كل ما تريدون معرفته عن اللقاحات ضد كوفيد 19: خصائصها، مأمونيتها، مدة مناعتها واستثناء الأطفال واليافعين منها

الاتحاد الاشتراكي تحاور البروفيسور محمد بوسكراوي عميد كلية الطب والصيدلة بمراكش ورئيس الجمعية المغربية للأمراض التعفنية لدى الأطفال والتطعيم

 

تستعد بلادنا في الأيام القليلة المقبلة لإطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كوفيد 19، التي ستعمل خلالها على تلقيح 25 مليون مواطن بجرعتين من اللقاح، خلال فترة زمنية متفاوتة، جرعة أولى ثم ثانية في اليوم 21 وانتظار أربعة أسابيع أخرى، في أفق أن تشمل العملية 80 في المئة من الساكنة، مما سيمكّن من الحصول على مناعة جماعية تضمن عودة الحياة إلى طبيعتها واستعادة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية لعافيتها.
حملة تطرح العديد من الأسئلة عن الفرق بين هذا اللقاح وذاك، ومدى نجاعة ومأمونية اللقاحات التي يتم الحديث عنها، والخوف من المضاعفات، خاصة وأن الفترة التي تم فيها إعدادها هي أقلّ بكثير زمنيا مقارنة بلقاحات أخرى قطعت أشواطا امتدت لسنوات قبل أن تخرج إلى حيّز الوجود، فضلا عن علامات استفهام أخرى، نقلتها «الاتحاد الاشتراكي» وطرحتها على البروفيسور محمد بوسكراوي عميد كلية الطب والصيدلة بمراكش ورئيس الجمعية المغربية للأمراض التعفنية لدى الأطفال والتطعيم، الذي أجرت معه الحوار التالي الذي جاء غنيا بالأجوبة التي يمكن أن تبدد الغموض عند العديد من القراء.

 

 

– شرعت العديد من الدول في تلقيح مواطنيها ضد فيروس كوفيد 19 ونحن في المغرب نستعد أيضا لذلك، فأين تكمن أهمية هذه الخطوة في مواجهة الجائحة الوبائية؟
– بالفعل، تستعد دولتنا لإطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد كوفيد 19 على غرار ما أقدمت عليه مجموعة من الدول، وقد اتخذت المصالح المختصة كل التدابير الضرورية لذلك، سواء على المستوى البشري أو اللوجستيكي، كما جرى تنظيم عمليات محاكاة خلال الأيام الفارطة للوقوف على مدى الجاهزية والاستعداد للعملية ككل حين التوصل باللقاحات المطلوبة والشروع في تلقيح الفئات المستهدفة.
إن التلقيح ضد كوفيد 19 باللقاحات التي سترخّص بها بلادنا بناء على الدراسات التي قامت بها السلطات الصحية المختصة، ستساعدنا على حماية أنفسنا والآخرين من المرض وستمكّن من إنقاذ الأرواح، لأن اللقاحات التي تم تصنيعها بعد قطعها لأشواط في مجال البحث والتجارب تعمل على منع تطور المرض وتقلل من شدته، كما ستوفر المناعة المطلوبة حيث سيكون الجسم جاهزا لمحاربة الفيروس إذا تعرض للإصابة به، وهو ما سيسمح بتقليل انتشار المرض إذا ما كنا أمام نسبة كبيرة من المواطنين الذين لقّحوا أنفسهم وسيتيح تحصين مجتمعنا من العدوى.

