عقد رؤساء روسيا وتركيا وإيران قمة أمس الأربعاء في روسيا ستكون الأولى ضمن سلسلة من اللقاءات الدولية التي تهدف إلى إعادة إطلاق عملية السلام بعد استعادة القوات السورية لآخر مدينة كانت تشكل معقلا لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وعشية الاجتماع، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء الاثنين نظيره السوري بشار الأسد في سوتشي بجنوب غرب روسيا.
ونقل الكرملين عن بوتين قوله للأسد “أريد أن أهنئكم على النتائج التي تحققت في سوريا في مجال مكافحة الإرهاب”، مؤكدا أن “هزيمة نهائية وحتمية للإرهابيين” باتت قريبة في سوريا. وأضاف “حان الوقت للانتقال إلى العملية السياسية”.
وقبل بضعة أيام على محادثات جديدة تحت إشراف الأمم المتحدة في جنيف في 28 نوفمبر، يستقبل بوتين رجب طيب اردوغان وحسن روحاني في منتجع سوتشي الروسي بجنوب غرب البلاد.
وكان بوتين دعا في منتصف نوفمبر إلى “مضاعفة الجهود من أجل ضمان استقرار على المدى الطويل” في سوريا حيث أوقع النزاع المستمر منذ ستة أعوام 330 ألف قتيل على الأقل وملايين اللاجئين.
وأوضح الخبير الروسي اجدار كورتوف لوكالة فرانس برس “ستنتهي قريبا مرحلة الحرب المفتوحة في النزاع السوري وسترتدي مسألة التوصل إلى تسوية سياسية أهمية حيوية أكبر بكثير من السابق”.
وتابع كورتوف أن “لكل من روسيا وإيران وتركيا مصالحها الخاصة في سوريا ومن الواضح أن لديها خلافاتها لذلك تعقد اجتماعات من أجل محاولة تسويتها”.
وترعى روسيا وتركيا وإيران اتفاقا يهدف إلى خفض حدة المعارك تمهيدا لاتفاق سياسي يضع حدا للنزاع المستمر منذ مارس 2011.
وقد أتاح “اتفاق استانا” الذي يحمل اسم العاصمة التي تستضيف المحادثات، إقامة “مناطق لخفض التوتر”. وفي هذا الإطار، نشرت تركيا قوات في محافظة ادلب (شمال غرب).
وأتاح الاتفاق الحد من المعارك الميدانية لكن موسكو تريد التوصل إلى حل سياسي للعملية التي ركزت حتى الآن على المسائل العسكرية.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن قمة سوتشي تسعى قبل كل شيء إلى “إعادة إطلاق المحادثات المباشرة بين الحكومة السورية وكل أطياف المعارضة”.
وغير التدخل العسكري الروسي في سوريا المعطيات إذ أتاح لجيش النظام السوري استعادة مدينة تدمر الأثرية وحلب (شمال) من الفصائل المتمردة.
كما استرجعت القوات السورية مساء الأحد مدينة البوكمال في شرق البلاد على الحدود مع العراق، آخر معقل بارز للتنظيم في سوريا.
اصطدمت كل المحاولات لإنهاء النزاع السوري بمسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن تيمور احمدوف خبير لمجلس الروسي للشؤون الخارجية في انقرة اعتبر أن “احتفاظ تركيا بدور في المحادثات السياسية المستقبلية أهم بالنسبة إليها من رحيل الأسد من السلطة”.
وتابع احمدوف أن قمة سوتشي ستشكل فرصة لأنقرة “لتحاول إقناع روسيا بالعدول عن تقديم دعم دبلوماسي إلى الاكراد” الذي يسيطر مقاتلون منهم على قسم من شمال سوريا.
وقوبلت المبادرة الروسية الأخيرة للجمع بين النظام والمعارضة في روسيا ببرود من الفصائل المقاتلة ولم يتم تحديد أي موعد للقاء الذي كان أعلن في البدء في 18 نوفمبر الحالي وارجئ دون تأكيد إلى مطلع ديسمبر.
في انتظار ذلك، تجتمع مختلف فصائل المعارضة السورية في الرياض اعتبارا من الأربعاء بدعوة من السعودية التي ترعى الهيئة العليا للمفاوضات التي تشمل مختلف أطياف المعارضة السورية.
ويهدف الاجتماع إلى توحيد المواقف من أجل استئناف المفاوضات في جنيف التي ستركز على إعداد دستور جديد وإجراء انتخابات.
وقال عضو الائتلاف الوطني للمعارضة السورية هادي البحرة إن قمة سوتشي “قبل التوصل إلى أي اتفاق في جنيف تشكل انتهاكا لروح” العملية التي أطلقت تحت إشراف الأمم المتحدة لان “أي جهد دولي يجب أن يساهم في دعم العملية السياسية في جنيف وليس إضعافها”.
ولقيت العملية دعما من بوتين والرئيس الامريكي دونالد ترامب في إعلان مشترك نادر بالنظر إلى توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن.
