«قيصر».. مسلسل سوري يشعل معركة بين الذاكرة والدراما

لم يكن مسلسل «قيصر» مجرد مشروع درامي عادي، بل فجر موجة جدل حادة سرعان ما تصدرت النقاشات في سوريا.
فما إن تم الشروع في تصوير مشاهد داخل زنازين سجن صيدنايا، حتى تفجرت ردود فعل غاضبة، معتبرة أن العمل الفني يتجاوز الخطوط الحمراء للذاكرة الجماعية.
المسلسل، الذي قدّم كأول إنتاج درامي يتناول فترة ما بعد سقوط بشار الأسد، سرعان ما وجد نفسه وسط عاصفة من الاعتراضات. الشرارة الأولى انطلقت عندما أصدر فريد المذهان، الضابط المنشق الذي سرب عام 2013 صورا مروعة لضحايا التعذيب تحت الاسم الرمزي «قيصر»، بيانا يرفض فيه استخدام هذا اللقب في أي عمل فني.
لم يكن موقفه وحيدا، إذ سرعان ما انتقلت الاحتجاجات من وسائل التواصل الاجتماعي إلى شوارع دمشق، حيث رفع المحتجون لافتات تندد بـ»تسليع الألم وتحويله إلى دراما استهلاكية».
ومع تزايد الغضب، كشف أن العمل يضم فنانين محسوبين على النظام السابق، أبرزهم غسان مسعود، الذي واجه انتقادات لاذعة، خاصة بعد إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة له كان فيها يدافع عن ممارسات النظام،و تساءل كثيرون،كيف لمن وقف إلى جانب الجلاد أن يؤدي دور الضحية؟.
في غضون 48 ساعة فقط، تحول المسلسل من تجربة فنية إلى قضية رأي عام. وتحت الضغط الشعبي، أعلنت اللجنة الوطنية للدراما، التي شكّلت بعد سقوط النظام، وقف التصوير احتراما لمطالب الناجين وعائلات الضحايا،أما شركة Power Production، المنتجة للعمل، فسارعت إلى الاعتذار، مؤكدة أنها ستعيد النظر في العنوان وطاقم العمل، لكن يبدو أن الضرر قد وقع بالفعل،كما يقول منتقدو هذا العمل الدرامي.
وسجلت مصادر إعلامية ،انقسام فريق العمل بين مدافع عن المسلسل بحجة تسليط الضوء على قضايا مسكوت عنها، وبين من اعترف بأن توقيت الطرح كان خاطئا.
وكشفت مصادر إعلامية، أن الكاتب نجيب نصير، أحد مؤلفي السيناريو، أوضح موقفه مركدا أن المسلسل لا يروي قصة قيصر، بل يتناول أوضاع السجون بشكل عام، لكن هذا التبرير لم يكن كافيا للمعترضين، إذ ردت عليه إحدى الناجيات قائلة: «أبي كان هنا… لا أريد أن أرى ممثلا يقلد معاناته».
المفارقة أن المسلسل، الذي أراد فضح ممارسات القمع، تقول مصادر إعلامية، سقط في فخ استدعاء الجراح بشكل فج، إذ جرى تصويره في مواقع لا تزال شاهدة على الانتهاكات.
تقارير صحفية أشارت إلى أن فريق الإنتاج اضطر إلى الاستعانة بحراس أمنيين لمنع أهالي الضحايا من التجمهر قرب مواقع التصوير، بينما انسحب بعض الممثلين بعد تعرضهم لضغوط عائلية، رافضين ما وصفوه بالاستفادة من مأساة الآخرين.
ومع طي صفحة المسلسل على الأقل في شكله الحالي، يبقى السؤال الأكبر مطروحا، كما ذهب إلى ذلك إعلاميون و مواطنون وكذلك مهتمون بالشأن الفني، هل يمكن للفن أن يتناول المآسي قبل أن تلتئم الجراح؟ ومن يملك حق رواية التاريخ، الناجون أم المبدعون؟ وبينما تحاول الشركة المنتجة إعادة هيكلة المشروع، يبدو أن الدرس الأهم قد تبلور بوضوح في المشهد السوري الجديد، الجمهور كما نقلت ذلك أكثر من وسيلة إعلامية، لم يعد متلقيا صامتا، بل أصبح طرفا فاعلا في تحديد كيف تروى مأساته.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 04/03/2025