– لكن هناك ملاحظات وعلامات استفهام تهمّ المدة القصيرة التي تم فيها إعداد هذه اللقاحات مقارنة بلقاحات أمراض أخرى، مما يطرح تخوفات عند البعض، فكيف تفسّرون ذلك؟
– لقد كانت الاستجابة والتفاعل مع هذا الوباء أسرع بكثير مما يكون عليه الأمر مع النمط التقليدي، وساهمت في ذلك العديد من العوامل كما هو الحال بالنسبة للتطوير المسبق للقاحات مضادة لفيروسات من نفس العائلة قريبة جدا من سارس كوف 2 مثل فيروسي سارس كوف وميرس كوف، وهو ما فسح المجال لاستخدام جميع بيانات تصميم وإنتاج اللقاح الخاصة بهما للتكيف مع سارس كوف 2، وهذا ما يفسر سبب إجراء الدراسة السريرية الأولى في مارس 2020. كما أن التقدم السريري كان متكيفا وأسرع بكثير مع تقدم تجارب المرحلتين الأولى والثانية إلى المرحلة الثالثة عبر التقارير المؤقتة. وينضاف عامل ثالث كذلك وهو المتمثل في المخاطرات المالية التي اتخذت من قبل الشركات للتحرك بشكل أسرع دون ضمان الربحية في كل خطوة، فضلا عن قيام السلطات الصحية بتقييم ملفات اللقاحات المرشحة بشكل عاجل ومستمر حتى قبل استكمال الملف النهائي. هذه العوامل الأربعة جعلت من الممكن تسريع عملية التطوير والإنتاج بأكملها مع الاحتفاظ بجميع التقييمات المعتادة عن سلامتها.

– ماهي أنواع اللقاحات المتوفرة حاليا وخاصياتها؟
– لقد طوّر العلماء في جميع أنحاء العالم العديد من اللقاحات ضد كوفيد 19، حيث تم تصميمها لتدريب جهاز المناعة على التعرف على الفيروس المسبب لكوفيد 19 وصدّه بأمان، وهناك اليوم عدة أنواع من اللقاحات كما هو الشأن بالنسبة لـ:
اللقاحات المعطلة أو الحية الموهنة، التي تحتوي على شكل معطل أو مضعف من الفيروس لا يمكنه أن يسبب المرض ولكنه لا يزال يثير استجابة مناعية.
اللقاحات القائمة على البروتين، التي تحتوي على شظايا غير ضارة من البروتينات أو أغشية بروتينية تحاكي الفيروس للحصول على استجابة مناعية آمنة.
لقاحات النواقل الفيروسية، التي تحتوي على فيروس معدل وراثيا حتى لا يسبب المرض ولكنه ينتج بروتينات الفيروسات التاجية لإحداث استجابة مناعية آمنة.
ثم لقاحات الحمض النووي ARN و ADN، التي تم تطويرها بناء على طريقة متقدمة تستخدم الحمض النووي المعدل لإنتاج البروتين الفيروسي داخل الخلايا البشرية لتحفيز استجابة مناعية آمنة.

– هل يتميز أحد اللقاحات عن الباقي، وما هو النوع الذي اختارته بلادنا؟
– من المحتمل أن تكون هناك اختلافات طفيفة بينهما، مثل الوقت بين الجرعات ومدة وحرارة الحفظ ومتى يجب توزيعها، وقد اختارت سلطات بلادنا لقاحا معطّلا، هذه التقنية التقليدية تم اعتمادها سابقا وتتوفر في اللقاح ضد شلل الأطفال والتهاب الكبد والأنفلونزا. ويتطلب هذا اللقاح مادة مساعدة لزيادة تحفيز الاستجابة المناعية، أخذا بعين الاعتبار أن المغرب شارك في التجارب السريرية لهذا اللقاح.

