قدم الفنان المغربي زكرياء الغفولي عملا غنائيا جديدا يعيد من خلاله إحياء قصيدة “شويخ من أرض مكناس” التي كتبها المتصوف الأندلسي أبو الحسن الششتري قبل أكثر من سبعة قرون، في معالجة فنية تمزج بين الهوية المغربية وأسلوب الجلسة الخليجية.
وجاء هذا العمل ليشكل جسرا طربيا بين المشرق والمغرب، ويعيد القصيدة إلى فضائها الروحي الأول مع تقديم رؤية موسيقية معاصرة تحترم الأصالة وتحتفي بالتجديد.
ووفق معطيات توصلت بها الجريدة، فإن الغفولي اعتمد في هذا الإصدار على قراءة فنية دقيقة للإيقاعات وضوابط المقام الخليجي، مع الحفاظ على الطابع المغربي في الأداء والإحساس.
وقد صور العمل داخل أجواء جلسة خليجية كلاسيكية، في خطوة تروم التقريب بين الأذواق العربية وتقديم نموذج فني يؤكد وحدة الحس الطربي رغم اختلاف البيئات الموسيقية.
وقال الغفولي في تصريح له إن اختياره إعادة تقديم القصيدة ،يشكل رسالة فنية واعية مفادها أن الطرب الأصيل قادر على العبور بين الثقافات العربية حين يقدّم باحترام لروح المقام وبصدق في الأداء. وأضاف أن العمل يمثل تحية مغربية للجمهور الخليجي الذي ظل لعقود أحد روافد صون الذاكرة الطربية العربية.
ويأتي إصدار “شويخ من أرض مكناس” ضمن ألبوم جديد يطرحه الغفولي بشكل تدريجي، يهدف من خلاله إلى منح كل عمل مساحته الخاصة أمام الجمهور في المغرب وباقي الدول العربية.
ظهور النسخة الجديدة ،يأتي بعد الاهتمام الواسع بالقصيدة، خاصة بعد تداولها عربيا من خلال أصوات عدد من الفنانين من بينهم عبد المجيد عبد الله ومحمد عساف وبلقيس فتحي وميريام فارس وأسماء لمنور ودنيا بطمة وغيرهم إضافة إلى بروزها في برامج المواهب العربية.
وتعد “شويخ من أرض مكناس” من أجمل النصوص الصوفية الزجلية التي ارتبطت بتاريخ الروح المغربية والأندلسية، وقد نظمها أبو الحسن الششتري في المغرب قبل أكثر من سبعمائة وسبعة وثلاثين سنة. ويذكر الباحثون أن الششتري كان أول من وظف الزجل في التعبير الصوفي، وأن هذه القصيدة ولدت عندما طلب منه ابن سبعين أن يتجرد من مظاهر الثراء، ويلبس ثياب الصوفية ويحمل الدف ويدخل الأسواق منشدا قصائده ليختبر صفاء القلب وخفة الروح.
وقد تغنى بالقصيدة عبر العقود عدد كبير من الفنانين العرب، غير أن اللحن الأكثر انتشارا كان من توقيع الموسيقار البحريني خالد الشيخ الذي قدّمه في الثمانينات بصوت أحمد الجميري على مقام الراست، قبل أن تتحول الأغنية لاحقا إلى معلم طربي صوفي يتنقل بين الأجيال والثقافات.
وتكشف هذه القصيدة عن عمق التجربة الصوفية لأبي الحسن الششتري، المولود في ششتر قرب غرناطة سنة ستمائة وعشر هجرية، والذي جال بين الأندلس والمغرب والمشرق، واشتهر بقدرته على النظم بالقصيد والموشح والزجل. وقد كان الششتري صوتا روحيا متفردا، يجمع بين المعرفة الدينية والفلسفة وعمق التجربة الوجدانية، وما تزال قصائده شاهدة على أثره في تاريخ الزجل الصوفي العربي.
القصيدة التي تعود إلى العصر الأندلسي، يقول فيها أبو الحسن الششتري:
شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس
وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
أش عليّا يا صاحب
مِن جمِيع الخَلايقْ
إِفْعَل الخيرَ تنْجُو
واتبعْ أهلَ الحقائق
لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ
إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق
خُذ كلاَمِي في قُرْطاس
واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
ثم قول مبين
ولا يحتاج عبارة
أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ
إِفْهَمُوا ذِي الإشاره
وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي
والعصا والغَزَارَه
هكذا عِشْتُ في فاسْ
وكَذاكْ هُونْ هُونِي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
وما أحْسَنْ كَلامُوا
إِذْ يَخْطُر في الأسْواق
وتَرَى أهْلَ الحوانتْ
تلْتفِتْ لو بالأعناقْ
بغرارة في عنقوا
وعكيكز وأقراق
شُوَيْخْ مَبْنِي عَلى أساس
كما أنْشَا اللهُ مَبْنِي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
لَوْ تَرَى ذا الشويَّخ
مَا أرَقُّوا بمعنى
إِلتفتْ لِي وقالْ لِي
أش نراكْ تَتْبَعْنا
أنَا نَنْصِبْ لِي زَنْبِيل
يَرْحَمُوا من رَحِمْنا
وأقامُوا بَيْن أجناسْ
ويقُول دَعْنِي دَعْنِي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
مَنْ عَمِلْ يا بْنِي طَيِّبْ
ما يُصِيب إِلاَّ طَيِّب
لِعُيوبُوا سَينْظُر
وفِعالُوا يُعَيِّب
والْمُقارِبْ بِحالِي
يَبْقَى بَرَّا مُسَيِّب
مَنْ مَعُو طِيبَةَ أنفاس
يدْرِي عُذْرَ المغنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
وكَذاكْ إِشْتِغالُو
بالصَّلاهْ على مُحَمَّد
والرِّضَا عَنْ وَزِيرو
أبي بَكْرِ الْمُمَجَّدْ
وعُمَر قائِلَ الحقِّ
وشَهِيد كُلِّ مَشْهَد
وعَلِي مُفْتِي الأرْجاس
إِذا يَضْرِبْ مايْثِني
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
يا إِلهِي رَجَوْتُك
جُدْ عَلَيَّا بِتَوْبَه
بالنَّبي قَد سألتُكْ
والكرامِ الأحِبه
الرِّجِيم قد شَغَلْني
وأنا مَعُو في نُشْبَه
قد مَلاَ قلْبي وَسْوَاس
مِمَّا هُ يَبْغِي مِنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
تَمَّ وَصْفُ الشُّوَيِّخْ
في مَعانِي نِظامي
وإِنِّي خَوَّاص ونُقْرِي
لأهْلِ فَنِّي سَلامِي
وإِذا جَوَّزُونِي
نقُل أوَّلْ كَلامِي
شُوَيْخْ من أرضِ مِكْناس
وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي.

