لامين جمال يشق مسارا مجيدا ويفرض نفسه بين عمالقة كرة القدم

بعمر السادسة عشرة، شق لامين جمال مسارا مجيدا عندما، ساهم في تتويج منتخب لاروخا، أول أمس الأحد بكأس أوروبا 2024، التي اختتمت في العاصمة الألمانية برلين، عقب التفوق في النهائي على منتخب إنجلترا بهدفين مقابل هدف واحد.
وكان اللاعب ذي الأصول المغربية صانع هدف التقدم، الذي سجله نيكو وليامز، بعدما هيأ له كرة جميلة، هز بها شباك الحارس بيكفورد.
وفي دورة ألمانيا بات لامين جمال أصغر مسجل في تاريخ كأس أوروبا لكرة القدم، عندما قاد إسبانيا إلى الفوز على فرنسا في نصف النهائي، وبعدها بساعات سجل قدوته الأرجنتيني ليونيل ميسي هدفا ساهم ببلوغ منتخب بلاده نهائي بطولة كوبا أميركا، حيث يخوض «المعارك الأخيرة» في مسيرة أسطورية.
وبصناعته الهدف الأول أصبح جمال أول لاعب يقدم 4 تمريرات حاسمة أو أكثر لإسبانيا في نسخة واحدة من أي بطولة كبرى.
وبخلاف المباراة النهائية قدم جمال نجم برشلونة بطولة متميزة للغاية، رغم صغر سنه إذ أنه أتم السبت الفائت 17 عاما، وحقق العديد من الأرقام القياسية في البطولة، حيث بات أصغر لاعب يشارك أساسيا ويصنع ويسجل في تاريخ اليورو، كما أصبح أول لاعب يصنع أكثر من أربعة أهداف لإسبانيا في أي بطولة كبرى طوال تاريخها.
وكسر أيضا رقما قياسيا للأسطورة البرازيلي الراحل بيليه، بعدما دخل أساسيا في مواجهة إنجلترا، ليصبح أصغر لاعب في تاريخ كرة القدم، يشارك في مباراة نهائية لبطولة دولية كبرى (كأس أوروبا وكأس العالم)، وذلك بعمر 17 عاما ويوم واحد، محطما الرقم المسجل باسم بيليه، والذي خاض نهائي كأس العالم 1958 بعمر 17 عاما و249 يوما.
وحقق لامين جمال عدة أرقام قياسية في «يورو 2024»، حيث أصبح بعمر 16 عاما و362 يوما أصغر لاعب يسجل هدفا في تاريخ كأس أوروبا لكرة القدم محطما الرقم القياسي السابق الذي كان بحوزة السويسري يوهان فولانتين (18 عاما و141 يوما) والذي حققه في كأس أوروبا 2004.
وبات جمال أيضا أصغر لاعب في تاريخ كرة القدم يتوج باللقب القاري.
وقبل تسجيل جمال هدفه الرائع في مرمى فرنسا الثلاثاء، انتشرت صورة لميسي يحمل طفلا رضيعا خلال حصة تصويرية عام 2007 في ملعب كامب نو، عندما كان يضيء في بداية مسيرته سماء برشلونة بموهبته النادرة.
لم يكن هذا الطفل سوى لامين جمال، وقد أعاد والده منير نشر الصورة الأسبوع الماضي على إنستغرام معلقا عليها «بداية أسطورتين». التقطت بعد أن أجرت اليونيسيف يانصيبا في ماتارو، حيث كانت تعيش عائلة اللاعب المغربي الجذور.
وعلى غرار ميسي القادم إلى برشلونة بعمر الثالثة عشرة، انضم جمال إلى أكاديمية لا ماسيا الشهيرة منذ نعومة أظفاره، وبدأ بتحطيم الأرقام القياسية نظرا لتفجر موهبته في سن صغيرة.