– من الأسئلة المقلقة بل والمؤرّقة التي يطرحها الكثير من المواطنين سؤال حول المدة الزمنية التي سيوفر اللقاح خلالها المناعة للجسم لحمايته ضد الفيروس، فما هو جوابكم عن هذا السؤال؟
– إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت اللقاحات ضد فيروس كوفيد 19 ستوفر حماية طويلة الأجل، لأن هناك حاجة ماسّة إلى مزيد من البحث حتى تتسنى الإجابة عن هذا السؤال. ومع ذلك، فمن المشجع بناء على البيانات المتاحة معرفة أن معظم الأشخاص الذين يتعافون من الفيروس يطورون مناعة توفر على الأقل الحماية ضد الإصابة به مرة أخرى، على الرغم من أننا لا نعرف حتى الآن قوة هذه الحماية ومدة بقائها.
إنه من المحتمل أن تكون فعالية اللقاحات عالية جدا لسنوات، أو أن تقل بعد 3 أو 4 أشهر ثم تستقر، أو تستمر في التناقص، وبالتالي لا يمكننا بعد استبعاد ضرورة التلقيح الدوري أو ما يعرف بالسنوي للأشخاص المعرضين للخطر، كما هو الحال مع الأنفلونزا الموسمية.
نحن أمام جائحة كنا نتعرف خلالها على متغيرات ومستجدات تتعلق بالفيروس يوما عن يوم، ولا نستطيع الجزم الآن بخصوص المدة التي ستستمر خلالها المناعة ضده بعد التلقيح، أي أنه من الصعب حاليا تحديد مدة بقاء «الذاكرة المناعية»، لأن التجارب السريرية لم يتم إعدادها للإجابة عن هذا السؤال، لكن سيصبح هذا الأمر أكثر وضوحا بمرور الوقت. إن البيانات المتعلقة بالمناعة ضد فيروسات كورونا الأخرى تشير إلى أن المناعة ضد فيروس سارس كوف 2 قد تكون قصيرة العمر، ربما من 12 إلى 18 شهرا، وعليه ستكون مراقبة المناعة في الأشهر والسنوات القادمة ضرورية لأنه لا توجد طريقة سريعة لتحديد المدة التي ستستمر فيها المناعة ضد الفيروس وسيحتاج الباحثون إلى مراقبة ذلك في الأشهر والسنوات القادمة.

– كيف ستتم مراقبة سلامة اللقاح وهل هناك أية آثار جانبية تنتج عن التلقيح به؟
– ستتم مراقبة عملية التلقيح بشكل مستمر من قبل مركز اليقظة الدوائية ومحاربة التسممات وقد تم تشكيل لجان مختصة لهذه الغاية، وعلى غرار أي علاج طبي أو لقاح، فإن الآثار الجانبية ممكنة بالطبع، وتكون موضعية عبارة عن ألم وتورم أو تهيّج في موقع الحقن، وتعتبر ردود الفعل هذه طبيعية تماما وهي جزء من الاستجابة المناعية للقاح، كما أنه من الممكن أيضا حدوث آثار جانبية مثل الحمى والرعشة والتعب والصداع.
وتختلف ردود الفعل المختلفة الناجمة عن عملية التلقيح من شخص لآخر إلا أنه لا داعي للقلق منها، علما بأن الآثار الجانبية الأكثر خطورة تعدّ بشكل عام نادرة للغاية، ويجب التأكد من أنه حين يتم الترخيص لأي لقاح من اللقاحات، فهو يخضع كما أشرت للمراقبة المستمرة بعد ذلك، والتي تكون أكثر صرامة بكثير من تلك التي تخص اللقاحات الأخرى التي تم تسويقها مسبقا.

– هل يمكن تلقيح النساء الحوامل والمرضعات؟
– تتوفر القليل من المعطيات في الوقت الحالي حول فعالية أو سلامة اللقاح لدى النساء الحوامل، حيث تم استبعادهن من التجارب السريرية التي تم القيام بها، لهذا وكإجراء احترازي من الأفضل عدم تلقيح النساء الحوامل ضد فيروس كوفيد 19، ونفس الأمر يسري على المرضعات لأنه تم استبعادهن من التجارب هن أيضا، بالنظر إلى أن إفراز اللقاح في حليب الثدي والمخاطر المرتبطة به على الرضيع غير معروفة بعد.
بشكل عام، هل هناك أية موانع تحول دون الخضوع للتلقيح ضد كوفيد 19؟
إن موانع التطعيم ضد فيروس كوفيد 19 المتفق حولها تتمثل في الحمل بسبب نقص البيانات في الوقت الحالي، والإصابة بالفيروس في مدة تقلّ عن 3 أشهر، وكذا في حالة وجود رد فعل تحسسي خطير للقاح سابق يحتوي على مكوّن موجود في اللقاح الجديد بحيث لا ينبغي إعطاء جرعة ثانية لأي شخص عانى من الحساسية المفرطة بعد أخذ الجرعة الأولى من هذا اللقاح، كما يستحسن في حالة الإصابة بمرض حاد تأجيل التلقيح إلى أن يتم حله.

