كتب لها وقع : «موعد مع الفضائح» لماري ترامب (2/2)

تكشف مذكرات ماري ترامب، ابنة الشقيق الأكبر للرئيس الأمريكي، التي تقع في 240 صفحة، عن معلومات ووقائع خطيرة ومشينة في مسيرة ترامب الحافلة بـ»الانتهازية والنذالة»، وفق تعبير المؤلفة، ومن ذلك أن الكاتبة أمدت صحيفة «نيويورك تايمز» بوثائق أكدت تورط الرئيس الحالي في تزييف برامج وأرقام للاحتيال على الضرائب، وحصوله على حوالى 400 مليون دولار بأوراق مصطنعة من إمبراطورية العقارات التي تركها والده فريِد ترامب الكبير للأسرة، فضلاً عن علاقات الرئيس المشبوهة مع روي كوهين، المحامي الراحل سيء الصيت، الذي كان يدافع عن عصابات المافيا الأميركية، وصاحب لقب «محامي الشيطان».

 

وتحكي ماري ذات الـ 55 عاماً، أن والدها الذي توفي شاباً أخبرها بأشياء عائلية «يندى لها الجبين»، ستكشف النقاب عنها لأول مرة في كتابها، ومنها أن عمها الرئيس عزل والده فريِد ترامب من شركته، وكان يسخر منه في «جلسات الشراب»، بعد أن بدأ الأب يعاني بسبب مرض التراجع التدريجي للذاكرة بفعل التقدم في السن، «ألزهايمر»، فكان ترامب يصف والده بـ »العجوز الخَرِف».
وسبق لـ ترامب أنه قال عن والده وشقيقه: «أعتقد أنه (الأب) شعر أن الثروة إذا ذهبت إلى فريِد فسوف تضيع هباء»، مضيفاً أن والده «أحس بأن أمي هي سبب بعض الصعوبات التي واجهها أخي، الذي كان يعيش حياة صعبة بسبب الإدمان على الكحول، وهذا السبب الذي جعلني أعزف نهائياً عن الشراب، وأعتبره شيئاً سيئاً».
كما تتطرق المذكرات إلى العلاقة المعقدة الفاترة، التي جمعت بين الرئيس ووالدته ماري ماكلويد ترامب، المهاجرة الأسكتلندية الفقيرة، مشيرة إلى أنها ظلت متزوجة من جدها فريِد ترامب لما يزيد عن 50 سنة، وأنها قبلت به زوجاً رغم أنه كان في ذلك الوقت عامل بناء فقيراً، لا يملك سوى طموحه وخططه المبهرة لمستقبل الأسرة، وكيف عاشت الجدة معه هو وأطفالهما الخمسة من دون أن تكل أو تمل، وتطوعت للعمل في أحد المستشفيات العامة، وظلت تمارس أنشطتها في المدارس والجمعيات الخيرية والنوادي الاجتماعية حتى وفاتها.
ووفق الكاتبة، لم يكن ترامب يُكن تقديراً شخصياً كبيراً لأمه، لأنها كانت امرأة بسيطة بلا أي طموح شخصي، لذلك لم يضع الرئيس صورتها أبداً في المكتب البيضاوي، فيما كان حريصاً على وضع صورة والده في صدارة مكتبه، ربما لأنه كان يشعر ببعض الحرج من بساطتها الشديدة وأصولها الاجتماعية المتدنية!
عمي «العنصري البغيض»
من جهة ثانية، تقدم الكاتبة تفسيراً منطقياً لعنصرية ترامب، التي تتبدى للعيان منذ مقتل جورج فلويد الأميركي من أصل إفريقي على أيدي الشرطة في 25 ماي الماضي، مؤكدة أن عمها كان منذ شبابه المبكر شخصاً «عنصرياً بغيضا»ً تجاه السود والملوّنين بشكل خاص، بل إنه كان يزدري بعض البيض أنفسهم من الإيطاليين والأيرلنديين، ويعتبرهم أقل شأناً منه لأنهم كاثوليك، بينما هو بروتستانتي، وهو أمر لا يد لهم فيه.
وإلى ذلك السياق العنصري، تضيف الكاتبة أن ترامب استغل العمال البولونيين المهاجرين للعمل لديه في أعمال البناء والتشييد، حينما بدأ نشاطه العقاري عام 1974، مقابل أجور بخسة. وعندما تجرأ هؤلاء العمال يوماً على المطالبة برفع أجورهم، هددهم بأنه سيستغل نفوذه لترحيلهم خارج البلاد، لأنهم مجرد حثالة» أوروبيين» يريدون نهب أميركا.
