في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
يؤكد محبوباتي أن المساعدات الغربية لم تصمم لمساعدة المستفيدين بشكل رئيسي، بل جاءت مصلحة المانحين أولاً. ويعطي مثالا بريتشارد هو لبروك – وهو من أشد المسؤولين الأمريكيين الذين قابلهم صلابة- وكان مساعدا لوزير الخارجية لشؤون آسيا والبحر الهادئ، فيقوب: «أخبرني [بريتشارد هو لبروك] أن إحدى مسؤولياته الرئيسة هي تعليم مسؤولي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) وتذكيرهم بأن الهدف الأساسي من المساعدات الأميركية هو تعزيز المصالح الوطنية الأميركية وليس الإحسان إلى العالم».
غير أن السؤال الكبير يبقى هو: «لماذا فشلت أغلب المساعدات الخارجية الغربية بهذا الشكل الذريع؟»
يجيب: «أقدر تقريبًا أنه لكل دولار واحد من المساعدات الخارجية – خصوصا المساعدات الثنائية، العون التقني المساعدة المشروطة، والمساعدات الاقتصادية والغذائية والعسكرية، ينفق 20 سنتا على النفقات الإدارية للدولة المانحة (دفع رواتب مسؤوليها)، و 20 سنتا إلى المستشارين الذين توظفهم الدولة المانحة (وهؤلاء المستشارون غالبا هم من مواطني هذه الدول)، و 30-40سنتا إلى تأمين المعدات أو الخدمات التي تؤمنها الدولة المانحة المساندة صناعات الدولة نفسها). إذا كانت الدولة المستفيدة محظوظة، فإنها سوف تنال 20-30 سننا من كل دولار منح لها ظاهرياً. أتحدى خبراء التنمية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي أن يقدموا رقماً بديلاً إذا اعتقدوا أن رقمي غير مصيب”.
ومن أوجه فساد المساعدات المرسلة إلى أفغانستان على سبيل المثال يورد دراسة أنجزتها كلير لوكهارت، وجاء فيها أن قرويا قال لها: “أود أن أطلعك على قصة تبخر 150 مليون دولار. سمعنا على المذياع عن برنامج إعادة إعمار في منطقتنا لمساعدتنا في إعادة بناء بيوتنا بعد عودتنا من المنفى، وقد فرحنا كثيرا، كان ذلك في صيف العام 2002 في قرية تقع في منطقة نائية من محافظة باميان في الأراضي الجبلية الأفغانية، تبعد عدة ساعات عن عاصمة المقاطعة وهي منقطعة تماما عن العالم. سارعت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لتوفير مشاريع التأثير السريع لمساعدة المواطنين الأفغان في أعقاب الحرب، كان بالإمكان أن يُحوّل مبلغ ۱۵۰ مليون دولار حياة المواطنين، ولكن لم يحصل ذلك، وقد أوضح الشاب ذلك بقوله:
لم يحصل إلا القليل بعد أشهر طويلة. قد نكون أميين ولكننا لسنا أغبياء، فتوجهنا للاطلاع على ما يجري، وهذا ما اكتشفناه حصلت وكالة في جنيفا على المال، فأخذت 20 بالمئة، ووكلت وكالة أخرى في واشنطن العاصمة بالعمل، وأخذت هذه أيضًا 20 بالمئة، تم مجددا التوكيل بالعمل وأخذ 20 بالمئة وحصل ذلك مرة أخرى حينما وصل المبلغ إلى كابول. في تلك الأثناء، لم يتبق إلا قليل من المال، ولكنه كان كافيًا ليقوم أحدهم بشراء الخشب من غرب إيران وشحنه عبر إحدى كارتيلات الشحن التي يملكها محافظ إحدى المقاطعات بخمسة أضعاف تكلفة الشحن العادي. وصلت إلى قرانا بعض العوارض الخشبية في النهاية، ولكنها كانت كبيرة وثقيلة جدًا على جدران الطين التي نستطيع بناءها. وعليه، كل ما كان بإمكاننا فعله هو تقطيعها واستخدامها كحطب”.
وفقا لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المدققة رسميا، فإن مبلغ 150 مليون دولار كان مساعدة غربية لأفغانستان، ولكن في الواقع كان المستفيد الحقيقي المصالح والشركات الغربية ومحافظ محلي فاسد بينما حصل الأفغان على الحطب. هل هذا مثال استثنائي أو دليل على الأخطاء التي تحصل بشكل طبيعي؟
ما يقدر بسبعين بالمئة من المساعدات المرسلة إلى أفغانستان بين عامي 2002و 2004 قد أنفقت على النفقات الداخلية لوكالة الأمم المتحدة من المؤسف أن فشل المساعدات الغربية إلى أفغانستان لم يقف عند هذا الحد، حيث يُشير غاني ولوكهارت وهما مستشاران سابقان للأمم المتحدة حول شؤون أفغانستان إلى برنامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عام 2005 الذي استهدف إنشاء المدارس في أفغانستان، فعلى الرغم من أن الوكالة كانت قد وعدت حكومة أفغانستان ببناء 1.100 مدرسة خلال عامين، إلا أنها بنت ثمانية مدارس فقط خلال هذا الوقت، وانهارت سنة منها. أجريت مقابلات مع مواطنين في العام 2007 في أفغانستان عبروا عن شعورهم بالخيانة من المجتمع الدولي، نظرا إلى الهدر وانعدام الفاعلية والفساد.
تبين هكذا قصص حسب تعبير غاني ولوكهارت من أنه “عوضا عن فتح النشاط التجاري المشروع أمام البلدان، تُشكل منظومة العون جانب الرأسمالية الاستغلالي المتأصل. لا أشك أن أغلب قادة الغرب سوف يصرفون النظر عن هذه الأمثلة من أفغانستان ويعتبرونها استثناءات، ولكنني لا أعتقد أنها كذلك بل هي أمثلة أشدّ حدّة لما يحصل فعليا”.