كورونا مونامور

نعم، كورونا في الصباح، كورونا في الزوال.. كورونا بعده، كورونا في المساء، كورونا في بداية الليل نفسه… كورونا في نهايته، كورونا في إطلالة الفجر.. كورونا في البدايات الأولى للصباح، كورونا في الصباح نفسه، كورونا كورونا كورونا، ألا يمكن أن تتركنا أيها الفيروس القاتل؟ ماذا فعلنا لك حتى تتركنا أشلاء مبعثرة وعرضة للخوف والوساوس؟ ماذا فعلنا؟ نحن مجرد شعب بسيط لاحول لنا ولا قوة إزاء قوتك الخفية المتسللة إلى مسامنا الجلدية، وأجسادنا المترهلة والمريضة بالسكر والملح والقلب والعينين الكليلتين، أما ظهورنا المنحنية دوما، فهي مثقلة بأعباء الوقت الصعب والأيام المتشابهة والمتراكمة فوق بعضها…يا كورونا لقد ألفناك منذ أن «وطأت»قدماك أرضنا الرطبة، حيث أصبحت جزءا لا يتجزأ منا وها أنت الآن تقيم بيننا كضيف غير ثقيل، فهل تقبل ضيافتنا؟
لقد تعودنا عليك منذ مجيئك دون استئذان، حيث تسللت إلى بيوتنا وأكواخنا، وشيئا فشيئا بدأت تنهش أجسادنا إلى أن خارت قوانا نهائيا، إلى أن فارقنا الحياة.
أيها الفيروس القاتل، هل أنت بخير؟
نعم، أنت في البيوت في السيارات والحافلات، في الساحات والطرقات، في القطارات.. في المساجد ..في المستشفيات.. في المطاعم ..في الأبناك.. في الدروب والأزقة.. في الحانات.. في المتاجر الكبرى والصغرى، أما تعبت من قتلنا كل يوم؟ نحن لا نعرف متى تجيء وتتسلل إلى أجسادنا المريضة بالوقت الميت، هل في الصباح أم في المساء؟ في الليل أم في النهار؟ اليوم أم غدا؟ لا نعرف متى بالضبط؟
و لكننا قد ألفناك حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ منا.
يا كورونا، كم ستبقى بين ظهرانينا؟ هذا الشهر أم الشهر القادم؟ هل ألفتنا إلى هذه الدرجة بحيث « قررت» أن « تسكن» معنا إلى ما لا نهاية؟ مرحبا بك في بلادك فها هي تفتح ذراعيها لاحتضانك.
لقد قيل لنا من قبل ويقال لنا كل يوم، بأن علينا أن نغسل أيادينا الوسخة بين لحظة وأخرى وها نحن نفعل ما يطلب منا، فهل أنت حقا تخاف من النظافة؟ هل حقا هي عدوتك اللدودة؟ قيل لنا ويقال لنا كل يوم أن نغسل أيادينا بالماء والصابون، و إن لم يتوفر لنا فبالكحول، فاقترب منا لكي ترى ما سيواجهك من رد فعل مضاد. لقد جهزنا أنفسنا كي نستقبلك أحسن استقبال، نحن الآن في كامل قوتنا الجسدية ومستعدون، فابحث عن كورونا آخر ليكون بديلا عنك، أما أنت فقد أصبحت نسيا منسيا بسبب» أقدميتك» بيننا.
يا كورونا، أيها الضيف الثقيل، أيها الفيروس الخبيث، أما تعبت من نهش أجسادنا المريضة أصلا بالوقت الصعب و الأيام المتشابهة؟ كيف تغدو إن غدوت عليلا؟ أيها الداء الذي لا يرى بالعين المجردة، أيها السرطان الثاني السريع الانتشار هل أنت صنوه أم بديله؟ نحن مجرد حقل تجارب لكما معا، فازرعا معا سمومكما السرية في أجسادنا المنخورة بأمراض أخرى، وانتظرا نهايتنا المأساوية.
فعلا…لقد سئمنا الحياة بوجودكما معا داخل أجسادنا، وها أنت قد جئت عندي دون أن أدعوك فكيف ستنهش جسدي؟ من أين ستبدأ؟ من رأسي أم من أخمص قدمي؟ من وجهي أم من صدري؟
أرجو أن تكون رحيما بي فأنا مستعد لاستقبالك، بغض النظر عن الهلع الذي أصابنا بمجرد أن سمعنا بظهورك بيننا.


الكاتب : إدريس الخوري

  

بتاريخ : 05/04/2020