وتقول المؤلفة إن والدها، الذي كان يعاني إدمان الكحوليات، دائماً ما وصف عمها دونالد بأنه شخص قاسٍ، غليظ القلب، لديه ميول سادية مسيطرة، موضحة كيف مارس على والد ماري ضغوطاً شديدة للانضمام إلى شركة عقارات العائلة، بينما كان أبوها يسعى لتحقيق أحلامه في أن يصبح طياراً، الأمر الذي أودي بـ»فريِد جونيور» – أي فريِد الصغير- إلى الاكتئاب، ومعاقرة الخمر طوال حياته، فلم ينجُ منها، وأصابته جرّاء ذلك أمراض خطيرة توفي على إثرها، قهراً وكمداً، عن عمر ناهز 42 عاماً.
وتلفت ماري إلى أن أباها كان يصف عمها بــ «الإبن الضال»، نظراً لعلاقاته التي لطخت سمعة العائلة، وخصوصاً صلته مع «كوهين»، والمافيا، فضلاً عن انتهاجه أحط الأساليب للوصول إلى أهدافه في نهاية المطاف، مؤكدة أنه يخدع ناخبيه بكلامه المعسول، وأن جزءاً مهماً من نجاحه في هذا الصدد يرجع إلى أسطورة «الرجل القوي» التي رسمها لنفسه، بينما هو – في قرارة نفسه- يعرف ضعفه وتهافته أكثر من أي شخص آخر.
وتثبت ماري، عبر صفحات كتابها تمتعها بذكاء حاد وروح دعابة غير متوقعة، مع أنها تروي أحداثاً عائلية قاتمة أحياناً، وتحكي تفاصيل دقيقة كل شيء من مكانة عمها دونالد في دائرة الضوء الأسرية، وميل زوجته ميلانيا إلى الإصابة بأمراض جدتها المتكررة!
وتعترف الكاتبة، بأريحية شديدة، أن عائلتها واحدة من «أقوى وأكثر العائلات اختلالاً في العالم»، والدليل على ذلك – حسب قولها – أن هذه العائلة أنجبت ذلك الشخص «المضطرب» الذي يجلس على قمة العالم، والذي لو أُعيد انتخابه مرة أخرى فسوف يتسبب في جعل عالمنا أكثر عدوانية ومرارة وعنصرية، بل سيجعله عالماً «لا أخلاق له».
ومن المقرر أن يصدر الكتاب قبل أسابيع قليلة من مؤتمر الحزب «الجمهوري» المقرر في غشت المقبل، ضمن سعي ترامب للحصول على ترشيح الحزب لإعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة. وهو توقيت يبدو أن ماري خططت له مسبقاً، للكشف عن عدم أهلية عمها لقيادة البلاد لمدة أربع سنوات أخرى، قد تكون «أعواماً سوداء» على الولايات المتحدة، وعلى العالم برمته.
في المقابل، قال سام نانبرغ، المستشار السابق للرئيس، إن «مذكرات ماري ستقلق دونالد ترامب أكثر من أي كتاب آخر صدر عنه، لأن الأمر هنا يتعلق بالعائلة، وبأسرار لا يصح كشف النقاب عنها بأي حال من الأحوال. إن هذا انتقام عائلي مروع، وخيانة لا تُغتفر».
وذكر موقع «ديلي بيست» الأميركي، أن ترامب يبحث حالياً اتخاذ الإجراءات القانونية لمقاضاة ابنة أخيه، ومنعها من نشر الكتاب، وسط تقارير تفيد بتوقيعها اتفاقا مكتوباً عام 2001، قضى بعدم إفشاء «أسرار العائلة». غير أن بعض المعلقين يتوقعون أن تنشر ماري كتابها برغم هذا الاتفاق، الذي يمكن اعتباره «اتفاقاً عائلياً» لا يعتد به قانوناً. ولا يزال الجميع في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، وهل ستصدر المذكرات في هذا التوقيت لتسهم في الإطاحة بترامب من البيت الأبيض، أم سينجح الرئيس في إسكات صوت جديد لمعارضيه، وأي صوت؟، إنه شاهد من أهلها.


بتاريخ : 27/06/2020