المتقد
بلا بدايات»ص93.
إنها عرافة تقرأ سطوة الريح وهدوءها، انطلاقا من اللغة التي تخلقها الشاعرة، وتعبر عما يجول في ذاتها، وفق قلق وجودي ،يتخطى ما هو كائن، إلى ما ينبغي أن يكون.
كما أن الشاعرة سلمى زياني تترك للقصيدة حرية البوح، وكأنها تستدرجها لتقول ما يمور في الذات:
«كم مرة حرضت القصيد يقولني
وأمضي الوقت وأنا أحكي عنك
كنت هناك حين محوت هذا الكلام
موقنة أن هناك مدنا وبحارا بلا أعماق
موقنة أنك قطعة ضوء» ص 93.
ما بين الكتابة والمحو، يأتي أفق التأمل لدى سلمى زياني، وهو تأمل يخترق المألوف، ليؤسس دهشته، عبر لغة تنضح شعرا، وتتجاوز مداها لتحقق عن جدارة «قطاف التيه» الملأى بحدائق الشعر.


الكاتب : محمد عرش

  

بتاريخ : 07/07/2025