لأول مرة، جائزة المغرب للكتاب تنتصر للزجل المغربي : أحمد لمسيح فائزا بـ «جزيرة فْ السما»

راكمت قصيدة الزجل بالمغرب، منذ ما يقارب الثلاثة عقود، منجزا نصيا ومعرفيا، على مستوى الكم والكيف، لا يمكن القفز عليه بعد أن انتهت إلى ترسيخ نَفَسها الشعري كشكل تعبيري طالما نازع بعض النقاد في شعريته، واضعينه ضمن خانة “التعبير الغنائي” . فالقصيدة الزجلية المغربية وإن اشتبكت منذ ظهورها وانتقالها من مجال الشفاهة إلى الكتابة، مع أسئلة الواقع واستعصاءاته – مع ما صاحب هذا الاشتباك من تعالق بين الإبداع والإيديولوجيا، وهو تعالق كانت له مبرراته لحظتها – فإنها اختطت لنفسها ضمن سيرورتها الإبداعية المنتجة، مسارا جديدا لعل سمته الكبرى كانت هي الثورة على القوالب والأقانيم التقليدية التي رهنت بعض تجاربها ضمن مربع “التراثي” والشفوي، لتخوض معركة التجريب بكل ممكناتها ولاممكناتها ما يشي ويعكس الوعي الكتابي لروادها بطرائق الكتابة والبحث عن آفاق أرحب تمنح أشكالا أخرى أكثر تعبيرا عن مخاضاتها. وضمن هذه التجارب تنضوي أسماء اختطت لنفسها مسارا لافتا كالرائد أحمد لمسيح، مراد القادري، ادريس بلعطار، رضوان أفندي، ادريس المسناوي،عزيز بنسعد، عزيز غالي، محمد موتنا…
اليوم، بفوز الشاعر الزجال أحمد لمسيح عن ديوانه “جزيرة فْ السما” بجائزة المغرب للكتاب”، ينتزع الزجل المغربي الاعتراف الرسمي بأحقيته وجدارته واندغامه في التجربة الشعرية المغربية التي تمتلك تصورات جمالية وكتابية تدفع بالسؤال الشعري في أتون تجربة تحاور الوجود والهوية والإنسان.
الشاعر أحمد لمسيح وفي تصريح للجريدة، اعتبر أن الجائزة بقدر ما أسعدته شخصيا، بقدر ما اعتبرها تتويجا للزجل المغربي الذي طالما اعتبر، وهو وعدد من كتاب القصيدة الزجلية، أن اجتهاداتهم الكتابية فيها نوع من المرافعة من أجل الزجل الذي لا يتجزأ من المنجز الشعري المغربي الذي حاز الاعتراف من الأجانب ومن النقاد العرب الذين عبروا في كتاباتهم عن كون التجربة المغربية في الزجل متميزة عن كل الكتابات العامية في العالم العربي.
وعاد لمسيح إلى محاولات سابقة لعدد من الزجالين طالبوا فيها باجتماعات مع وزراء الثقافة السابقين للمطالبة بجائزة خاصة بالزجل، والتي كان هو من بين أشد المعارضين لها، إذ استهجن لحظتها أن يكون المهتمون بهذه التجربة الإبداعية يحاولون إقناع المتلقي والنقاد بأن الزجل يندرج ضمن التجربة الشعرية المغربية، وفي نفس الوقت يحاولون عزله في خانة خاصة. وأضاف لمسيح أن الرد الذي اتخذه بعض الزجالين أنذاك، كان هو الترشح لجائزة المغرب للكتاب والتي وصل أحد أعماله قبل خمس سنوات إلى المرتبة الثالثة وتم قبوله ضمن الدواوين المرشحة للمناقشة. و ورغم أن الديوان لم يفز، فإن لمسيح اعتبر أن ديوانه ربما لم يكن بنفس قوة الديوان الفائز سنتها، كما اعتبر ذلك مكسبا للزجل المغربي وحافزا لإعادة الترشح.
وعن الانتصار لقصيدة الزجل هذه السنة لفوزها ضمن جائزة الشعر، اعتبر الشاعر ورئيس بيت الشعر مراد القادري أن تجربة لمسيح، “تجربة مديدة في الزمن، وفي الرؤية وفي صناعة الدهشة”، كما أن تتويج لمسيح، هو تتويج مستحق لقصيدة العامية التي صانت الوجدان والذاكرة المغربية ، و”تتويج لكل المنتمين لحلم مشترك يروم تأكيد شعرية العامية المغربية وإثبات جدارتها في القول الشعري”.
وفي اتصال لنا برئيس بيت الشعر، اعتبر القادري فوز ديوان”جزيرة ف السما” للشاعر أحمد لمسيح بجائزة المغرب للكتاب، فرع الشعر، حدثا هاما في حياتنا الشعرية والثقافية عموما. فوزٌ بقدرِ ما يعني الشّاعر باعتباره ناضل منذ أواسط السبعينيات من أجل أن يكون للقول الشعري بالعامية المغربية موقع تحت الشمس، بقدر ما هي إشارة ثمينة وتحية غالية للتنوع اللغوي والثقافي الذي صار أحد مقتضيات دستور بلادنا منذ يوليوز 2011
وأضاف القادريأن “الطريق لم يكن مفروشا بالورود أمام أحمد لمسيح، ولا أمام قصيدته التي كان ينظر إليها نظرة شزراء من طرف كل المحافظين الذين كانوا يعتبرون التعبير الشعري بالدارجة وصمة عار في جسد الأدب المغربي.
اليوم، وبالقرار الشجاع الذي اتخذته لجنة تحكيم جائزة المغرب للكتاب في مجال صنف الشعر، يكون المغرب الثقافي والشعري يعزز المصالحة مع نفسه. هي نفس المصالحة التي انخرط فيها المغرب منذ سنوات في عدد من المجالات، لعل أبرزها ترسيم الأمازيغية كلغة وطنية بما هي ملك لكافة المغاربة، وجعل رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، واعتبار اللغة الحسانية رافدا من روافد الهوية الثقافية المغربية.
على المستوى الشعري، و كما سبق أن أكد القادري في أطروحة الدكتوراه، فـ”إن لمسيّح نجح، على مدى خمسة عقود في أنْ يعبر بقصيدته من الممارسة الشعرية المحكومة بالرؤية الاجتماعية والسياسية، حيث جمالياتُ التعبير الفني تفسحُ المكانَ للشعار بدلَ الشعر، نحو الكتابة المسكونة بقلق التجريب والسؤال، حيث الهاجس الجمالي والفني لا يكفّ عن الحضور من خلال المستويات اللغوية والإيقاعية والتركيبية والدلالية.
وأكد القادري أن تجربة الشاعر لمسيح “أصّلت العديدَ من العناصر الجمالية داخل القصيدة الزجلية، التي لم يعدْ ينظر إليها كقصيدة عمومية أو شعبية بما تحمله هاتان الكلمتان من شحنة قدحية وتحقيرية، بل بما هي قصيدة مبنية، تتغذّى من مصادر شعرية وثقافية واسعة، يتشابكُ داخلها الفكر و اللغة والبناء الفني بهدف التعبير عن رؤيا شعرية مكثفة، تعلن موقف الشاعر من الذات والآخر وتكشف عن نظرته للوجــود و للعالم”،مضيفا ” أود باسم بيت الشعر في المغرب أن أعبر عن عظيم تقديرنا لفوز الشاعر أحمد لمسيح بجائزة المغرب للكتاب، في فرع الشعر، منوها بشجاعة لجنة التحكيم و جرأتها على التفكير من خارج الصندوق. ذلك الصندوق الذي ظل لسنوات يعتبر جائزة المغرب للشعر حكرا على مكون لغوي واحد، وهو ما هدّد بُعد التنوع و التعدد،الذي نراها قوتنا الناعمة التي نحارب بها كل تكلّس أو تحجّر.
يذكر أن مراد القادري أنجز أول أطروحة جامعية حول التجربة الزجلية في المغرب وتحديدا تجربة الشاعر أحمد لمسيح بعنوان “جماليات الكتابة في القصيدة الزجلية المغربية”.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 15/02/2024