قبل أن يطلق الحكم صافرة البداية في الملاعب المغربية المتطورة، بدأت كأس أمم إفريقيا 2025 في كتابة فصول قصة نجاح غير مسبوقة. هذه النسخة، التي يحتضنها المغرب، ليست مجرد دورة كروية عابرة، بل هي إعلان صريح عن انتقال الكرة الإفريقية من الهواية التنظيمية إلى الاحترافية العالمية. بفضل رؤية استراتيجية متكاملة، تحولت «الكان» إلى قاطرة للتنمية الاقتصادية والإعلامية، حيث تتحدث الأرقام اليوم لغة الملايين، لتؤكد أن المغرب يجهز للعالم نسخة ستظل محفورة في الذاكرة لعقود طويلة.
9 ملاعب عالمية.. بنية تحتية تضع المغرب في الريادة
ستجرى منافسات البطولة في 9 ملاعب من الطراز العالمي، تتوزع على 6 مدن مغربية كبرى (الرباط، الدار البيضاء، طنجة، مراكش، فاس، وأكادير). هذه الملاعب ليست مجرد مساحات خضراء، بل هي تحف معمارية خضعت لعمليات تحديث واسعة لتتوافق مع معايير «فيفا» الصارمة.
توفير 9 ملاعب جاهزة لاستضافة مباريات دولية رفيعة المستوى هو رسالة واضحة للمجتمع الدولي حول جاهزية المغرب لاحتضان تظاهرات أكبر، وعلى رأسها مونديال 2030. إن جودة العشب، منصات الصحافة، غرف التبديل، وأنظمة الإضاءة المتطورة، ستجعل من تجربة اللاعبين والمشجعين في ملاعب المغرب تجربة استثنائية، ترفع سقف التوقعات لأي دولة ستفكر في استضافة البطولة مستقبلاً.
32 مليون دولار.. الغلاف المالي الأضخم لتطوير الطموح القاري
بفضل الإقبال الجماهيري القياسي، وحقوق البث التي تنافست عليها أكثر من 1000 قناة، يُتوقع أن تحقق كأس أمم إفريقيا 2025 أكبر عائدات مالية في تاريخها. هذه الأرباح لن تذهب فقط لجوائز المنتخبات، بل ستشكل صندوقاً استثمارياً للكاف لتمويل مشاريع كروية في الدول الأقل نموا.
النجاح المالي لهذه النسخة سيكون انتصارا للرؤية المغربية التي راهنت على الجودة، وهو ما أكده الكاتب العام للكاف، فيرون موسينغو أومبا، حين وصف نسخة المغرب بأنها ستكون «الأفضل على الإطلاق». فالمزيج بين سحر الأرض المغربية، وجودة الملاعب، والضخ المالي الضخم، يجعل من «كان 2025» نقطة تحول كبرى، حيث لا تنتهي البطولة عند صافرة النهاية، بل تبدأ كإرث اقتصادي ورياضي للأجيال القادمة.
ولم يعد الجانب المادي في كأس أمم إفريقيا مجرد تفصيل هامشي، بل أصبح المحرك الأساسي للتنافسية. خصصت الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (CAF) لنسخة المغرب غلافا ماليا إجماليا هو الأكبر في تاريخها، حيث سيتم توزيع 32 مليون دولار (حوالي 352 مليون درهم) على المنتخبات المشاركة.
هذا المبلغ الضخم يعكس الطفرة التسويقية التي شهدتها البطولة؛ فالكاف تهدف من خلال هذه التعويضات إلى تمكين الاتحادات الوطنية من تغطية تكاليف التحضيرات العالية وتطوير مراكز التكوين في بلدانها. إن توزيع هذه المبالغ يمنح البطولة صبغة احترافية، حيث تجني المنتخبات ثمار مجهوداتها الرياضية بعائدات مالية تضمن لها الاستدامة والنمو، مما يجعل «الكان» منصة للاستثمار الرياضي الناجح.
11.6 مليون دولار.. جائزة كبرى لمن يعانق المجد في الرباط
في نظام مكافآت تصاعدي ومثير، أصبح بإمكان المنتخب الذي ينجح في تجاوز كافة العقبات والوصول إلى منصة التتويج أن يحصد مبلغاً إجمالياً يصل إلى 11.6 مليون دولار (127.6 مليون درهم). هذا الرقم ليس مجرد جائزة للمركز الأول، بل هو تراكم للمنح المالية عن كل دور يتم تخطيه، من دور المجموعات وصولا إلى النهائي الكبير.
تفصيليا، يحصل البطل على 7 ملايين دولار صافية، بينما ينال الوصيف 4 ملايين دولار. وتتوزع بقية المبالغ على المربع الذهبي (2.5 مليون لكل فريق) وربع النهائي (1.3 مليون). حتى الفرق التي لا يحالفها الحظ وتغادر من الدور الأول، تضمن مبلغاً لا يقل عن 500 ألف دولار. هذا السخاء المالي يرفع من حدة التنافس ويجعل كل مباراة بمثابة نهائي في حد ذاته، نظراً للعوائد المالية الحيوية التي تنتظر الاتحادات الوطنية.
1300 % قفزة تاريخية في قيمة الجوائز خلال عقدين
عندما نقارن لغة الأرقام بين الأمس واليوم، ندرك حجم الثورة المالية التي يقودها المغرب والكاف. في نسخة عام 2000، كانت منحة البطل تلامس عتبة 500 ألف دولار فقط، وهو مبلغ كان يوصف وقتها بالمجزي. ولكن، مع تطور حقوق البث ودخول الرعاة العالميين، ارتفعت القيمة تدريجياً لتصل اليوم في نسخة 2025 إلى 7 ملايين دولار للبطل، بزيادة فلكية تجاوزت 1300%.
