قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة -02- مأساة المساعدات الخارجية!

في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.

تبعا لما تقدم، فإن «كرم الغرب» لا يتحقق لأي دواعي إنسانية أو أخلاقية، بل لترسيخ تبعية الدول المعنية له في سياساته الدولية. كما يفعل دونالد ترامب الآن، حين يجبر زعماء بعض الدول على الارتباك المُحَقِّر لسلطتهم، والمُرَسِّخ لتبعيتهم للبيت الأبيض، وذلك أمام الكاميرات ووسائل الإعلام التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من صنع الحقيقة كما تريدها أمريكا. ولقد رأى العالم كيف أذل ترامب «ضيفه» الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام كاميرات التلفزيون وطالبه بأن عليه أن يشكر الأمريكان ويكثر من الامتنان لهم ويطيعهم في قراراتهم وتوجيهاتهم، وإلا فإن عليه أن يواجه الروس بمفرده، ودون أي مساعدة منهم. وهو عرض يبدو أقرب إلى «تلفزة الواقع»، إمعانا في الضغط على الدول واستغلال نقط ضعفها أمام الملأ وإذلال زعمائها، واستعبادهم وإخضاعهم خضوعا مطلقا لمخططاته.
إن ترامب، وهذا ما يظهر من خلال تحركاته ومواقفه بعد تمكنه من العودة إلى كرسي الرئاسة، يقدم نفسه باعتباره الـ»ساباتاي زيفي» (المسيح المنتظر) الذي بإمكانه بأصبع واحدة تغيير وجه الخريطة، وتكريس السيادة الأمريكية عليها، بوضع اليد على الثروة أينما كانت. فأمريكا الآن هي الغرب، والغرب هو أمريكا التي باستطاعتها ليس فقط أن تبسط هيمنتها الاقتصادية والسياسية على الكل، بل بوسعها أيضا أن تقترح شراء أرض الفلسطينيين، وأن تبتز دولا أخرى من أجل إيوائهم على أراضيها. وهو ما يؤكد أن الغرب يعبر الأخلاق جيدة للتدفئة، وأن الحطب يمكن أن يكون هو باقي العالم بدون استثناء.
يقول كيشور محبوباتي: «من المؤسف أن المفهوم الذي ينص على أن الغرب قوة معطاءة بطبيعتها على المسرح العالمي هو وهم مترسخ بقوة، فالغرب ليس معطاء بطبيعته ولا خبيثاً بطبيعته، في الواقع، لا يختلف أداء الغرب عن أداء أغلب دول العالم بإيجاز، تتصرف الدول الغربية بشكل طبيعي، وليس «بكرم» على الساحة العالمية. أنا مستعد للاعتراف بأن الغرب قد حقق كثيراً من الخير للعالم، ولكن الغرب تسبب بكثير من الأذى أيضًا، كما خلف قرنان من الاستغلال الاستعماري جروحًا عميقة في جميع أنحاء العالم، وألحقت الهيمنة الغربية أضراراً بالثقة النفسية للعديد من الحضارات، خصوصا في آسيا وأفريقيا والعالم الإسلامي».
وتابع: «عدد من المفكرين الغربيين المعاصرين يغضون الطرف عن الاستغلال الاستعماري، ويعتبرونه خطاً حصل في الماضي وولى، ولكن هؤلاء المفكرين أنفسهم يتجاهلون بأن أميركا وبريطانيا قد شتنا حرباً غير مشروعة على العراق، وأن قوات حلف شمال الأطلسي تقتل السكان الأبرياء في أفغانستان وباكستان بضربات جوية من طائرات دون طيار، وأن المدافع الأكبر عن الديمقراطية وحقوق الإنسان الولايات المتحدة الأمريكية قد أعاد ممارسة التعذيب في القرن الواحد والعشرين. لقد حصل كل هذا في آخر عقد تقريباً؛ لهذا السبب، يعتقد قليلون فقط خارج الغرب أن الغرب هو كريم بطبيعته».


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 03/03/2025