كيف تصبح كاتبًا؟ أيريس مردوخ: ليس لدي ميول لإسقاط سيرتي على ما أكتب

تحظى الروائية الفيلسوفة، أيريس مردوخ Iris Murdoch، باهتمام كبير بعد مرور أكثر من عقد على وفاتها عام 1999. عرفت أيريس برواياتها التي تتناول جوانب الخير و الشر والعلاقات الجنسية ونظم الأخلاقيات وقوة التجربة اللاواعية في حياتنا البشرية.
وقد اختيرت روايتها الأولى المعنونة (تحت الشبكةUnder the Net ) في عام 1998 كواحدة من أفضل مئة رواية إنكليزية في القرن العشرين، كما صنفتها مجلة التايمز في المرتبة ( 12 ) من قائمة تضم ( 50 ) من أعظم الكاتبات البريطانيات منذ عام 1945 . أورهان باموق، كاتب تركي شهير، مؤلف للعديد من الكتب والمقالات غير الروائية، عن بلده تركيا. وتم انتقاد باموق وحتى محاكمته من قبل الحكومة التركية لدفاعه عن حرية التعبير ولفته الانتباه إلى الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن والمعاملة التي يتلقاها المواطنون الأكراد.
في هذه المقابلة يناقش الكاتب كيف تغير أسلوبه في الكتابة على مر السنين، وعن عمله الروتيني في الكتابة.

– هل يمكنك أن تروي لنا شيئا عن عائلتك و نشأتك؟
– أيريس: التحق أبي بسلاح الفرسان وقت اندلاع الحرب العالمية الأولى وإنه لمن المستغرب اليوم ان نتصور وجود سلاح للفرسان في تلك الحرب ولكن هذا هو بالضبط ما انقذ حياة والدي لان الخيول كما نعلم تنزوي عادة بعيدا عن خطوط القتال الامامية. التقى والداي خلال تلك الحرب حيث كانت كتيبة والدي تعسكر قريبا من دبلن وفي أحد الآحاد التقى والدي بوالدتي التي اعتادت الذهاب الى الكنيسة ذاتها والترام ذاته الذي يستقله والدي. كانت والدتي عضوة في الجوقة الكنسية فهي تملك صوتا أوبراليا ساحرا من طبقة (السوبرانو) وكانت تطمح ان تكون مغنية أوبرالية وأجزم انه كان بوسعها ان تصبح مغنية اوبرالية عظيمة، لكنها غادرت طموحاتها الكبيرة عندما تزوجت والدي وظلت تغني طوال حياتها كمغنية هاوية ومن المؤسف حقا انها لم تدرك عظمة الصوت الذي كانت تملكه، كانت والدتي امرأة جميلة مشرقة بمزاج مرح دوما وكان والداي في الحقيقة ثنائيا سعيدا أحب كل منهما الآخر باعتزاز بالغ وأحباني مثلما بادلتهما الحب، لذا يمكنني القول بأننا كنا نشكل ثلاثيا موفقا على نحو كبير.
– متى عرفت أنك تحبين الكتابة؟ أخبرينا شيئا عن بداياتك؟.
– كنت عضوة في الحزب الشيوعي لوقت قصير أيام دراستي عام 1939، لكن جموحي كان كبيرا مثلما فعل الكثير من الناس آنذاك بسبب الحرب الأهلية الإسبانية فقد كان لدينا إحساس شغوف بالعدالة الاجتماعية وبأن الاشتراكية قادرة بسرعة معقولة على إنتاج مجتمعات عادلة وخيّرة تخلو من مظاهر الفقر والبؤس الشديدين، لكن سرعان ما فقدت أوهامي المتفائلة وغادرت الحزب الشيوعي. يمكنني القول على العموم إن من العدل والإنصاف التأكيد ان تجربتي تلك لم تكن لتخلو من فائدة لأنني عايشت الماركسية (من داخلها) وأدركت مدى قوة تنظيمها. لم تكن علاقتي مع الشيوعية تخلو من تداعيات، فقد حصلت مرة على منحة لإكمال دراستي في الولايات المتحدة وكنت في غاية الشوق لاكتشاف العالم الجديد ولا أحسب أن أحدا لا يريد الخوض في هذه التجربة مثلي تماما في ذلك الزمن، غير أن منحتي أوقفت طبقا لقانون مككارن McCarren Act، وقد حاول كل من برتراند رسل والقاضي فيلكس فرانكفورتر أن يعدلا في الأمر بعد ان ادركا كم كان الأمر سخيفا: أن تحرم من منحتك الدراسية بسبب خلفية سياسية.
– (مكملا سياق سؤاله السابق): أخبرينا قليلا عن طريقتك في السرد وكيف تفكرين أثناء كتابة رواية؟.

