كيف تم تحويل 13 هكتار كهبة من أجل إنجاز خزان للمياه إلى مشاريع عقارية

كان من المفروض أن تكون مدينة الدارالبيضاء متوفرة على خزان للمياه منذ سنة 1939، حين فكر صاحب الأرض التي وهبها لبلدية الدارالبيضاء في تلك الفترة، بضرورة المحافظة على الماء في هذه المدينة، خاصة وأن أرضه كانت قريبة من عين مائية متدفقة، تقع بين منطقتي مرس السلطان وعين البرجة. ويعلم سكان الدارالبيضاء من جيل الستينيات والسبعينيات كيف كانت هذه المنطقة تتشكل فيها شبه بحيرات، بفضل المياه الغزيرة التي كانت تنعم بها، قبل غزو الإسمنت المسلح…
من خلال الوثيقة يبدو أن التفكير في مستقبل الماء كان حاضرا عند المواطنين في تلك الفترة، وكانت لهم نظرة ثاقبة بشأنه، إلا أن هذه الرؤية جوبهت بمنطق إداري غريب حرم المدينة من مثل هذه المنشآت، وها نحن اليوم نسارع الزمن والسحاب كي ننهج سياسة دقيقة للمحافظة على الماء، بعد شح الأمطار وعدم نهج خطة لترشيده بالكيفية المطلوبة .
الوثيقة التي نتحدث عنها في هذا المقام، تتعلق بهبة كان قد وهبها عبد الكريم بنمسيك للبلدية لكن مضمونها ذهب في اتجاه آخر، تقول الوثيقة : في سنة 1916 قام المرحوم عبد الكريم ابن امسيك بهبة الأرض المسماة ” حديقة دار بوعزة ” والتي تبلغ مساحتها أكثر من 13 هكتارا إلى مدينة الدارالبيضاء، وذلك بشروط ، وهكذا دونت هذه الهبة بتنصيص صاحبها على شروط، منها أن تقوم مدينة الدارالبيضاء بإيصال الماء الشروب إلى بيته الكائن خارج مدينة الدارالبيضاء، لكن أهم شرط تم تدوينه هو أن تستعمل هذه الأرض كخزان للماء ومساحة خضراء للفسحة العمومية، شروط الهبة مع مرور السنين لم تحترم، ففي سنة 1939 قام ورثة عبد الكريم بإخبار المصالح البلدية بأن هبة مورثهم لم تحترم، وذلك أن مستوصفا عموميا بني فوق الأرض الهبة، كما أشاروا إلى أن الأرض موضوع الهبة غير محفظة، ويمكن أن يعود السبب في عدم تحفيظها إلى التغييرات التي وقعت على شكلها القانوني، حيث صدر ظهير يغير الوضعية القانونية لهذه الأرض ، حيث انتقل من ملكية عمومية لفائدة مدينة الدارالبيضاء إلى نظام الملك الغابوي، وأصبحت منذ ذلك الحين تحت إشراف مفتشية الغابات على عهد الحماية . لكن من جديد سيتم نقل الملكية من النظام الغابوي إلى الملك العمومي لمدينة الدارالبيضاء .
في سنة 1982 ناقش مجلس المجموعة الحضرية للدارالبيضاء بناء على رسالة موجهة من طرف السلطة المحلية، طلب استرداد المغرسة موضوع الهبة من طرف ورثة عبدالكريم ابن امسيك، بناء على عدم تطبيق شروط الهبة، وعلى إثر ذلك أعطى مجلس المجموعة موافقته ب 20 صوتا مقابل 4 أصوات ، لصالح تقسيم الأرض المذكورة مناصفة بين المجموعة الحضرية وورثة ابن امسيك، وفي سنة 1989 انعقدت اللجنة الإدارية للتقويم تحت رئاسة الكاتب العام للولاية، ونظرا لعدة اعتبارات والتي منها الصبغة العمومية التي يكتسيها هذا العقار، وكذلك نظرا لما هو مخطط في تصميم التهيئة، ذلك أن المخطط يقول بأن هذه الأرض ستتحول لمساحات رياضية وأخرى خضراء وجزء كبير سيتحول للسكنى والتعمير، ونلاحظ هنا كيف تم حذف الخزان المائي رغم أن الهبة يتواجد بها هذا الشرط، والذي يعد شرطا أساسيا ؟؟، إذن نظرا للاعتبارات المذكورة حددت اللجنة سعر المتر المربع في الأرض غير المجهزة بما قيمته 500 درهم أما الأرض التي تتوفر على ارتفاقات فقد حدد سعرها في ثمن 50 درهما للمتر المربع، فيما بعد تمت معاينة الأرض موضوع الهبة، وقد سجل بأن فوقها يوجد منشآت خفيفة كالسوق وهناك مستودع خاص بالأشغال البلدية تابع لجماعة الفداء، وبناية تابعة للمكتب المستقل لتوزيع الماء والكهرباء مع خزان صغير للمياه، ومحطة لسيارات غير مرخصة ومستوصف ومساحة قاحلة كانت تستعمل كمصلى بالإضافة إلى حديقة…
المهم أن هذه الأرض المحاذية للمحطة الطرقية اولاد زيان، مازالت تشكل لبسا كبيرا، ولا يعرف أحد إن كانت محفظة أم لا، ومازال الورثة يطالبون باستردادها، ومازالت الجماعة لم تعط أي توضيحات بشأنها، لكن الإشكال العميق هو أن المدبرين على مدى تعاقبهم لم يلتزموا بشروط الهبة والخطر أنهم تغافلوا بناء منشأة لتخزين المياه !


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 04/09/2024