قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة 23- الانحدار الغربي: ضريبة التخلي عن المرجعية الأخلاقية

في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.

 

لماذا الغرب ينحدر بهذه السرعة؟ هذا هو السؤال الذي ينطلق منه يرى الباحث في «مؤسسة وعي للدراسات والأبحاث»، نايف بن نهار، إذ يقول إنه على الرغم من وضوح الخطأ الذي وقع فيه الغرب، وتسبب في انحداره، فإن الغرب إلى الآن لا يريد الاعتراف بهذا الخطأ، فقد قرأت وسمعت لكثير من الغربيين الذين يصرحون بأن الغرب في حالة انحدار متسارع، لكن الذي لم أجد أحدًا يتحدث عنه هو الأسباب الذي جعلته ينساق إلى هذا الانحدار.
يقول: بالنسبة لنا السبب واضح، وهو أن الغرب تخلَّى عن «مرجعية أخلاقية متعالية» منذ الثورة الفرنسية، وأصبح يستمد أخلاقه من ذاته، ولما كان الإنسان يميل إلى توسيع رغباته فإن الغرب مستمر في توسيع رغباته ما دامت لا توجد حدود أخلاقية تضبطه، هكذا الأمر بكل وضوح.
وحين نقول مرجعية أخلاقية «متعالية» فإن كلمة «متعالية» قيد مهم؛ لأن المقصود بالتعالي التعالي على أهواء الناس وأمزجتهم، إذ الغرب يؤمن بأنه يمتلك مرجعية أخلاقية، ويؤمن أن ما يفعله اليوم هو أخلاقي، لكن أخلاق يفصّلها على مقاس رغباته، ولذلك لا فائدة من مرجعية أخلاقية غير متعالية. وهذا المعنى التقطه بكل براعة ابن حزم الظاهري قبل ألف عام حين قال: «ولا يمكن البتة إصلاح أخلاق النفس بالفلسفة ‌دون ‌النبوة، إذ طاعة غير الخالق عز وجل لا تلزم، وأهل العقول مختلفون في تصويب هذه الأخلاق».
لكن من الصعب أن يصل الغرب إلى هذه النتيجة؛ لأنه إن وصل إليها فهذا يعني أنه سيعترف بخطأ مساره التاريخي منذ الثورة الفرنسية، فهو قد قرر رفض المرجعية الأخلاقية تمامًا، وهذا الرفض كان رفضًا متهورًا وعشوائيًا؛ لأن الانحراف الذي حصل في السلطة الدينية في أوروبا كان ينبغي أن يُصحح ويستثمر كهوية جامعة ومرجعية أخلاقية، لكن الغرب اختار أسهل الحلول، وهو الرفض الابتذالي.
واليوم حين تخلى الغرب عن المرجعية الأخلاقية أصبح متورطًا في كيفية ضبط حدود حريته، فكلما وصل إلى مستوى خرج له من يريده أن يتسع أكثر، وهكذا سيبقى في انحدار إلى أن تأتي اللحظة التي يكتشف فيها الغرب الخطأ التاريخي الذي وقع فيه، ويمتلك الجرأة الكافية لإعادة مساءلة قراره التاريخي بإلغاء المرجعية الأخلاقية، بما فيها الدين.


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 27/03/2025