كتاب أحاديث نوبير الأموي «الزمن الإجتماعي بالمغرب »

مسيرة مناضل نقابي ناضل من أجل وطن الحرية
والكرامة والديمقراطية

 

وجه مستدير، شارب كبير كثيف، جسم ممتلئ، ذلك هو محمد نوبيرالاموي الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل والذي لم يفقد أي شيء من أ صوله الفلاحية.. يحدث له أن يستشهد بماركس، ولكنه لم يتعلم الصراع الطبقي في الكتب، كان معلما في بداية الاستقلال، ثم أصبح مفتشا في التعليم بعد 10 سنوات. لقد ناضل محمد الأموي أولا في صفوف المركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل. بهذه التعريفات من طرف الزملاء الصحفيين الذين حاورا الزعيم النقابي والمناضل السياسي محمد نوبير الأموي على مدار 35 سنة من استجوابات وحوارات وطنية ودولية ما بين 1979 بتحمله مسؤولية الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي انشقت عن الاتحاد المغربي للشغل إلى أخر حوار له سنة 2014 . فهي فيها العديد من شخصيات هذا المناضل على مسار حياته النقابية والسياسية بما فيها الحميمية والأسرية وقد أشرف عن جمع هذه الحوارات بتنسيق الاخوين شعيب حليفي ومحمد عطيف عن منشورات القلم المغربي واخترنا بعض فقرات من هذه الحوارات التي رأت النور في كتاب أحاديث نوبير الأموي الزمن الاجتماعي بالمغرب.
الحوار مع القائد النقابي نوبير الاموي ليس سهلا، إنه مثل صراع طويل وعراك ومشاكسة وامتحان وقفشات وأمثال واستطرادات وحكم يطلقها هذا الرجل المتمرس الخبير بدواليب العمل النقابي، والذي يعرف خصوصية المغرب دربا دربا. والأموي يمنح للصحافي الكثير من العناوين والمانشيتات حتى إن كل جملة ينطقها تصلح أن تكون مانشيتا عريضا، وهو بذلك يمتلك حس المداورة والمناورة، وله فيهما إبداع مشهود من طرف الكبار. لكنه بقدر الدهاء الذي يمتلكه، فإنه في لحظة من اللحظات يمنحك المعلومة الثمينة ليس لكي تحتفظ بها ولكن لتشيعها بين الناس و» كلٌّ عنده بحساب «.
وأول مرة يدخل محمد نوبير الاموي إلى القصر الملكي لتقديم التعازي إلى الملك محمد السادس في وفاة والدة المرحوم الحسن الثاني وقال في حوار مع جريدة « الشرق الاوسط « بتاريخ 30 دجنبر 1999 حيث قال : « قدمنا له التعازي باسم نقابتنا، وباسم جماهير الطبقة العاملة، وباسم شعبنا في وفاة الملك الحسن الثاني، وعبرنا له عن سعادتنا بذلك الاستقبال. ومن جهة أخرى فوجئنا بمودته، فقد كان ودودا ومتزنا وهادئا ومتتبعا لمجريات الأحداث الاجتماعية وللنشاط النقابي، ويحمل تقديرا عاليا لكفاحات العمال، واحتراما أيضا لنضالاتهم ولمشروعية هذا النضال. وبالطبع كنت حريصا على أن أستمع إلى تحليلاته، فقد كانت تلك بالنسبة لي أول مناسبة ألتقيه فيها ويلتقيني، و أتعرف عليه من خلال تفكيره.