– أعتقد ان من المهم للغاية وضع خطة تفصيلية قبل ان تشرع في كتابة الجملة الأولى. أنا أخطط لكل شيء بالتفصيل قبل ان أشرع في الكتابة، لدي مخطط عام وكومة ملاحظات، حتى إنني أخطط ترتيب الفصول منذ البدء وكذلك الحوارات. هذه مرحلة أولية وفي غاية الأهمية ومخيفة بذات الوقت في كتابة أية رواية لأنك بعدها ستكون ملتزما تماما بمخطط عملك الذي وضعته، أعني بالضبط أن الرواية عمل طويل مجهد وإذا ما كانت نقطة الشروع غير موفقة فستنتهي إلى نهاية غير سعيدة حتما. المرحلة الثانية في كتابة الرواية هي انك ينبغي ان تجلس بهدوء وتدع الأشياء تكتشف نفسها: منطقة في الخيال تقود لأخرى، تفكر مثلا في حدث ما ثم يقتحم شيء غير متوقع أجواءك، وبعدها ترى ان المسائل الجوهرية التي يحوم حولها العمل تكشف عن نفسها وتترابط مع بعضها، حتى ليمكن القول إن الأفكار تتطاير معا وتولد أفكار جديدة والشخصيات تولد شخصيات.

– أنت كاتبة غزيرة الإنتاج وكتاباتك مميزة، يبدو أنك ترغبين في العمل والكتابة أغلب أوقاتك؟
– نعم أستمتع بالكتابة كثيرا، لكن يحصل أحيانا أن تمر بك لحظات مخيفة تفقد فيها ثقتك بنفسك وعندها لا يكون متاحا لك التفكير في العمل، لذا أستطيع القول ان كتابة الرواية ليست كلها بهجة. أنا حقا لا أرى في كتابة الرواية عملا صعبا، خلق الرواية هو الجزء الأكثر إيلاما في العملية كلها، وربما تكون قد مررت بهذه التجربة غير الاعتيادية: عندما تشرع في كتابة رواية تكون في حالة حرية غير محدودة، لكنها حرية منذرة أيضا بأن أي خيار تختاره سيلغي حتما الخيارات الأخرى وسيحدد طبيعة مزاجك العقلي وخياراتك اللاحقة. قد يستغرقني الأمر سنة في الإعداد لرواية ما ، وتكوين مخطط وشكل عام لها ثم أقوم بعمل ملخصات تفصيلية لكل فصل و لكل حوار في الرواية.

– ما الذي يلح عليك أولا : الشخصيات أم عقدة الرواية؟
– أعتقد ان الاثنين يبدآن في الاشتغال معا: فثمة دوما اثنان أو ثلاث شخصيات في علاقة من نوع ما و هناك مشكلة من نوع ما تنتابهم، ثم هناك قصة ومحن وصراعات وحراك من الوهم إلى الحقيقة. لا أظن ان لدي أية ميول لإسقاط سيرتي الذاتية على ما أكتب.
عن مجلة (باريس ريفيوParis Review)


الكاتب : ترجمة: لطفية الدليمي

  

بتاريخ : 08/06/2020