سنوات من الجهود الدولية غير المثمرة
اتخذت عدة مبادرات بهدف التوصل إلى حل سلمي للنزاع الذي تشهده سوريا منذ 2011 لكنها فشلت جميعها واصطدمت خصوصا بالخلاف حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
أوقعت الحرب منذ 2011 أكثر من 330 ألف قتيل وتسببت بتشريد الملايين.
لكن دمشق رفضت هذه الخطة مشددة على “انتهاء الحلول العربية”. وأكدت أنها مصممة على وقف الاحتجاجات الشعبية التي قمعت بالقوة منذ مارس 2011.
ونصت الخطة وقتها على إقامة “حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة” عبر “توافق مشترك” من دون أن تحدد مصير الأسد. لكن الأطراف المعنية بالنزاع اختلفت على تفسير مبادئ جنيف 1.
وبعد الاجتماع، اعتبرت واشنطن أن الاتفاق يفسح المجال أمام مرحلة “ما بعد الأسد”، فيما أكدت موسكو وبكين انه يعود إلى السوريين تقرير مصير رئيسهم.
وتلتها جولة ثانية انتهت في 15 فبراير أعلن بعدها مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي وصول النقاش إلى طريق مسدود.
في الواقع، لم يتمكن الطرفان حتى من الاتفاق على جدول الأعمال. فالحكومة أرادت البحث في “مكافحة الإرهاب” فيما طالبت المعارضة ببحث عملية انتقالية من دون الأسد.
– في مطلع 2016، ثلاث جولات من المفاوضات غير المباشرة بين النظام والمعارضة برعاية مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا، في جنيف دون إحراز تقدم ملموس نتيجة التباعد الكبير في وجهات النظر حيال المرحلة الانتقالية ومصير الأسد.
ويرتقب أن تنظم جولة جديدة اعتبارا من 28 نوفمبر في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة.
وتوصلت روسيا وإيران وتركيا في مايو في إطار محادثات استانا، إلى اتفاق لإقامة أربع مناطق خفض توتر في سوريا ما أتاح خفض أعمال العنف لكن بدون وقفها بالكامل.
وتمكنت روسيا من تغيير المعطيات على الأرض إثر تدخلها العسكري في سبتمبر 2015 في سوريا دعما للنظام السوري.
وأعلنت موسكو من جانب آخر رغبتها في تنظيم “مؤتمر حول الحوار الوطني السوري” في سوتشي مؤكدة أنها دعت كل أطياف المعارضة السورية لكن لم يتم تحديد موعد بعد لهذه المحادثات.
تصعيد عسكري يدفع ثمنه المدنيون
قتل العشرات من المدنيين بينهم عائلات بأكملها جراء القصف المستمر لقوات النظام السوري منذ أسبوع على الغوطة الشرقية المحاصرة، في تصعيد جديد يشكل انتهاكا لاتفاق خفض التوتر الساري منذ أشهر عدة.
ومساء، قتل اثنان من أفراد المنتخب الوطني للجودو وأصيب 15 آخرون من الفريق كما قتل ستة مدنيين في قصف استهدف دمشق، بحسب مصدر رسمي.
ويرى محللون أن هذا التصعيد يضعف موقف الفصائل المعارضة التي تعد الغوطة الشرقية آخر معاقلها قرب دمشق، في وقت تتكثف المشاورات الدولية لتسوية النزاع السوري قبل قمة رئاسية روسية إيرانية تركية مرتقبة الأربعاء في روسيا.
وبعد هدوء إلى حد كبير فرضه سريان اتفاق خفض التوتر منذ يوليوز، عادت الطائرات الحربية والسلاح المدفعي السوري لاستهداف مدن وبلدات الغوطة الشرقية المحاصرة من قوات النظام منذ العام 2013.
ومنذ أسبوع، يعيش السكان حالة من الرعب نتيجة القصف العنيف الذي أسفر عن مقتل أكثر من 80 مدنيا بينهم 14 طفلا، وفق ما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان. ودعا هذا التصعيد الأمم المتحدة الأحد إلى مناشدة الأطراف المعنية “تجنب استهداف المدنيين”.
في مدينة دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية، يقول مجد (28 عاما )، أب لطفلين، ” نضطر أحيانا إلى أن نختبئ داخل المنزل في أماكن غير مؤهلة لذلك، مثل الحمام أو المطبخ، حتى أننا ننام فيهما أحيانا “.ويتحدث عن رعب تعيشه عائلته كلما تجدد القصف.
ورغم أن زوجته تحاول الإيحاء لطفليها بأن الوضع طبيعي، إلا أن طفله البالغ من العمر أربع سنوات “حين يسمع صوت القصف يركض ليختبئ داخل خزانة أو خلف باب ويصرخ +طيارة طيارة تضرب+”، وفق قوله.
وبعد قصف على مدينة دوما الأحد، شاهد مراسل فرانس برس في الغوطة الشرقية مشاهد قاسية لأطباء يحاولون إنقاذ أطفال أصيبوا بجروح خطرة يحدقون بعيون خائفة بانتظار تدخل طارئ لمعالجة أطرافهم التي مزقتها الشظايا. وفي إحدى الغرف، يعانق رجل جسد طفل لا حياة فيه.