خرجت بانطباع كبير، وهو أن هذا الملك هو هدية من السماء إلى المغرب. وما قلته لإخوتي في المكتب السياسي، أنه إذا لم يكن للاتحاد الاشتراكي من فضل أوسجل يفتخر به، هو أنه ساهم في خلق الشروط لمجيء ملك كالملك الحالي الذي هو هبة من السماء لنا جميعا. وهذا انطباعي الأولي ولا أدري ما يخبئه القدر؟
خرجت بالخوف على الملك أن تجرفه أو تفرغ نياته طبيعة الحكم. وفي الحقيقة، فقد قال في حقي وفي نقابتنا كلاما طيبا، والله لم اسمعه شخصيا حتى من أصدقائي الذين استثمروا كفاحاتنا في إطار منظمتنا النقابية. لقد خرجت و أنا مرتاح أن ملك المغرب الجديد وسف يكون أكثر إيجابية نظرا للديناميكية التي أبداها حتى أثناء فترة الحداد، حيث كانت مداومته في العمل، وحضوره المستمر، واهتمامه بالشأن العام حتى في فترة حزنه على فقدان والده . ونظرا أيضا لما تضمنته خطبه من إ شارات قوية فيما يخص الأوضاع الاجتماعية. لقد كان هذا مجرد انطباع في ذلك الوقت، أما الان فقد تأكد انطباعنا عنه، ونحن نأمل منه كل خير ولن نعدم الوسيلة لنتكامل كمواطنين مع ملكنا الشاب.
وفي تقديم لجريدة « المستقلة اللندنية « بتاريخ 5 أكتوبر 1998 كتبت : « يجمع محمد نوبير الأموي في مسؤولياته، بين العمل النقابي بشغله منصب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أهم المركزيات النقابية المغربية، والعمل السياسي بعوضيته في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب المعارضة المغربية العريق، الذي تحول مؤخرا إلى موقع الحزب الحاكم، في إطار ائتلاف «حكومة التناوب» التي تقود مسيرة التحول السياسي في المغرب.
وينتمي الأموي كنقابي إلى ذلك الجيل الصلب من النقابيين المغاربيين، الذين جمعوا بين انتمائهم للحركة الوطنية التي تولت مهام تحرير البلاد من الاستعمار، وإصرارهم بعد الاستقلال على البقاء خارج السلطة والوقوف إلى جانب الطبقات الشعبية الفقيرة. كما يصنف الأموي كسياسي ضمن صفوف اليسار الديمقراطي. وبإمكان المتابع في حالته أن يضيف له صفات أخرى، فهو من جهة أخرى وحدوي عربي وصاحب علاقات إيجابية مع الحركات الإسلامية ومدافع عن حقوق الإنسان والحريات العامة.
لقد تميز خطاب نوبير الأموي كنقابي وسياسي بنبرته النقدية اللاذعة للأ وضاع السائدة في بلاده، وبهجومه المتواصل على الحكومات السابقة، التي طالما حملها مسؤولية الأزمات المتتالية، ومطالبته الدائمة بالتغيير الشامل على كافة الأصعدة. ولأنه كان راديكاليا في خطابه طيلة السنوات الماضية، فإن الأسئلة عن مواقفه من حكومة رفاقه الحالية وأدائها طيلة الأشهر الأخيرة، اكتسبت أهمية مضاعفة، خصوصا مع وجود مؤشرات توحي بحصول تبدل في وجهات نظر الزعيم المغربي حيال الكثير من القضايا.
وفي سؤال للزميلة « ليبراسيون « بتاريخ 5 فبراير 1994واختارت لها عنوان « الرسالة « : من هو محمد نوبير الاموي ؟ يجيب إنسان بسيط يأكل الخبز ويمشي في الاسواق .
منذ ثلاثين سنة خلت، وعندما كانت زوجتي حامل للمرة الأولى كتبت رسالة إلى ولدي الذي لم يولد بعد، قدمت له فيها اعتذاري المسبق إذا أنا لم أستطع ضمه إلى صدري وتقبيله عند ولادته، أو لم أستطع أن أكون حاضرا لأمنحه التربية الضرورية. ومازالت زوجتي تحتفظ بهذه الرسالة. في تلك الفترة كان لدي خيار: إما أن انكب على العمل في حزبي أو أخصص كل جهودي لأسرتي و أتابع دراستي، ولأني اخترت الخيار الأول فقد كان كذلك على حساب بيتي و أسرتي. في الحقيقة، كان عطفي على أسرتي أقل مما ينبغي، ولم أنتبه إلى ذلك إلا عند اعتقالي سنة 1972 ، بعدما حاولت تدارك ما ضاع مني من خلال اهتمامي بأسرتي بشكل أكبر وللإجابة على أسئلتنا، أخذ السيد نوبير الأموي يسرد على مسامعنا سيلا من المعلومات والبراهين كأنه لا يخاطب صحفيا، بل أحد المناضلين المضللين، ثم ينتهي أخيرا إلى جمع أفكاره في جمل مركزة وقصيرة.. ويبدو جليا أن السيد محمد الاموي ليس متعودا على لعبة الاستجوابات، الشيء الذي يضفي على حديثه مزيدا من الصدق والصراحة.
