في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
يقارن الفيلسوف السلوفيني، سلافوك جيجيك، بين التبريرات التي ساقتها قوات الناتو لاحتلال ليبيا وما وقع أثناء الحرب العالمية الأولى حين «بعثت ثكنة ضباط الجيش الالماني برقية الى ثكنة ضباط الجيش النمساوي في ذلك الوقت تقول: الوضع في جبهتنا كارثي، ولكنه ليس جديا، وكان رد ثكنة ضباط الجيش النمساوي: الوضع في جبهتنا جدي، ولكنه ليس كارثيا».
وقال جيجيك: «بهذه الصورة يعطي الغرب أولوياته. فإذا سألنا، مثلا، ماذا تفعل قوات دول حلف الناتو في ليبيا، نجيب الوضع، مثلما تمر به شعوب الدول العربية الأخرى، قد يكون جديا، ولكنه ليس كارثيا. المشهد مثير للغاية، وربما نصبح في الأيام القادمة شهودا على مرحلة لا تصدق وتتصف بالجنون الكامل».
وأكد الفيلسوف أن «حمى التغيير الدائرة في الوطن العربي تكشف الوجه الحقيقي لديمقراطية الغرب، وحربه على ما يسمى بمحور الشر والإرهاب الإسلامي. هل نعرف أحدا كان إرهابيا قبل أن تجنده المخابرات الامريكية؟ والغريب ان الجميع يعرف ذلك، ويعرف كيف تخلق الولايات المتحدة أعداءها ولماذا تتخلص منهم. أظن اننا نقترب من ولادة مرحلة جديدة وخطيرة، وحتى ندخل فيها يترتب على يساريي العالم أولا تشييد تمثال ضخم لجورج بوش، لأن سياسته الحمقاء، أطاحت بالهيمنة الأمريكية ودمرتها».
إن الديمقراطية الغربية، في رأيه، تمر من أزمة حقيقية، «لأنها أفرغت من محتواها، وهذا الأمر قد لا نلاحظه بسهولة، بسبب ديمقراطيتها التسويقية، وبهذه المناسبة أحب دائما ذكر التالي: قبل أسبوع من الانتخابات البريطانية، ليست التي خسرها توني بلير، بل التي فاز بها، كنت في بريطانيا، وشاهدت محطة تلفزيونية تجري تصويتا بين مشاهديها على أكثر شخصية سياسية يكرهها الشعب البريطاني، أجمع الناخبون على اسم توني بلير، وبعد مضي أسبوع فاز توني بليرـ وهذا معناه أن أكثر شخصية سياسية يكرهها الشعب البريطاني فازت بالانتخابات العامة، وهذه إشارة واضحة تؤكد فشل الانتخابات البرلمانية على قياس رأي الشعب واختياراته».
وتابع جيجيك: «قبل أشهر أعاقت الحكومة البريطانية تنفيذ إصلاحات تربوية، فقام الطلاب باحتجاجات اتسمت بالعنف والمواجهات مع رجال الأمن. هذه إشارة أخرى تؤكد أن الديمقراطية الرأسمالية لا تقيس نبض الشعب، ولا تقترب من مطالبه الحقيقية، لذلك خرج الطلاب إلى الشارع لعرض مطالبهم، وسوف يخرج طلاب أوروبا وشبابها الى الشارع مرة ثانية وثالثة، ليقولوا: لا عمل لدينا ولا أمل.
وينبه جيجيك إلى أن كل شيء يدل في الوقت الراهن على عولمة الحروب الأهلية، لتحل محل نظام العولمة الذي خضع له ملايين البشر في الحقبة الماضية، ويدل أيضا على طلاق وشيك بين الديمقراطية والرأسمالية الذي تكشفه حالة الطوارئ المعلنة في الولايات المتحدة وأوروبا ضد الهجرة غير الشرعية، لأن الرأسمالية في أزماتها تتخلى عن ديمقراطيتها. الجميع يعرف كيف تخلت الولايات المتحدة عن الديمقراطية، حينما تطابقت مصالحها مع مصالح البنوك إبان ازمتها الاقتصادية عام 2008، في ذلك الوقت كان على الجميع نسيان الديمقراطية، لأنها لا تحل الأزمات. ربما بعد عولمة الحروب الأهلية، ستجد الولايات المتحدة الوقت الكافي للحديث عن الديمقراطية وعن غيابها هنا وهناك».