في كتاب (حوار التواصل من أجل مجتمع عادل) لعالم المستقبليات المغربي الراحل المهدي المنجرة ،نستكشف حجم الخطر الذي يحدق بإفريقيا معلوماتيا ، بالنظر إلى الهوة العميقة في عالم الإعلام والاتصال بينها باعتبارها جنوبا ،وبين الغرب باعتباره شمالا . هوة تزداد عمقا واتساعا مع المستقبل . ويرتفع منسوب الخطورة مع السرعة التي يسير بها العالم اليوم، وهو يحول منظومته في الإنتاج الصناعي إلى منظومة مجتمع إعلام ومعرفة . وفي هذا السياق تماما يشير المهدي المنجرة ،إلى أن الأشخاص في الشمال ، أي البلدان المصنعة معرضون لاستقبال مائتي ألف معلومة في اليوم الواحد. فيما انخفضت تكلفة معالجة الإعلام ومدتها بصورة مذهلة . ذلك أن معالجة مليون عملية إعلامية أصبحت تكلف 0.06 دولار، وتستغرق نصف ثانية . بعدما كانت تستغرق عشر دقائق بتكلفة 300دولار.
وإذا كان حجم المنشورات العلمية قد فاق سنة 1985وحدها ،كل ما نشر أثناء الفترة الممتدة بين عصر النهضة وعام 1976. كما أفاد بذلك البروفيسور نيل NEEL الحاصل على جائزة نوبل. وأن طاقة استيعاب الإعلام العادية للفرد الواحد، تقدر بحوالي ثمانين ألف معلومة يوميا «80» ألف كما ذهب إلى ذلك زميله، Scrape. فكيف لنا أن نتصور على ضوء هذه المعادلة المهيبة سرعة عداد التطور في النشر والإعلام الذي يحدث اليوم في عالم الاتصال؟ وفي نفس الوقت مدى شساعة الهوة بين الشمال والجنوب . يبدو أن تسمية الأرقام بالفلكية والخرافية أو بالسنوات الضوئية حتى، ليس من المبالغة في شيء. لكن الأمر منطقي إلى حد بعيد.
وعن أهمية الكتابة وقيمته العلمية الاستشرافية ،يكشف الدكتور المتخصص في علوم الاعلام والاتصال يحيى اليحياوي ،أنه دخل فترة تأمل دامت شهرين من الاعتكاف من أجل إنجاز تقديم لكتاب المهدي المنجرة السالف الذكر بالنظر إلى القيمة العلمية والمصداقية والهيبة الفكرية للمؤلف وهو بالمناسبة صاحب» كتاب «الحرب الحضارية الأولى» الذي عرف انتشارا غير مسبوق ، فإنني أستطيع أن أجزم كقارئ مهتم أن قراءة الكتاب بتركيز شديد وصفاء ذهن مئة مرة ، بإمكانها أن تسعفني في الولوج إلى منطقة استيعاب وفهم استشرافي ما يحصل في جغرافية عالم اليوم من خوارق وقفزات مذهلة في عالم رقمي مارد فرط رقمي . ثمة فجوة معرفية من شأنها أن تخلق فقراء جدد، وأغنياء جدد .لا يتمثل التمييز بينهم بالاحتكام إلى الرأسمال المادي ،ولكن بمدى ومستوى معرفتهم بالعلوم والتقنيات والتكنولوجيا. وهو ما يفسره المهدي المنجرة حين يقول، أن هناك في حقيقة الأمر دولا فقيرة معلوماتيا، وأخرى غنية معلوماتيا. وهو ما تقيسه اليونيسكو وغيرها بعدد الكتب الموجودة وعدد المكتبات و حجم القراء ومستوى الارتباط بشبكة التلفزيون والإذاعة وغيرها .لكن هل يستوي الحال ويحضر القياس عندما يكون الكتاب الرائج من النوع الأصفر الجامد المتكلس الذي يجتر ما قبله ، وأن يكون القارئ من الحفظة البارعين لهذا الكتاب . وأن تخصص القنوات والإذاعات ومعها الفضائيات كامل وقتها، لإشهار ذات الكتب ،بذات القراء، لذات الجمهور؟ لعل هذا ما يريد المهدي المنجرة إرساله .
إن أي مجتمع يريد تحقيق النجاح عليه ،أن يفسح المجال للابتكار .وأن لا يضع العراقيل أمام حركية ابتكار الأفراد سواء كانوا تلامذة أو موظفين. لأن السماح بتطور الأفكار بدل إعاقتها بالبيروقراطية في التدبير ،هو الذي سيتيح للناس إمكانية تحسين ظروفهم المعيشية ، والارتقاء بمسالك الحياة نحو الأفضل .وذلك رغم التهديدات التي تمس جغرافية العالم بشكل مريب في المناخ والانفجار السكاني وتنامي الأوبئة.