هذا النمو يعكس الثقة الدولية في المنتج الكروي الإفريقي. فمنظمة «الكان» اليوم لم تعد تكتفي بكونها البطولة الأقوى في القارة، بل باتت تنافس اقتصادياً بطولات قارية أخرى؛ فهي تتجاوز الآن «الكأس الذهبية» و»كأس آسيا» من حيث الجوائز الممنوحة للفائز، وتقترب بخطى ثابتة من تقليص الفوارق مع «كوبا أمريكا»، مما يضع الكرة الإفريقية في مصاف القوى الاقتصادية الكبرى في عالم الساحرة المستديرة.
1.000.000 تذكرة.. زحف جماهيري يكتسح الملاعب المغربية
قبل انطلاق البطولة بأسابيع، سجلت اللجنة المنظمة رقماً تاريخياً ببيع أزيد من مليون تذكرة. هذا الرقم لا يعكس فقط الشغف المغربي بكرة القدم، بل يؤكد أن المغرب بات وجهة سياحية رياضية عالمية. وللمقارنة، فإن نسخة كوت d’Ivoire 2023، التي وصفت بالناجحة، لم تتجاوز مبيعات تذاكرها في نفس المرحلة حاجز 100 ألف تذكرة.
هذا الإقبال المليوني يضع ضغطا إيجابيا على المنظومة السياحية واللوجستية في المغرب، حيث يُتوقع أن تعج مدن الاستضافة بمشجعين من كل حدب وصوب، مما سينعش الاقتصاد المحلي بشكل غير مسبوق. إن بيع مليون تذكرة هو دليل قاطع على أن الجماهير تثق في جودة التنظيم المغربي وفي قدرة المملكة على توفير تجربة مشاهدة آمنة وممتعة في ملاعب تضاهي أفخم الملاعب الأوروبية.
54 دولة إفريقية.. تغطية شاملة توحد القارة خلف الشاشات
لأول مرة منذ انطلاق البطولة في عام 1957، ستكون مباريات كأس أمم إفريقيا متاحة للمشاهدة في جميع الدول الإفريقية الـ 54 دون استثناء. هذا الإنجاز ليس تقنياً فحسب، بل هو رسالة وحدة سياسية ورياضية. فمن خلال اتفاقيات بث موسعة، سيتمكن المشجع في أقصى أدغال القارة وفي جزرها النائية من متابعة منتخب بلاده بجودة عالية.
هذا الانتشار الواسع يرفع من القيمة التجارية للبطولة؛ فالمستثمرون والرعاة يدركون الآن أن رسائلهم التسويقية ستصل إلى أكثر من مليار نسمة في القارة السمراء. إن التغطية الشاملة لـ 54 دولة تكرس البعد القاري للبطولة وتجعل من نسخة المغرب 2025 الأداة الأكثر فعالية للترويج للكرة الإفريقية كمنتج عالمي موحد.
30 دولة أوروبية.. حينما يسرق «كان المغرب» الأضواء عالميا
لم تعد كأس أمم إفريقيا حبيسة قارتها، بل تغلغلت في عمق الشارع الرياضي الأوروبي، حيث حصلت 30 دولة أوروبية على حقوق البث المباشر للبطولة. هذا الاهتمام الأوروبي نابع من تواجد صفوة نجوم العالم في الملاعب المغربية؛ لاعبون يمثلون أعمدة الأندية الكبرى في إنجلترا، إسبانيا، ألمانيا وفرنسا. إن نقل المباريات في 30 دولة أوروبية يعني أن البطولة ستخضع لتحليل دقيق من قبل كبريات القنوات الرياضية العالمية، مما يرفع من معايير الجودة التنظيمية المطلوبة. المغرب، بصفته الجسر بين إفريقيا وأوروبا، نجح في تسويق هذه النسخة كمنتج «بريميوم» يغري المشاهد الأوروبي، مما يفتح آفاقاً جديدة للاعبين الأفارقة الشباب للبروز تحت أنظار الكشافة والجمهور العالمي.
5500 طلب اعتماد.. جيش إعلامي يوثق الحدث الأكبر
على المستوى الإعلامي، تحولت نسخة 2025 إلى مغناطيس للصحافة الدولية، حيث تلقت اللجنة المنظمة أزيد من 5500 طلب اعتماد صحفي، وهو رقم قياسي مطلق لم يسبق تسجيله في أي تظاهرة رياضية إفريقية من قبل. من بين هؤلاء، تم قبول وتجهيز الظروف لأكثر من 3800 وسيلة إعلامية متنوعة ما بين قنوات تلفزيونية، وكالات أنباء عالمية، وصناع محتوى رقمي.
هذا الحشد الإعلامي الهائل يعني أن كل تفصيل في البطولة سيتم نقله لحظة بلحظة وبكل اللغات. إن وجود 3800 وسيلة إعلامية هو ضمانة لشفافية التنظيم وإبراز للمؤهلات التي يزخر بها المغرب، مما يجعل من البطولة وسيلة «دبلوماسية ناعمة» قوية، تعزز صورة المملكة كبلد حداثي قادر على تدبير الحشود والفعاليات الكبرى بكفاءة واقتدار.


