قمة دول الساحل بنجامينا.. ومستقبل عملية برخان الفرنسية

 

تساؤلات كثيرة بفرنسا،أصبحت ترافق تدخلها العسكري بمنطقة الساحل، الذي يسمى عملية “برخان”، وحول الجدوى منها ومدى فعاليتها.
هذا التقييم، وهذه الأسئلة، ترافق مرور ثماني سنوات على هذا الحضور بالمنطقة، حيث تم نشر آلاف العسكريين الذين قتل منهم أكثر من خمسين جنديا، رغم بعض الانتصارات التكتيكية العديدة التي يصعب ترجمتها سياسيا.
في ظل هذه الوضعية الحرجة، انعقدت البارحة واليوم الثلاثاء قمة نجامينا بالتشاد لمجموعة دول الساحل الـ 5، لمناقشة آفاق الوضع الأمني في المنطقة.
ويغيب عن هذه القمة، الرئيس ايمانييل ماكرون، بسبب أوضاع الحجر الصحي، التي ترافق انتشار وباء كورونا بفرنسا وأوربا.
وتنعقد هذه القمة، في ظروف خاصة، تتميز بارتفاع وتيرة هجمات الجماعات المسلحة في منطقة الساحل خلال الأسابيع الأخيرة، تشمل أيضا القوات الفرنسية المرابطة في مالي والقوات التابعة للأمم المتحدة. و كذا في ظل رفض استمرار الحضور العسكري الفرنسي في مالي بسبب عجز تلك القوات عن وقف الهجمات الإرهابية.
يغيب عن هذه القمة أيضا ، رئيس الديبلوماسيىة الفرنسية جان إيف لودريان و فلورونس بارلي وزيرة الدفاع، وسيتابع أشغالها الرئيس الفرنسي عبر الفيديو.
ويحضر هذه القمة في العاصمة التشادية نجامينا قادة دول مجموعة الساحل الافريقية الـ 5 : بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر.وبهذه المناسبة سوف تنتقل رئاسة مجموعة الخمس من موريتانيا الى تشاد.
وتفكر فرنسا مع تزايد عدد القتلى في صفوف جنودها في مالي، في صيغة تسمح لها بسحب جزئي لقواتها من المنطقة، و ترك لقُوى أخرى محلية التكفل بأمن المنطقة بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين.
هذا التدخل الفرنسي بمنطقة الساحل،تقرر في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولند سنة 2015 ، من أجل إنقاذ دولة مالي من السقوط في يد الجماعات الجهادية.
منذ ذلك التاريخ،امتدت أعمال العنف إلى الجنوب ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.
في فبراير 2021، أكد رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه، أن دول خليج غينيا ،لا سيما بنين وساحل العاج أيضا أصبحتا هدفا للقاعدة.
اعتبارا من 2015، تضاعفت الهجمات على القوات المالية والأجنبية والأماكن التي يرتادها أجانب. وقد استخدمت فيها عبوات يدوية الصنع، كما نفذ جهاديون هجمات خاطفة على دراجات نارية وغيرها.
وقد تبنت الجماعة هجوما في 20 نوفمبر على فندق “راديسون بلو” في باماكو أدى إلى سقوط عشرين قتيلا ضمنهم 14 أجنبيا. ومنذ ذلك الحين، فرضت حالة الطوارئ بشكل شبه متواصل في البلاد.
وانتشر تنظيم الدولة الإسلامية أيضا في الصحراء الكبرى. وشن سلسلة من الهجمات الواسعة في نهاية 2019 على قواعد عسكرية في مالي والنيجر. وصنف العدو الأول خلال قمة بو (جنوب غرب فرنسا) في يناير 2020 بين باريس وشركائها في مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد).
بالإضافة إلى تركيزها على تنظيم الدولة الإسلامية، واصلت “برخان” في 2020 سياستها في القضاء على الكوادر الجهادية. لكن الجهاديين لم يخففوا قبضتهم: فقد قتل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء ستة عمال إغاثة فرنسيين في 2020 في النيجروخمسة جنود فرنسيين في أقل من أسبوع بين نهاية ديسمبر 2020 وبداية يناير 2021.
رغم الانتصارات التكتيكية على المستوى العسكري،التي حققتها فرنسا في هذه المنطقة، تظل هاته الأخيرة مجبرة على خوض معركة أخرى حول الإشاعات في المنطقة.
وحول طبيعة تدخل فرنسا وكذلك الرسائل المعادية لها والتي تنشرها الجماعات الجهادية في منطقة مكونة من مستعمرات سابقة لها، لم تتردد باريس في تحميل موسكو المسؤولية عن حملة تضليل تتعلق بأنشطتها في الساحل. ولاشك أن الدعاية الكبيرة التي ترافق التواجد الفرنسي بالمنطقة افقدت باريس معركة الرأي العام بهذه المنطقة الفرنكوفونية والتي كانت مستعمرات سابقة. وهي مجال منافسة مع قوى أجنبية أخرى مُنافسة.
ومن المشاكل التي تواجه فرنسا أيضا ، أنه من الصعب على العديد ممن يعيشون في المنطقة، رؤية نتائج عمليات “برخان” ،لأن الجهاديين ثبّتوا أقدامهم، ويواصلون شن الهجمات، بل و الانتشار في سائر المنطقة. وقد وصل تأثيرهم وحضورهم بالإضافة إلى دول خليج غينيا لا سيما بنين وساحل العاج بعد أن كان مقتصرا على دول الساحل.
وتريد فرنسا من قمة دول الساحل إيجاد صيغة تسمح لها بسحب جزئي لقواتها من المنطقة، كي تعوضها قُوى أخرى محلية تتكفل بأمن المنطقة بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين.
لكن التساؤل الكبير، هو: هل بإمكان دول الساحل الاعتماد على قواتها، من أجل مواجهة الحركات الجهادية؟
هل في ظل المشاكل السياسية والاثنية لبعض هذه الدول، يمكنها القيام بهذا الدور؟
هذا بالإضافة إلى ضرورة ربح فرنسا لمعركة الرأي العام بهذه البلدان، التي لا يستوعب بعضها مغزى هذا التدخل العسكري، ولا يرون نتائجه الملموسة، رغم مرور ثماني سنوات، علاوة على مواجهة أطماع بلدان أجنبية مُنافِسة تبحث عن موطئ قدم لها ب منطقة الساحل.


الكاتب : باريس يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 16/02/2021