– تم تحديد الفئات التي يوصى بتلقيحها لكن تم تغييب الأطفال واليافعين، فبناء على ماذا تم هذا الاستثناء؟
– إن الأطفال والمراهقين ليسوا من بين الأشخاص الذين لهم الأولوية في التلقيح، بالرغم من أنهم وخلافا للبالغين لديهم الكثير من الاتصالات الاجتماعية في المؤسسات التعليمية والشارع وغيره، وهنا يجب التوضيح على أن الأطفال هم أقل تأثرا بكوفيد 19، لكن ومع ذلك فهم يمكنهم أن يصابوا بالأشكال الشديدة إلا أن هذا الأمر يعتبر نادر الحدوث، وبالتالي فهم لا يعتبرون من السكان المعرضين للخطر.
وإضافة إلى ما سبق، فقد تم إجراء التجارب السريرية على السكان البالغين فقط، ولا يزال يتعين إجراء اختبارات محددة على الأطفال والمراهقين التي يجب أن تثبت فعالية وسلامة اللقاح بخصوص هذه الفئة. ويجب أن يعرف الجميع أن لقاح الشخص البالغ لا يعطي نفس النتائج بالضرورة عند الطفل، لأن جهاز المناعة لديه مختلف.
إن الهدف الأساسي من اللقاح هو حماية الأشخاص المعرضين للخطر أولا، ثم الحدّ من انتقال العدوى من أجل منع الأشكال الشديدة من المرض، لهذا السبب يتم تلقيح المسنين كأولوية.

– في هذه الحالة كيف يمكن التعامل مع الأطفال الذين هم عرضة للإصابة بكوفيد 19 وتبعاته الخطيرة؟
– كما سبق وأن أشرت فإن البيانات حول عوامل الخطر السريرية في مرحلة الطفولة هي قليلة جدا، لكن الأطفال الذين يعانون من أمراض عصبية مصاحبة يشكلون نسبة مرتفعة مقارنة بالأشخاص الذين يصابون بكوفيد 19 الوخيم الذي يحتاج إلى رعاية مركزة، ونفس الأمر بالنسبة للذين يفارقون الحياة بسبب الفيروس. ونظرا لارتفاع خطر التعرض للعدوى وتفشي المرض في المؤسسات، فإنه يمكن الأخذ في الاعتبار تلقيح الأطفال الذين يعانون من حالات عصبية شديدة، بما في ذلك الشلل الدماغي والتوحد الشديد ومتلازمة داون، والذين يمرون بانتظام من دور رعاية المخصصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
وعموما، سيتم النظر في توصيات تلقيح الأطفال الذين يعانون من حالات كامنة أخرى بعد مرحلة النشر الأولية، وعند هذه النقطة يجب أن تسمح البيانات الإضافية حول استخدام اللقاح لدى البالغين بإجراء تقييم أفضل للمخاطر والفوائد.

– هل يمكن للأشخاص المصابين بأمراض المناعة الذاتية أو اختلال المناعة تلقي هذا اللقاح؟
– لا يعتبر مرض المناعة الذاتية أو خلل المناعة من موانع اللقاح الخامل، على عكس اللقاحات الحية التي يمكن أن تؤدي إلى عدوى اللقاح إذا كان العلاج المثبط للمناعة قيد الاستخدام. لذلك لا ينبغي أن تكون حقيقة الإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية أو مرض خلل المناعة معيارا صارما لمنع الاستعمال لإجراء لقاح كوفيد 19 غير حي. من ناحية أخرى، يبدو من المعقول تأجيل التلقيح للأفراد الذين يعانون من تطور آني لمرض المناعة الذاتية.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 16/01/2021