بهذه العبارات التقديم « استقلالية القرار « الاستجواب الذي أجراه بتاريخ 23 يناير 1980 بمجلة « جون أفريك « .
وعن أول لقاء مع إدريس البصري وزير الداخلية انذاك يقول الاموي : « كان في الكوميسرية سانطرال بالرباط. كان ذلك في أكتوبر 1963 إبان حرب الحدود بين الجزائر والمغرب. كنت آنذاك معلما، أناضل في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكنت من المعروفين بقربهم من المهدي بنبركة. خلال ساعتين، استنطقني ذلك الرجل الأمني الذي تعلو محياه ابتسامة مهذبة، لم أخفه معارضتي للحرب، ولكنه كان مشغولا بشخصية المهدي بنبركة، وكان يريد أن يعرف ماهو ر أيي في أسلوبه. ومن جهته عبر لي أنه يعتبر المهدي رجلا ميكيافيليا، فضلا عن هذا، فإن ضعف جانب اللغة الفرنسية عندي آنذاك قد استرعى انتباهه، ولا زلت أتذكر خلاصاته القائلة بأنه « يمكن أن تفعل أي شيء في هذا الوطن بشرط أن لا تمس الله ، الملك والوطن، و أيضا خاطبني قائلا : إنك تتكلم كثيران كن حذرا.
طبعا، خلال هذا الاستنطاق لم يفصح عن هويته، ولكن فيما بعد علمت بأنه ضابط في المخابرات العامة يدعي إدريس البصري.
أثناء اعتقالي في دسمبر 1972 غداة إضراب عام، تم استنطاقي وتعذيبي طويلا قبل أن أوضع في الاعتقال السري لمدة 16 شهرا وبدون شك أنه كان ضمن المشاركين في الاستنطاق.
إدريس البصري ليس رجل الحوار، بل أنه مسؤول يهوى تجميع المعلومات، وقد التقينا حول كأس ولكن خلال مائدة المفاوضات، كان ذلك في ربيع 1979 في قاعة بالوزارة الأولى.
وجاء في تقديم الكتاب، خمسة وثلاثون حوارا مع نوبير الأموي الكاتب العام السابق للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أجرتها جرائد وطنية وعربية و أوربية، على مدى خمس وثلاثين سنة 2014 – 1979). ) وهي حوارات اتسمت – وباعتراف العديد من الصحافيات والصحافيين الذين حاوروه – بالصراحة، وبخلوها من أية لغة خشبية، مما يسمح بالقول بأن التضليل ليس من مزاياه، وهو ما كان يضفي على حواراته مزيدا من الصدق والصراحة والإ ضاءات المدهشة. كما أنها تعكس نصا واحدا من زمن ما زلنا نحيا فصوله وتفاصيله، ذلك أن قارئ هذا الخطاب، سيعيش تاريخ المغرب الاجتماعي والسيا سي بصيغة واقعية وصادقة، وبوضوح فكري. فالأموي في كل حوار ينطلق من واقع ملموس، وأحداث جارية، ومرجعية تحكمها الممارسة الفعلية والمعرفة العميقة التي تتطور يوميا. ولا تكتفي هذه الحوارات بتقديم خطاب حول ما جرى، وخفايا الكثير من الوقائع والأحداث التي طبعت الزمن المغربي خلال الأربعة عقود التي خلت، وإنما يتجاوز الوصف ويقدم تحليلا متماسكا للمجتمع المغربي، يتخلله استشراف للآتي، ونقد للسيا سات والأفعال والسلوكات، خصوصا في ما يتعلق ب أهم القضايا التي كانت مدار الصراع والنقاش: المسألة الاجتماعية بشكل عام في علاقتها بالتدبير السياسي، وقد تجلى ذلك في أشكال الاحتجاج وتوقيتها والمطالب التي رافقتها، سواء ما ارتبط بالانتخابات، وقانون المالية، والقطاع العام والخاص، والحوار
الاجتماعي، والاختيارات الاقتصادية، والفوارق الطبقية، ومشاكل الشغل والقمع والطرد والغلاء، وغيرها من التفاصيل التي يمكن اختصارها في غياب الديمقراطية، الأمر الذي أفرز صراعا له قواعده في ساحات المواجهة بحكم تنوع النضالات، سواء في ميادين الإنتاج، أو على مستوى الساحة الوطنية، أو في المؤسسة التشريعية.
