كيف تصبح كاتبًا؟ جوليا كريستيفا: أتخلص من المفاهيم المعتادة

« لا نتخيل إلى أي حد تتجلى صعوبة التماسك حينما تعيش امرأة مع زوج ليس كالآخرين، ولديها طفل يختلف عن الآخرين، ومهنة غير باقي المهن، وبأن مختلف محاور الارتباط تلك وبقدر كونها ارتقاء فهي تمثل عائقا أيضا(مع أخذ بعين الاعتبار أن كل واحد منا لايشبه“ الآخرين”)وتقوم على توازن ”مغاير تماما’ ‘يصعب تخيل ذلك !“(كاترين كليمون، جوليا كريستيفا، الأنثوي والمقدس، ألبان ميشيل، 2015 )

 

* أستعيد رواية الساموراي. النص الذي يقدم لنا أول جسر بين وجودكم الواقعي ثم المتخيَّل، سرد بين حياة خاصة ومتخيلة، حكاية، تتعلق بكم، وأنتم تتأرجحون بين الواقعي والمتخيَّل. أحد المقاطع التي لامستني أكثر حينما تحدثتم عن فترة الحمل والأمومة. لحظة تشغل مكانا محوريا في أعمالكم الإكلينيكية ثم دفعتم الاختصاصيين والمحللين النفسانيين كي يطوروا تحديدا مفهوم الارتكاز الأمومي. مع ذلك بقيتم شيئا ما متحفظين كفاية بخصوص تجربتكم مع الحمل(1). هل حدث ذلك بعد عودتكم من الصين؟سؤال جد متطفل؟وكيف عاش فيليب تلك الحقبة المميزة جدا؟
نعم «يمثل الحَمْل الصيغة المعتادة للافتتان»، مثلما كتبتُ. هل كان تطورا لعلاقة غرامية، أو تعميقا لتحليلي النفسي السريري، أو حقيقة تستلهم تلك الأمهات الصينيات المتوهجات في ظل قوقعة الايديولوجية الشيوعية؟ كنت في سن الثلاثين، بالتالي صارت رغبة إنجاب طفل مسألة أساسية، يتعذر كبحها بالنسبة لتلك”الطفلة الصغيرة”التي سكنتني وفضلت الكتب على الدمى، ثم هاهي منشغلة حاليا بعربة الأطفال…بعد حالتي إجهاض قاسيتين اتخذت قرارهما بالاتفاق مع فيليب، لأننا لم نكن متيقنين من رغبتنا في الإنجاب، ثم حدثت أخيرا لحظة الاتفاق.

كيف جاءت ردّة فعل فيليب؟
لم يظهر تحمسا و لاتحفظا، كما الشأن بالنسبة لزواجنا. لأن سوليرز يقارب الوجود بجدية، تصور دأب منتقدوه بسببه على مؤاخذته. إذن تبادلنا أفكارا مؤثرة، أحاديث مختزلة، متحفظة وساخرة، في انتظار الحدث، نمرح مع الأطفال والشبان الذين يلعبون حولنا على رمال شاطئ لاكونش، بالقرب من منارة الحيتان. لقد حددتم بكيفية دقيقة الفقرة المعبرة عن الحالة ضمن صفحات رواية الساموراي. فقد حاولتُ ملامسة هذه الشخصية الفالتة مني، أو ”كريستيفا” أخرى. ترجمة حساسية متلاشية، فضلا عن كونها ملغِزة مثل اللاوعي الفرويدي، عند حدود الإحساس و البيولوجية. إعطاء أجساد وكلمات إلى هذه “الجوانب الغامضة” لدى الكائن الحي، غبطة طبيعية يتم رغم ذلك التفكير فيها، وقابلة كي تصير معقولة. اعتقدتُ دائما بالكشف عن هذا السر في النظرات الحالمة، وقد استدارت نحو الداخل، تماثيل العذراء لفترة النهضة الايطالية. تزودتُ بكاميرا ”سوبر8، وشرعتُ في مسح الأهوار الفنية المالحة، أوثق بالصور للملح، الماء، الجياد، ثم لحظات غروب الشمس. هكذا وضبتُ فيلما قصيرا تناوبا بين هذا الانغماس الحالم وكذا”ومضات”مختارة تعود إلى لوحات ساندرو دي فيليبيني”العذارى والطفل”، الأول الذي غيَّر شكل الأيقونات البيزنطية إلى الفن التشكيلي الواقعي. ينبغي لهذه الصورة أن تمكث في زاوية ما ضمن معطيات أرشيفي.

لكنكم عملتم على تحليل هذه الحالة الخاصة جدا بين صفحات دراساتكم الإكلينيكية.
صحيح أواصل هذا السعي وفق أوبرا أخرى، أكثر صفاء، تلك المتعلق بالتحليل النفسي. أتخلص، خلال مراحل عديدة، من مفاهيم معتادة، في إطار هاجس تحويل مفهوم”الغريزة الأمومية”(توضيح سريع، ليست فرويدية، لكنها تنتمي إلى المجال الواسع للتعميم”السيكولوجي”). البيولوجيا والدلالة، العدوان والدعم:أقترح التفكير في عنف الحقارة، لكن أيضا زخم الاعتماد، كرافدي لتجربة الأمومة. سنعود بالتأكيد لهذا الجنون المؤسِّس، وتبعثره المكابِد، تسندهما الوظيفة الأبوية، وكذا انتقال اللغة. بالنسبة لتجربة معينة، تعتبر الأمومة صيغة واحدة !

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذن حتى لو كانت الأم تجهل الجنين الذي ستمنحه الحياة، فإن جسدها يعلم ذلك سلفا. يشعر بصدمة: التطعيم المفترض أن ينمو بكِ، يبدأ في إضعافكِ (…). لم تعودي واحدة، بل أصبحتِ ثنائيا. حيوان، فيزياء، كيمياء: يكشف الآخر الذي تطويه على أنكِ آخر. غير بشرية، قاصرة، لكنكِ متسيِّدة. تواصل عيناكِ متابعة أطوار الأوبرا وأنتِ تهتزين معها على نحو مضطرب، مهووسة(تهيئ حفاظات الطفل، لباسه، عربته، السرير الصغير، إضافة إلى تدابير المهنة المعتادة)، لكنها لاتنظر وجهة أمَامِهما. تتقوس نظرتكِ نحو الداخل، لاترى شيئا، وتصير سمعا ولمسا، تغمركِ فقاعة من اللذة والجزع ولادراية بخصوص كيفية نهاية هذه المغامرة !يمثل الحمل الصيغة المعتاد للافتتان. أيضا، بالنسبة لأولغا “( رواية الساموراي، ص410).


الكاتب : ترجمة: سعيد بوخليط

  

بتاريخ : 06/08/2020

أخبار مرتبطة

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

: داخل مجتمع اللاتلامس، لم تعد نظرة العشق الأولى موضوع تبادل في الشارع، أو داخل حانة، أو في عربة من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *