في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
وتتضح «حقيقة أمريكا»، ومعها العديد من دول الغرب، في خطة ترامب المكشوفة إلى تهجير أهالي غزة واستيلاء أمريكا، على نحو شامل ونهائي، على القطاع، مما يمثل دعوة صريحة للتطهير العرقي، وانتهاكا صريحا للقانون الدولي، وخاصة لاتفاقية جنيف الرابعة التي تنص في المادة 49 منها على أنه «يُحظر النقل الجبري الفردي أو الجماعي، وكذلك الترحيل، للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي القوة المحتلة أو إلى أراضي أي دولة أخرى، سواء كانت محتلة أم لا، بغض النظر عن دوافعه». ومع ذلك، فترامب لا يترك مناسبة لترديد: «لا يوجد شيء في غزة للعودة إليه. المكان عبارة عن موقع هدم. سيتم هدم الباقي. سيتم هدم كل شيء».
يتساءل محبوباتي: «لماذا ما زال هذا الوهم قائما؟»، وجيب: « أحد أهم منابع الوهم بأن الغرب كريم بذاته هو المساعدات الخارجية التي يقدمها للعالم، ولكن أغلب خبراء التنمية الاقتصادية يعلمون أن الولايات المتحدة مثلاً هي من أبخل الدول الغربية من حيث كمية المساعدات الخارجية التي تقدمها، حيث تأتي أميركا في المرتبة التاسعة عشر من 23 دولة ضمن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فهي تقدم فقط 0.21 ٪ من المساعدات الخارجية رغم أن دول هذه المنظمة قد عاهدت أن تصب 0.8٪ من دخلها القومي الاجتماعي في المساعدات الخارجية، وعلى الرغم من أن هذا الرقم الأميركي المتدني معروف، إلا أن الشعب الأميركي ما زال يعتقد أن أميركا كريمة للغاية وتوزع كميات هائلة من المساعدات الخارجية. أظهر استطلاع للرأي في العام 2010 أن الأمريكيين يعتقدون أن المساعدات الخارجية تُشكل 25-27٪ من الموازنة الفيدرالية. ومن غير المفاجئ أن يعتقد الشعب الأميركي أن أميركا هي دولة كريمة من حيث المساعدات الخارجية، فهم يقرأون ذلك على الدوام في مؤلفات القادة الأمريكيين ويسمعونه في خطاباتهم. ونظرا إلى الاعتقاد الراسخ والمنتشر في أميركا وغيرها من الدول الغربية بأن الغرب يظهر كرمه المتأصل عبر برامج المساعدات الخارجية السخية، فسوف نتناول حقيقة برامج المساعدات الخارجية وتأثيرها. صدرت كمية كبيرة من المؤلفات حول المساعدات الغربية الخارجية، ويوثق كثير منها حالات الفشل الكبرى. يذكر ويليام إيسترلي في كتابه (عب الرجل الأبيض: لماذا تسببت جهود الغرب المساعدة الآخرين بكثير من الشر وقليل من الخير؟ أنه منذ تأسيس وكالات الغوث العالمية العملاقة (مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، وبرنامج الأغذية العالمي)، فإن مساعدات التنمية لم تفلح، ويعود ذلك جزئيا إلى الطموح الزائد لوكالات الغوث التي غالبا ما اقترحت حلولاً تهم المانحين وليس المستفيدين، إضافة إلى ذلك، فإن غياب محاسبة المستفيدين وانعدام آليات البيانات الاسترجاعية قد فاقمت اللا فاعلية في مساعدات التنمية. وفقا للكاتب، فإن المساعدات الخارجية هي المأساة الأخرى لفقراء العالم… أنفق الغرب 2.3 ترليون دولار على المساعدات الخارجية خلال العقود الخمسة الماضية ولم يتمكن من إيصال الأدوية التي يبلغ سعرها 12 سنتنا إلى الأطفال للحيلولة دون نصف وفيات الملارايا أنفق الغرب 2.3 ترليون دولار ولم يتمكن من إيصال ثلاثة دولارت إلى كل أم جديدة بهدف تجنب وفاة خمسة ملايين طفل … إنها مأساة أن لا تحقق كل هذه الرأفة التابعة عن نية سليمة هذه النتائج للمحتاجين” .