قواسم الإبداع السردي بين عبد الكريم الجويطي وعبد الحميد البجوقي

إذا كانت أقلام النقاد في المتن الحكائي قد قارنت من قبل بين الكتابة السردية الفاضحة وتعرية المسكوت عنه، لدى الكاتب والروائي المغربي محمد شكري والشاعر والروائي جان جينيه، وذلك بناء على سلسلة مؤلفات، تتناول قضايا الإنسان في مواجهة الحياة، وقد شكل التهميش والفقر والجنس والسرقة والتسكع في الشوارع وبيع السجائر، عناوين بارزة لأغلفتها أو لفصول حكيها ووصفها، ولما اعتمرت هذه الأعمال المكتبات والأكشاك ،حققت نجاحا كبيرا واكتساحا ملحوظا لأوساط النقاد والأدباء والباحثين والقراء على حد سواء ، خاصة لما جمعت بين توظيف الكاتبين لخيالهما الواسع في الوصف وأسلوبهما المتميز والغني في التعبير في نقل الحدث أو الأحداث وإيصال الفكرة ، وحسبنا إن نشير هنا إلى :»يوميات لص – الجرح السري – أنشودة الحب – شعائر الجنازة – الخبز الحافي- زمن الأخطاء وجوه الخيمة – السوق الداخلي «، فإن المشرك بين المبدعين الجويطي والبجوقي ، تارة نجده أخذ طابع الامتداد والتشابه مع ما سبق ذكره، خاصة في ما يتعلق بالبوح وإضاءة الأمكنة المظلمة في حياتنا الاجتماعية والثقافية، وتعرية أساليب القمع والقهر والتسلط والاستغلال والتمييز وباقي أشكال الحط بكرامة الإنسان وكراهيته وتعذيبه إلى حد القتل التصفية الجسدية تارة أخرى . والجدير بالإشارة أن سلوكات التعنيف والقهر والمعاناة النفسية اليومية التي تمارس في حق المهاجر والتي يصورها البجوقي بدقة متناهية، سواء بأحد الشوارع أو المقاهي الاسبانية، هي التي قد تطال المواطن وهو بعقر بلده بل بمسقط رأسه لأن السلطة بقدر ما هي أداة أمنية وتنظيمية، هي أداة خلقت للردع والتأديب والتهذيب، حفاظا على النظام العام .
هكذا تربع المبدعان : عبد الكريم الجويطي و عبد الحميد البجوقي على منصة الكتابة الاجتماعية / النفسية التي كانت تقتصر من قبل على السرد والوصف ، أي على التشخيص دون محاولة أو جرأة منها على تخطي الأنماط البالية الموجودة ، من حيث تقديم ملاحظات وانتقادات الكاتب.
إن الرواية – بصراحة – مع هذين المؤلفين تعدت القوالب التقليدية الجاهزة التي كانت سائدة وشائعة مع المنفلوطي ونجيب محفوظ (مصر ) وحنا مينة وتامر زكرياء ( سوريا ) على سبيل المثال لا الحصر ، ووصلت بها الجرأة الأدبية إلى مستوى الفضح و الكشف والاستنكار والتنديد، مطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، أي بتكريس الحقوق الكونية التي أقرتها الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كاليوم العالمي لحقوق الإنسان، كاليوم العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والاتفاقية الأممية لحقوق الطفل 1989 .
إن هذه التيمة في الكتابة والتعبير عن قضايا ومعاناة المجتمعات والشعوب ، بالإضافة إلى الشعارات والموسيقى الجديدة التي صارت تتداول داخل الملاعب الرياضية وخارجها، وصارت تتنفسها وترددها، تماما كما تتنفس الأكسجين لتحيا وتردده صباح مساء كما تكرر أدعيتها الي الله، هو اللون الفني والإبداعي الذي دأبت عليه نفوس وعقول وعيون و حناجر الجماهير الشعبية .
تأسيسا على ما سبق ، يمكن القول
إذا كان الأدب الكلاسيكي قد تغنى بحب الحياة وجمالها مع أبي القاسم الشابي وجبران خليل جبران مثلا، فإن الإبداع الجديد تحول أولا، إلى آلية/سلاح لمناهضة أساليب الحكرة والاستغلال والتمييز، وثانيا إلى رافعة أساسية تتوق إلى صون حقوق الإنسان وكرامته كاملة غير مجزأة . بطبيعة الحال، لست راغبا هنا في إثارة إشكالية الماضي والحاضر ومناصريهما، بقدر ما أريد أن أوضح أن الإبداع يحيا ويتطور بتطور المدنية .
وفي الأخير لا يفوتني إلا أن أعرض بعض عناوين بعض المؤلفات لهذين المبدعين المحترمين، آملا ألا أكون قد قصرت في حقهما البلاغي و الإبداعي.

* المؤلف عند السيد الجويطي :

-1- زغاريد الموت
2-رواية مغربية في قوارب الموت
3-ليل الشمس
5-رمان المجانين
6-مدينة النحاس
7-كتيبة الخراب

*مقابله شكلا
عند السيد البجوقي :

عريس الموت
– عيون المنفى
-الجنيس
– المشي على الريح

ترى إلى أي حد يشكل الانتماء السياسي والتكوين الفكري والثقافي عاملا أساسيا في تمييز إنتاجات الكتاب وأبحاثهم عن باقي المؤلفات ؟


الكاتب : الحسين وبا

  

بتاريخ : 06/12/2023