قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة 20- كريستيان بونو: تقنية الغرب تولد الشعور بالوهن لدى الثقافات الأخرى

في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.

 

يشير المفكّر الفرنسي، كريستيان بونو، إلى القوّة التقنيّة لدى الغرب قد أبهرت الثقافات الأخرى، الأمر الذي أوجد لديها حالة من الشعور بالعجز والوهن. حيث إنّ الكثير من عقلاء سائر البلدان الأخرى بالنّظر إلى التكنولوجيا الغربية قد غضوا الطرف عن المسائل العقليّة، وركزوا كلّ اهتمامهم على المسائل الفنية والتقنية.
وذكر بونو أنّ «هيمنة الغرب على سائر الثقافات بالإضافة إلى السيطرة العسكرية، تكمن في إبهارها بواسطة المسائل التقنية. في حين أنّ هذه القدرة التكنولوجية قد تحوّلت في الوقت الراهن إلى مشكلة كبرى. فلا يبعد أن تؤدّي هذه الثقافة والحضارة إلى القضاء على نفسها، بل وقد تؤدّي إلى تدمير البشريّة بأسرها. هناك من يذهب حالياً إلى الاعتقاد بإمكانيّة التغلّب على الأزمة الراهنة بواسطة التفوّق التكنولوجي والجيو ـ هندسي. من ذلك أنّهم ـ على سبيل المثال ـ يعتقدون حالياً ويقولون حيث إنّ الكرة الأرضية تعاني حالياً من ارتفاع درجات الحرارة، ربما أمكن القيام بتفجيرات نووية هائلة تخرج الكرة الأرضية عن مدارها، مما يوجب ابتعادها عن الشمس، الأمر الذي يساعد بالتالي على تبريدها. وعليه ربّما لم يصل البعض حتى الآن إلى إدراك أنّ هذه التكنولوجيا نفسها من شأنها أن تكون هي المنشأ في هذه الأزمة. وعلى هذا الأساس فإنّ الرؤية الأهم التي يمكن استخلاصها من تفكير هنري كوربان بالنظر إلى هذا السؤال، هي أنّ المشكلة الرئيسة لدى الثقافات ـ ولا سيّما منها الثقافات الشرقية ـ تكمن في الانبهار بثقافة الغرب، ولا سيّما منها الثقافة الناظرة إلى البُعد التكنولوجي؛ إذ إنّهم يتصوّرون أنّ الغرب قد امتاز في المسائل الفنيّة بواسطة المقدرة العقلية الكبيرة. في حين لا يوجد أي تلازم عقلي ومنطقي بين هذين الأمرين».
وعن مقولة «انهيار الغرب»، يقول الفيلسوف الفرنسي إن «الاتّجاه التخصّصي الذي يتعرّض إلى مسألة انهيار الغرب، يُعدّ من المسائل الهامة. يزعم أحد المفكرين الذي يتحدّث عن مثل هذا الانهيار، ويُمثّل لذلك بمثل هذا المثال القائل: لدينا بحيرة وقد غطّت الزنابق سطحها، وفي كلّ ليلة يزداد عدد هذه الزنابق بمقدار الضعف. واليوم قد غطّت الزنابق نصف حجم البحيرة، ولم يبقَ أمامنا سوى ليلةٍ واحدةٍ حتى تغطي الزنابق جميع سطح البحيرة. لا يبعد أن تكون مسألة انهيار الحضارة الغربية شيئاً من هذا القبيل، ولكن لا تزال بداية هذا الانهيار غير محدّدة. فهل سيبدأ الانهيار من مشاكل تتعلّق بالبيئة، من قبيل: ارتفاع حرارة الأرض أو شحّ أو فقدان مصادر الغاز والطاقة؟ أم سيبدأ الانهيار بسبب المشاكل الاقتصادية والأنظمة المالية؟ هذا ما لم يتّضح بعد بشكلٍ جيّدٍ».
ويورد كريستيان بونو ما يتضمنه كتاب «القرن التاسع عشر قرن الغباء»، قائلا: «تم وصف هذا القرن بأنّه يمثّل مرحلةً تقوم الحضارة فيه على التقنية، والتقنية تقوم على الإبداع، والإبداع بدوره يقوم على الفراغ الميتافيزيقي (…) وفي الواقع يمكن في ضوء هذا المعنى متابعة البحث في جميع مظاهر الحضارة الغربية، أو ما وجد على المستوى البنائي في الغرب، بوصفها معرفةً ميتافيزيقيةً، والوصول إلى أصولها. عندما يتحدّث هنري كوربان عن مشكلة الفكر الغربي الشائع، ويقول إنّها بدأت في الحدّ الأدنى من القرن الثاني عشر للميلاد، وأدّت إلى ثنائيّة الذهن والعقل وتقسيم العالم إلى بعدين، فإنّ هذه المشكلة بدورها تعود إلى المسألة الميتافيزيقية أيضاً، وهذه المسألة بدورها تعود إلى القرون الوسطى…»


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 24/03/2025