إنه تاريخ المغرب الاجتماعي، والذي يجد صداه في باقي الأدبيات النقابية التي تم إنتاجها خلال هذه المراحل، في المؤتمرات، أو مناسبات فاتح ماي، أو التجمعات الخطابية، أو البيانات والبلاغات والنداءات والتصريحات..كما يجد القارئ مجمل عناصر تشكل أهم المبادرات والانتصارات التي حققتها الطبقة العاملة المغربية منذ تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بترسيخ أهمية الحوار الاجتماعي، وصولا إلى التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 وما تلاه من اتفاقيات تتضمن مجمل القضايا الاجتماعية للطبقة العاملة المغربية وسبل معالجتها. إن هذه المكتسبات التي لم تكن لتتحقق لولا تضحيات الطبقة العاملة المغربية وصمودها الملحمي، في لحظات صعبة وا ستثنائية. مثلما حرصت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، منذ البداية، إلى التأكيد على الوحدة التنظيمية للشغيلة، والتي لا يمكن أن تقوم إلا على أساس وحدة الهوية الايديولوجية، لأن الغاية هي تنظيم طبقي يرتبط عضويا بحركة التحرر الوطني.
إن نوبير الأموي في هذه الحوارات، يروي ويحلل ويتأمل تواريخ متشابكة، بين تاريخ الصراع الاجتماعي الملتحم مع الصراع السيا سي من جهة، وبين تاريخ تشكل معرفة ووعي وخطاب له آلياته التي تستند إلى واقع وتجربة تلتقي فيها سيرة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بسيرة الأموي بسير كل رفاقه في التسيير والساحات والمعامل.
إنه مناضل استثنائي، لأنه إلى جانب كونه مناضلا صلبا خبرته مسيرة طويلة من المعارك النضالية ومن الكفاح والصمود، ومن المحن أيضا، فإنه يبقى إنسانا بسيطا، يتوفر على حس إنساني عميق، إلى جانب كونه مثقفا ملما بالتاريخ، وعاشقا للشعر والموسيقى والأدب، حيث تزخر كلماته وخطبه وحواراته بالأحداث التاريخية وبالأبيات الشعرية، يدعم بها أفكاره ورؤاه لما يجب أن يكون عليه وطننا، والذي لا يخفي عشقه له، كما عشقه لشعبنا الذي ينا ضل من أجل وطن الحرية والكرامة والديمقراطية .
يقول الأموي : « أعتقد أن المسألة الديمقراطية تبقى أهم التحديات التي سيترتب عنها مصير بلادنا . وإذا فرضت نفسها اليوم، فلأن المشاكل التي تواجه بلدنا وتهدده تهديدا حقيقيا، لا مجال للإفلات منها إلا بتصحيح الوضع اللاديمقراطي ووضع حد للتجارب المغشوشة التي عرفها منذ الستينات إلى اليوم.
إن المسألة الديمقراطية لا تحتمل العديد من التأويلات، فليست هناك ديمقراطية بالتقسيط».


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 17/07/2021