في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
يقول الباحث سعد عبد السلام حول انغماس الغرب «المتحضر» في خطاب الكراهية، رغم أنه يقدم نفسه كحام لمبادئ حقوق الإنسان ومدافع عن المساواة والعدالة والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها: «دائماً ما يكون خطاب الكراهية أداة لتحفيز المشاعر وإثارتها، وتعبئتها في اتجاه معين، فيصبح تحريضياً وحاشدًا بما ينشئ سلوكًا وثقافة للانتقاص ممن وجه ضدّهم الخطاب، وهنا تكمن خطورة خطاب الكراهية، خاصة إذا وجدت منابر إعلامية أو بيئة تواصل خصبة، تروج له وتزيد من انتشاره؛ لذلك انتشرت في الآونة الأخيرة مصطلحات، لم تكن موجودة من قبل مثل: الإسلاموفوبیا (Islamophobia) ورهاب الأجانب (xenophobia ورهاب الإلحاد (atheophobia) وغيرها….».
ويتابع: «مما تقدم يبدو أن تعريف خطاب الكراهية ليس معقدًا فحسب، بل إنه مثير للجدل أيضا، نظرا الاستخدام مصطلحات متحيزة، مثل العرق واللون والفئة والدين… وهذا التعريف المنسوخ، عليه مآخذ عدة منها: مطاطية كلماته بما يتيح للتفسيرات المختلفة والمتناقضة أن تضيق وتتسع، بحسب تقدير كل فئة وكل حكومة وكلّ جماعة؛ ومع عدم توافر تعريف قانوني دقيق لـ «خطاب الكراهية»، فقد برزت في هذا السياق إشكالية تتعلق بالمعطيات التي تجعل من خطاب الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون؛ خاصة في ظل تداخله. مع مصطلحات أخرى مثل: حرية الرأي والتعبير … فهل ثمة قوانين واضحة وصريحة يعتمد عليها في فهم وضبط مصطلح خطاب الكراهية؟
قوانين مكافحة خطاب الكراهية بين عولمة قيمته وقيمة عولمته عملت القوانين الحديثة على محاولة ضمان حماية حق المساواة بين الناس، مع حظر خطاب الكراهية، وقد شملت قوانين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصوصا قانونية تمنع استخدام عبارات الإهانة للأفراد والجماعات، بناء على عرقهم أو دينهم، أو نحو ذلك… ولعل أبرزها ما ورد في الفقرة 2 من المادة: 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: حيث تحظر بالقانون، أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، أو أي دعوة تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف… كما تتضمن مادته الثانية حق الفرد في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة، أو الدين أو أي تمييز لسبب آخر؛ ثم عاود الإعلان في مادته الثالثة ضرورة ضمان حق الفرد في الحياة، والتمتع بالحرية والسلامة؛ أما بالنسبة للمادة: 8 فقد أكد الإعلان على أن كل الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة، دون أي تفرقة، وأن لهم جميعا الحق في حماية متساوية، ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان. وجاء في نص المادة: 19 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، ضبط لما شملته حرية التعبير، على أن أي دعوة إلى الكراهية القومية والعرقية والدينية…. تشكل تحريضا على التمييز والعداوة والعنف؛ ثم جاءت المادة: 20 من ذات العهد لتحظر بشكل مباشر أي دعوات تحريضية أو عنصرية أو كراهية..”.