وثائق مزورة، تواطؤ صامت، واستنفار وزاري
طفت على سطح بحر الدار البيضاء المتلاطم واحدة من الفضائح التي لا يمر يوم دون أن تظهر إحداها لتهز أركان جماعة المدينة بالتحديد، وهي الفضيحة المدوية التي كشفت الستار عن عملية نصب محكمة كانت في طريقها للاستيلاء من ميزانية الجماعة على ملايير السنتيمات بحجم مدينة، حيث جرى التخطيط لسلب عشرة ملايير، مع سبق الإصرار والترصد، في غفلة عن أعين المراقبين والمسؤولين أو في تواطؤ مع بعضهم ربما، غير أن خيوط المؤامرة ستتساقط الواحدة تلو الأخرى، وسيتم إنقاذ العشرة ملايير من بين أيدي المتورطين في هذه العملية التي كادت أن تكون مكتملة الفصول.
ترجع وقائع هذه المؤامرة إلى سنوات خلت وبالتحديد سنة 2018، حين عمد ممثل شركة للتفاوض والائتمان، يشغل في الوقت ذاته منصب نائب رئيس مدير عام بنك مدرج في البورصة، إلى تقديم حجج إلى المحكمة الإدارية تضمنت شهادات ملكية وخبرة عقارية تدعي «اعتداء ماديا» على عقار يملكه في «عين الذياب»، وأن الأرض موضوع النزاع عارية وقابلة للبناء، مطالبا بتعويض ضخم مما أسس لحكم ابتدائي بتعويض خيالي قدر بـ3000 درهم للمتر المربع.
لكن ما يثير الاستغراب أن الجماعة، التي يفترض بها الدفاع عن مصالح المدينة، تماطلت في تقديم دفوعها، مما ساهم في تثبيت الحكم ابتدائيا واستئنافيا، قبل أن يستيقظ المجلس الجماعي الجديد في صحوة متأخرة، ويتقدم بطعن بإعادة النظر، مدعوما بوثائق قلبت المعطيات رأسا على عقب.
الوثائق التي قدمها المجلس الحالي كشفت أن العقار موضوع النزاع لم يكن سوى طرق ومرافق مهيأة ضمن بقايا تجزئة قديمة، تم تفويتها سنة 2017 بثمن بخس لا يتعدى 48 مليون سنتيم.
العقود الموقعة أمام موثقين تثبت أن الأرض غير قابلة للبناء، وأن مالكيها الأصليين صرحوا بذلك كتابيا. الأدهى أن الدعوى القضائية رفعت أشهرا قليلة فقط بعد اقتناء هذه البقايا، مما يثير شبهات قوية حول نية مبيتة لاستغلال ثغرات في تدبير النزاعات العقارية بالجماعة.
استفهامات وتساؤلات كثيرة تلقي بظلالها على هذه القضية إذ كيف يسمح لشخص ما بالحصول على تعويض سمين عن أراض ليست له دون تمحيص وتدقيق في صحة المعطيات التي قدمها للمحكمة ؟ وما الذي جعل الجماعة تتأخر في إبراز وثائقها الحاسمة منذ البداية؟ وكم غيره من الأشخاص الذين اتبعوا نفس الخطوات لوضع اليد على عقارات أو أملاك لا يملكونها لمجرد أنهم خططوا ونفذوا وحصلوا على مبتغاهم بكل سهولة وتحت ضوء الشمس الساطع ؟
أسئلة حارقة أعادت إلى السطح النقاش حول ملفات أخرى مشابهة، تتعلق بمجزئين حصلوا على رخص استثنائية مقابل تجهيزات عمومية لم تُسلم للجماعة، وعقارات مخصصة للمرافق العامة تحولت إلى مشاريع سكنية خاصة بقدرة قادر دون تدخل حازم.
مع تفجر القضية، دخلت وزارة الداخلية على الخط، حيث تم رفع تقارير مفصلة إلى عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، تشمل كل المعطيات والوثائق المرتبطة بالملف.
ووفق مصادر متطابقة، قد تفتح هذه الفضيحة الباب أمام افتحاص شامل لعشرات الملفات العقارية العالقة بالمدينة.
وكانت جريدة الاتحاد الاشتراكي قد تطرقت للموضوع في وقت سابق على صفحة «الدار البيضاء»، وتساءلت عن مصير عقارات جماعة البيضاء التي مازال المجزئون يضعون أيديهم عليها، موردة خبر حكم صادر مؤخرا عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط ضد أحد رجال الأعمال، بإرجاع 5 ملايير سنتيم كان قد تحصل عليها من الجماعة خلال الولاية السابقة.
وكان الملف يتعلق باتهام الجماعة بالقيام باعتداء مادي على عقار له بمنطقة عين الذياب، حيث أصدرت المحكمة حينها حكما يقضي بتعويضه بحوالي 10 ملايير سنتيم.
لكن بعد التدقيق والتمحيص، والتعرض الذي قامت به الجماعة لاحقا، تبين عبر الوثائق أن الأرض التي تبلغ مساحتها أربعة هكتارات ليست عارية كما ادعى، بل عبارة عن طرق مشيدة للمصلحة العامة، مما أدى إلى إلغاء الحكم السابق.
مع صدور هذا الحكم الذي بين نوعا من الطرق التي يلجأ إليها البعض للارتماء على ممتلكات المدينة، واللجوء للقضاء قصد الحصول على تعويضات مالية، باستعمال طرق تدليسية ومعطيات مغلوطة، تعالت الأصوات مطالبة بإجراء بحث في الكيفية التي مكنت رجل الأعمال من المطالبة بهذا التعويض الخيالي، ولماذا لم تثبت الجماعة زيف ادعاءاته منذ البداية، وكيف توفرت اليوم الوثائق المفندة لدعوته ولم تظهر في وقتها؟
في المقابل، يطرح الرأي العام تساؤلات حول سرعة تعويضه، في وقت تبقى فيه ملفات نزاعية أخرى معطلة دون تنفيذ بنفس الوتيرة.