كارلوس فوينتيس: أنا لا أخشى البياض، ولدي ما يكفي كي أستمر في الحياة

  p ألا يرهبك فراغ الصفحة البيضاء؟

n لا تخوف أدبي لدي، فدائما كنت أعرف ما أريد فعله، أقوم و أفعله، أنهض صباحا وفي السابعة وثمان دقائق ،هأنذا أكتب. تكون لدي رؤوس أقلام ثم أشرع، بين كتبي، زوجتي، وحبي، لدي ما يكفي كي أستمر في الحياة.

p ألا تعتقدون أنه ومع اكتمال السنين،لا يصير الإنسان أكثر حكمة، وإنما أكثر بلادة بالقدر الذي يعتمد فيه على قناعاته القديمة؟

n ذلك متوقف على الشخص.أنا صديق حميم لجون دنيال مدير النوفيل أوبسرفاتور،فهو رجل قد أوشك على الواحد والتسعين وهو أكثر وضوحا منك ومني .نادين غوردمبر بلغ تسعين عاما ونيفا، لويس راينير الممثلة أراها كثيرا بلندن لها قرن وعامان والآن اللعنة عليها.

عشت كثيرا أجواء بوينوس أيريس ، حل بها والدي مستشارا بسفارة المكسيك  عام 1943 .

وبما أن وزير التربية الوطنية كان  يومئذ هو  هوغو واست، كانت التربية التي تعطى في المدرسة فاشية.فقلت لوالدي» أنا أتيت من المدرسة الشعبية في واشنطن، لا أتحمل هذا. « فرد أبي قائلا:» معك الحق كله، أنت في الخامسة عشرة، تعاطى للتجوال.» وهذا ما فعلت، فخلال عام تحولت إلى مغرم بأوركسترا هانبال طروديلو،لاحقته في كل مكان. غذتني مكتبة أتينيو بالأدب الأرجنتيني، وقعت في غرام جارة تكبرني بضعف عمري، كنت في الخامسة عشرة بينما هي كانت في أوج الثلاثين وكلما عدت إلى المكان ذاته، انتابني الإحساس بأني مازلت في الخامسة عشرة حيث كانت هذه الفرنسية اليافعة أمامي .

p وهل كانت تتجاوب معك؟

n بشكل كبير، لأن زوجها كان يمضي النهار كله في إدارة الأفلام بقاعة السينما.

p كيف تجدون المدينة اليوم ؟

n تغيرت قليلا، إنها مدينة تشبه نفسها، كانت تمثل الأوج للزراعة والفلاحة ،انطلاقا من دومنغوف وسارمينتو(1888- 1811) إلى حدود 1944 ،إلا أن الطرق الكبيرة  مازالت هي الطرق ذاتها ، والفنادق الفاخرة هي عينها … مكسيكو مدينة أكثر قدما، مدينة هندية أولا ثم بعد ذلك فهي مدينة كولونيالية عظيمة، بيد أنها كانت مجرد قرية عام 1820 عرفت طفرة كبرى فتحولت إلى بوينوس آيريس  ذات جاذبية كبيرة، وعلى قدر كبير من الحداثة على صعيد أمريكا اللاتينية، فخلال تلك السنوات، احتقر الأرجنتيون كثيرا باقي شعوب أمريكا اللاتينية :فالبرازيليون كانوا بمثابة قردة الماكاكو، أما المكسيكيون فهم عصابات مسلحة، والآن نحن جميعا سواسية.

ساغنني يرقص التانغو (رقصة أرجنتينية /م) بشكل جيد .كان يراقص زوجه…صدرت تصفيقات حارة …وقال لزيديو :»والآن جاء دوركم» فرد الرئيس علي:»كارلوس قم بتمثيلي» رقصت مع زوجتي ، فمثلت المكسيك بفضل رقصة التانغو .

p كيف بكاتب يتلقى ترحاب رئيس دولة يمتثل للإنصات ؟

n يتعين على الكاتب الإنصات، وإلا فإنه  لن يدري كيف يتكلم الناس.هذه الليلة مثلا ، قضيت ساعتين أو ثلاثا  وقعت خلالها  الكتب في المهرجان،ولكن خاصة، كنت أنصت إلى الناس، لأنظر في ما يفكرون ،أكثر من أي شيء آخر، إذ كنت أنا من يبادر لأسألهم .

p ما موضوع كتبك الأخيرة وهل من مشروع تشتغل عليه ؟

n انتهيت من» فديريكو بشرفته» حيث يظهر نيتشه مبعوثا من جديد بشرفته في الخامسة صباحا، فيما شرعت معه في محادثة، والذي سأشرع فيه هو قصة المئة وفيها تنتهي» ثلاثية العصر الرومانسي»، التي تغطي ما نظمه ألفارو أو برغون  صحبة خوسي باسكنتلوسي ،بحيث يغطي عشرة أعوام من الحياة في المكسيك .

لدي فصول كثيرة منه، ملاحظات وشخوص .ثمة امرأة تهمني على نحو خاص،والتي لا تريد قول أي شيء عن ماضيها ، وستمضي مستكشفة،رويدا ،رويدا ،إلى أن تصل إلى البحر فتتحرر.

p يجذبك شيء على نحو خاص في بداية هذا العصر؟

n تبهرني التحولات التي نعيشها اليوم .من كان سيتصور بأن التحولات ستنطلق من شمال إفريقيا،ومن هناك توسعت في اتجاه قطاع أوسع من أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كثير من تلامذتي يقولون لي :» أنا دكتور ولا أجد عملا. « أو يقولون :» أبي ارتقى إلى الطبقة الوسطى فيما أنا تقهقرت إلى الطبقة العاملة .» كذلك هناك تحولات هائلة بأمريكا اللاتينية بالرغم من محافظتها على نوع من الاستقرار .

في ما قبل كانت المشاكل تنطلق من أمريكا اللاتينية ،أما الآن فيبدو أنها ستصل إلى أمريكا اللاتينية.إنه عالم لا ندري كيف نسميه. إذا أحد ما قال لدانتي بماذا كان سيحس وهو في قلب العصور الوسطى؟ كان سيقول» وما هي العصور الوسطى»..لا يمكن تسمية هذه المرحلة، وإنما نحس بأن كل شيء قد تغير، فعصر النهضة كنت أعرف معناه.

أما عصر النهضة فلم أكن أعرف بأنه عصر النهضة.

p كيف تتعاملون مع الإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعية؟

n بقيت في حدود تعاملي مع الفاكس، أكتب يدويا على الصفحة البيضاء بريشة، أصحح بالصفحة المقابلة، فزوجتي من  كانت تخبرني بالمستجدات.

في ما قبل كنت أقول سألجأ إلى الإنسكلوبيديا البريطانية للبحث، و الآن زوجتي تقول لي: عليك فقط أن تضغط على الزر وها كل شيء في متناولك.

p هل تعتقدون بأنه في الأيام الأخيرة قامت ثورة صامتة من طرف النساء؟

n كانت ثورة صاخبة ولم تكن صامتة، بيد أن المشكلة لم تنشأ اليوم. خاصتك (أي الثورة)هي انتصار للإنسانية، وليست فقط خاصة بالنساء .

 

 عن  « EL PAIS» عدد 10 09 2023 *(شاعر ،مترجم وباحث /المغرب) .


الكاتب : حاوره : فرانسيسكوبريخيل ترجمة :محمد العربي هروشي *

  

بتاريخ : 23/12/2023