كتابات في تاريخ منطقة الشمال: «مجلة الذاكرة (4)» تحتفي بالأدب الأمازيغي الريفي

عززت «مجلة الذاكرة» مسارها العلمي التأصيلي المتخصص في تاريخ منطقة الريف المغربية تاريخا وحضارة وفكرا، بإصدار العدد الرابع، عند نهاية سنة 2019، وذلك في ما مجموعه 206 من الصفحات ذات الحجم الكبير. ويمكن القول إن نزول هذا العدد إلى المكتبات، يشكل تحديا استثنائيا، استطاعت من خلاله «مجلة الذاكرة» كسب رهان الاستمرارية والانتظام، داخل وسط موبوء، ظل يفرز كل أنماط الإحباط بالنسبة لسوق تلقي نشر المعرفة والعلم والثقافة والإبداع.

لقد استطاعت «مجلة الذاكرة»، التي تصدر عن «مركز الريف للتراث والدراسات والأبحاث» بالناظور، التحول إلى واحد من أهم المنابر العلمية المتخصصة في تحولات ماضي منطقة الريف، وفي ظلال هذه التحولات على الواقع الثقافي الراهن للمنطقة، بتقاطعات هذا الواقع مع مجمل مكونات نسق الهوية المحلية، ومع مجمل مكونات نظيمة السلوك المادي والتراث الرمزي الغني والخصب للمنطقة. في هذا الإطار، اهتمت المجلة بتخصيص المحور المركزي لعددها الرابع لمقاربة قضايا موضوعاتية داخل ممكنات «الأدب الأمازيغي بالريف المغربي». ولقد سعت الكلمة التقديمية إلى توضيح الأفق العام الموجه لاختيار العمل على الملف المذكور، عندما قالت: «يسعدنا في مجلة «الذاكرة»، أن نجدد التواصل العلمي مع القراء والمهتمين بمنطقة الريف، تاريخا وحضارة وفكرا، بعدد آخر نراهن على أن يكون إضافة نوعية إلى المكتبة الأدبية المغربية، ونطمح إلى أن يسد بعض الخصاص الذي تشهده هذه الأخيرة في موضوع ملف العدد، الذي استقر رأي هيأة تحرير المجلة على اقتراحه للكتابة فيه، وهو «الأدب الأمازيغي بالريف المغربي». فمما لا ريب فيه أن الأدب الأمازيغي بالمغرب يزخر بإبداعات غاية في الأصالة، والصدق، والارتباط بوجدان الشعب، والالتزام بالتعبير عن آلامه وأماله، وتناول موضوعات أخرى من الكثرة بما كان، مثلما يمتاز بعديد من مقومات النضج الفني، سواء في الشعر أو الحكي أو غيرهما من صنوف الإبداع، وإن كان الغالب عليه الطابع الشفهي، مما يدعو الباحثين فيه إلى إيلائه مزيدا من الاهتمام جمعا وتوثيقا ودراسة. كما تتزايد الحاجة اليوم أكثر إلى نشر الأدب الأمازيغي، وإتاحته للقراء، وتعريبه وترجمته إلى ألسن أخرى…» (ص. 5).
يحتوي ملف العدد على خمس مواد متكاملة، اهتم الأستاذ فؤاد أزروال في أولاها بمقاربة قضايا المسرح الأمازيغي الحديث بالريف، واهتمت الأستاذة زاهية أفلاي في دراستها بموضوع شعر الإزري عند المرأة في الريف كتجربة مهملة ومنسية. وفي الدراسة الثالثة، قدم جمال أبرنوص مقاربة تحليلية لقضايا الحداثة في الشعر الأمازيغي الريفي. أما يوسف توفيق، فاهتم برصد ارتدادات توتر الهامش في الإنتاج السردي بمنطقة الريف. واختتم الأستاذ محمد فارسي الملف بموضوع حول جنس الرواية باعتبارها بوابة الأدب الأمازيغي إلى العالمية.
وفي باب «دراسات وأبحاث»، نشرت المجلة قراءة لميمون أزيزا في كتاب «الريف والبحر الأبيض المتوسط 1830-1926»، ثم قراءة في مخطوط «الممهد الكبير في خروم جامع القرويين «ليونس بقيان. وقدم عبد الحكيم خلفي دراسة حول دور صلحاء بني توزين في حركة الجهاد والمقاومة بالريف. وساهم عبد الله أكلا بنبش دقيق استهدف كشف الستار عما تخفيه شخصية عبد المالك الجزائري من أسرار. واختتم محمد بنعلي هذا الباب بالعودة لتفاصيل معركة «عهد أوعري» التي كادت أن تؤدي إلى تحرير مليلية السليبة. وفي باب «نصوص مترجمة»، عاد عبد الله بوغوثة لتقديم تأملات في احتفالات مغاربة القرن 19 وطقوسهم وعوائدهم كما يعرضها كتاب «المغرب والريف سنة 1856». وفي باب «نصوص دفينة»، نشر علي مزيان دراسة وتحقيق لتقييد لابن القاضي الكعداوي تحت عنوان «غزوات أهل قلعية لاقتحام حصون مليلة». وفي باب «معالم وآثار»، قدم محمد إبراهيمي تعريفا بالموقع الأركيولوجي المعروف باسم حاسي ونزكا الموجود بالريف الشرقي. وفي باب «أعلام من الريف»، نشر توفيق الغلبزوري تعريفا بشاعر الريف محمد بن علي الوكيلي. وفي بابي «فسحة» و»متابعات»، نشرت المجلة مجموعة من المتفرقات الإبداعية والإعلامية والتوثيقية الخاصة بالتراث الثقافي لمنطقة الريف المغربية. وبهذه المواد المتنوعة، استطاعت «مجلة الذاكرة» تقديم حصيلة نوعية لتراكم تجربتها الفتية، استنادا إلى زاد أكاديمي قوي ومتنوع، صقله عشق صوفي لمعالم المكان ولفطرة الوجوه ولطراوة الأرض، وهي كلها صفات تضفي على منطقة الريف المغربية عناصر تميزها المخصوصة داخل نظيمة الهوية المغربية المركبة، الواحدة والمتعددة.


الكاتب : أسامة الزكاري

  

بتاريخ : 15/01/2020

أخبار مرتبطة

عندما وصلني كتاب «بيتٌ لغيم النوارس»، وتأملت العنوان، توقعت أن أقرأ مجموعة شعرية، رغم التنويه من خلال عنوان فرعي بأن

يتناول كتاب « الحياة السرية للكون» استكشافا علميا حول كيفية ظهور الحياة على الأرض، وإمكانية وجودها في أماكن أخرى مثل

تعززت المكتبة المغربية بإصدار جديد ومهم تحت عنوان « الريف زمن الحماية الإسبانية»، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه لميمون أزيزا،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *