«قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط» رواية بامتداد إفريقي

 

يكتب عبد الكبير الداديسي عن مصير ثلة من المهاجرين القانطين من وطنهم، محاولين الهروب من أوطان لم ترحم ضعفهم ولم تعطهم ما يستحقون من حقوق، بل أوطان تصدر الكثير من الآلام الإنسانية أوطان تستبيح كل شيء وتجعل الفرد يرغب في الهجرة بجميع الطرق نحو الحلم الوردي .
عمل الداديسي في روايته المعنونة «قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط « على عرض قصص إنسانية مثخنة بالمواجع الإنسانية تارة تقوم على الرمز، وتارة أخرى تبرز الأمر بشكل فاضح يكشف رحلة العذاب التي يعانيها الكثير من المهاجرين من دول إفريقيا، حيث يمزج الكاتب قصصا مغربية بأخرى عربية .امتياز قصة ميادة السورية القادمة من لهيب الثورة وما خلفته من قتلى ومعطوبين ومامادو الإفريقي الجنسية الذي يحلم بقيم الحرية والعدل والمساواة في الكرامة بين الجميع يحلم بالضفة الأخرى كبديل عن وطنه الذي تركه للواقع المرير .
إن العمل الروائي للكاتب الداديسي عمل يحفل بالثقافة الإفريقية، ثقافة ممتلئة بما هو أصيل وعريق. فقد توقف الكاتب عند الكثير من المواقف الإنسانية التي تظهر بامتياز ذلك التمازج والتلاقح الإفريقي العربي وامتداده رغم جبروت الصراعات السياسية وما تخلفه من مواجع على الأفراد عموما .
عمل الكاتب خلال سرده الروائي على استعمال تقنيات روائية، ومن أبرزها تقنية الفلاش باك وهذا واضح عندما نقرأ الفصول المكونة للرواية. فأغلب حياة ميادة عبارة عن استرجاع تحكي فيه عن حياتها المثخنة بالآلام، ثم هناك مقاطع روائية تحكي فيها عن رحلتها المرعبة إلى المغرب .
تندرج رواية الكبير الداديسي ضمن أدب الهجرة السرية. إنها مادة خام ووصف جلي لما يعانيه المهاجر وما يرافق رحلته إلى الهناك من مصاعب جمة. ولا يخفى على كل دارس دور المبدعين المغاربة في ازدهار هذا الصنف من الأدب وخدمته عبر متن سردي متنوع وحفر في قضايا الهجرة وما يلاقيه المهاجرون الأفارقة عموما من عنصرية وصرامة عند دخولهم الأراضي الأوربية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر عمل عز الدين التازي الروائي المغربي والصحفي المغربي رشيد نيني في كتابة «يوميات مهاجر سري» على عرض قضية الهجرة وممارسة الفضح لكل ما يعانيه المهاجر العربي .
إنه الحلم الخلّب بالرغم من الترسانة الجهنمية من الحواجز والعوائق،
إنها ضفاف الأمل والمكان الوحيد لتحقيق مطالب اجتماعية جمة ترضي، ولو جزءا بسيطا الذات الإنسانية.
كشف الداديسي عما تعانيه الذات المهاجرة وهي في الوطن الأصل، فالذاكرة مثخنة بالبؤس والألم والقسوة والأحلام المجهضة ,أما الضفة الأخرى مكان لارتواء العروق بدماء جديدة تحمل قيم الحرية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية.
إنها ثنائية «الهنا والهناك» التي تحدث عنها الناقد عبد النبي ذاكر في كتابه» تخييل الهجرة السرية في المغرب واسبانيا نظرات متقاطعة».
تواجه رواية الداديسي خطاب الكراهية بأسلوب منفرد محب للأخر، حيث تذوب الحدود والخرائط بين الدول حيث يحكي مامادو عن قصته ليبرز داخل الرواية العمق الإفريقي والثقافة المتجذرة للهوية المغربية، وتحفل الرواية بأمكنة من مناطق متعددة من المغرب حيث يظهر الكاتب حذقه وتميزه في اختيار الأمكنة التي تعبر تاريخيا عن دورها في الهجرة وأصبحت الآن معروفة عند المغاربة ومن أهمها الشمال عموما. فهذا الأخير مرتبط عند المغاربة كمكان له رمزية ومنه ينطلق المهاجر المغربي أو الإفريقي نحو الهناك .
يسرد الكاتب بلغة أدبية فصيحة حيث تختفي حواجز اللغة، ولا يظل سوى صوت الإنسانية هو المسموع بعيدا عن الأصولية حيث وظف الكاتب لغة قوية موحية تزخر بالاستعارات وتنبش عن هوية الأشياء .


الكاتب : أحمد الناموسي

  

بتاريخ : 18/12/2021