وصعدت قوات النظام قصفها على الغوطة الشرقية إثر هجوم شنته الثلاثاء حركة أحرار الشام الإسلامية المتمركزة في مدينة حرستا على قاعدة عسكرية تابعة للجيش.
التفاهم الروسي الأمريكي يواجه صعوبات
يواجه التفاهم الذي لا يزال في بداياته بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب حول مصير سوريا صعوبات بعد مواجهة في الأمم المتحدة وقبل سلسلة اجتماعات دولية ستكون حاسمة بشأن مستقبل هذا التعاون.
نشر الرئيسان الأميركي والروسي في 11 نوفمبر بيانا مشتركا حول النزاع السوري في بادرة نادرة نظرا لسوء العلاقات بين واشنطن وموسكو، أعلنا فيه أنه “لا يوجد حل عسكري” للنزاع وأيدا “الحل السياسي” عبر عملية جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة. وإن لم يكن في الأمر اختراق، غير أنه شكل بداية للطرفين اللذين يتدخلان عسكريا في سوريا ويختلفان تماما بشأن دعم روسيا للنظام السوري برئاسة بشار الأسد.
لكن الإعلان المشترك الذي لم يأت على ذكر مصير الرئيس السوري، وهي نقطة الخلاف الرئيسية، استقبل بالتشكيك في الولايات المتحدة.
وكتبت صحيفة واشنطن بوست ساخرة إن “الأمر رائع إلى حد يصعب تصديقه”، وقالت إن بوتين “لا يعير الاتفاقات الموقعة أي اعتبار”.
وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال أن بوتين “هو الذي يحقق مكاسب”. وأضافت “لقد علمتنا ست سنوات من النزاع السوري أن الواقع العسكري الميداني هو الذي سيحدد معالم السلام المقبل”.
وسرعان ما اختلف الجانبان على تفسير النص المشترك حول النقطة الحساسة المتعلقة بمناطق خفض التوتر في جنوب سوريا، وفق ما يقول جوزف باحوط الباحث في معهد كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن.
وقال باحوط إن “الأمريكيين يقولون إن الروس التزموا بإبعاد إيران وحلفائها عن الحدود الإسرائيلية والأردنية، لكن الروس يقولون إن الأمريكيين لم يفهموا شيئا”.
ولم يكن من شأن استخدام روسيا حق النقض الخميس والجمعة في مجلس الأمن الدولي لإجهاض مشروعي قرار لتمديد مهمة الخبراء الدوليين الذين يحققون بشأن الأسلحة الكيميائية في سوريا سوى أن يسمم الأجواء المتوترة أصلا. وتم في المقابل رفض مقترح روسي مضاد.
وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي إن روسيا “تبرهن على أنها ليست محل ثقة في العملية التي تقود إلى حل سياسي في سوريا”، في ما بدا أنه تشكيك في أهمية الإعلان الصادر عن ترامب وبوتين.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت إن روسيا “أولت مجددا الأهمية لحماية نظام الأسد”.
ولا تشيع هذه التصريحات أجواء مطمئنة قبل مباحثات ستجري حول مستقبل سوريا في حين باتت هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية فيها قريبة.
فبعد خمسة أيام من تأكيده مع ترامب تمسكه بعملية جنيف المقرر أن تعقد جولتها المقبلة في 28 نوفمبر، دعا بوتين رئيسي تركيا وإيران الأربعاء إلى لقاء قمة في منتجع سوتشي على البحر الأسود. ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني هما شريكا بوتين في عملية استانا التي يشارك فيها الأمريكيون كمراقبين.
وقال جوزف باحوط إن “كل ما يفعله الروس هو من أجل إفراغ عملية جنيف من أي معنى ولكي تحل محلها عملية يسيطرون عليها تماما”. وأضاف “على الإثر، رد الأمريكيون عبر تشجيع السعودية على عقد اجتماع للمعارضة السورية في الرياض” من الأربعاء إلى الجمعة.
فهل لا تزال الولايات المتحدة مقتنعة بأن روسيا هي شريكتها في عملية جنيف؟ لقد ردت المتحدثة باسم الدبلوماسية الأمريكية على هذا السؤال الجمعة بقولها “لا أعرف”.
وقالت هيذر نويرت “هناك نقاط كثيرة لا نتفق بشأنها مع روسيا، ولكن هناك نقاط نتفق عليها” مثل وقف إطلاق النار الذي أقر في الصيف في جنوب غرب سوريا والرغبة في توسيعه إلى منطقة أخرى.
لكن ليس لدى واشنطن سوى بدائل معدودة.
وقال دبلوماسيون غربيون إن الدوائر العليا الأمريكية تقر في جلسات خاصة بأن الأسد وبوتين بدعم من إيران كسبا الحرب فعليا قبل سنتين وإنهما يعززان اليوم انتصارهما.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية “قلنا بوضوح إننا لن نعمل مع نظام الأسد، ولن نعمل بالطبع مع الإيرانيين (…) لذلك علينا أن نجد وسيلة للعمل مع روسيا أينما كان الأمر ممكنا”.