كما ميسي الأعسر، يشق طريقه على الرواق الأيمن، يطلق الكرات اللولبية في الزوايا القاتلة ويلعب التمريرات المقشرة لزملائه، وبعد أن هز شباك فرنسا بتسديدة رائعة متلاعبا بأدريان رابيو، أصبح أصغر لاعب يسجل في تاريخ البطولة القارية عن 16 عاما و362 يوما.
وانهالت المقارنات بين جمال (1.78 م) وقدوته ميسي (1.70 م) القادرين على مراوغة الخصوم دون مجهود كبير، لكن الأول رفض المقارنة «هو أفضل لاعب في التاريخ والمقارنة معه لا تصدق. لا يمكن تشبيهه بأي لاعب آخر، خصوصا أنا الذي بدأت مسيرتي للتو. أتمنى تحقيق نصف إنجازاته».
وكتبت صحيفة «سبورت» الكاتالونية «دعونا لا نخاف من مقارنته بليونيل ميسي.. لا يزال على بعد سنوات ضوئية (من ميسي) وصحيح أنه لا يزال في مهده، لكن بعمر السادسة عشرة تشير موهبته إلى أنه سيكون من العظماء».
ومن جهتها،
كتبت «أس» بالفرنسية عن اللاعب، الذي أكمل امتحاناته المدرسية خلال كأس أوروبا «مساء الخير، اسمي لامين جمال وسأكتب التاريخ».
بحسب وكالة أوبتا للاحصائيات، فإن اللاعبين الوحيدين في آخر مونديال وكأس أوروبا الحالية صنعا أكثر من 15 فرصة و15 تسديدة و15 مراوغة، هما ميسي بطل العالم 2022 مع الأرجنتين وجمال الذي حازت بلاده اللقب الأوروبي الرابع في تاريخها، بعد الفوز في النهائي على إنكلترا.
وبلغ جمال، المولود في 13 يوليوز 2007 لوالد مغربي وأم من غينيا الاستوائية، سن السابعة عشرة، وطلب من والدته «عدم تقديم أي هدية في عيد ميلادي، مجرد التواجد في النهائي والفوز به هو شيء كبير».
وكان اللقب الأوروبي هو الأول مع منتخب بلاده، بعد إحرازه لقب الدوري الإسباني مع برشلونة في 2023، ما يضعه على خريطة الواعدين القادرين على رسم مسيرة زاخرة.
وعلى بعد آلاف الكيلومترات في نيوجيرزي، كان ميسي يرسم فصلا جديدا من مشواره المرصع بالألقاب، بعدما قاد الأرجنتين إلى الاحتفاظ بلقب كوبا أمريكا، عقب الفوز في النهائي على كولومبيا 1 – 0 بعد التمديد، ليضاف إلى كأس العالم 2022، التي حملها لأول مرة في قطر، وكذا الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، الذي توج بها ثماني مرات.
وسجل ابن السابعة والثلاثين الهدف الثاني في مرمى كندا والـ109 دوليا، ليحصل على جائزة أفضل لاعب في المباراة، كما فعل جمال ضد فرنسا، لكن الإصابة حمرته من إكمال النهائي، بعدما تعرض لإصابة في الفخذ، بيد أن خروجه لم يمنع رفاقه من الظفر بكأس أمريكا الجنوبية.
وتطرق ميسي مجددا للموعد غير المؤكد لختام مسيرته التي شهدت إحرازه لقب دوري أبطال أوروبا أربع مرات مع برشلونة «أختبر هذا الشيء كما حصل في كوبا أميركا الأخيرة، في كأس العالم الأخيرة… هذه المعارك الأخيرة وأنا استمتع بها قدر الإمكان».
ولم تسنح الفرصة لجمال وميسي باللعب في فريق واحد، وقد انطفأت مسيرة الكثير من الشبان الموهوبين بعد بدايات واعدة، ما يثير شكوكا حيال مواصلة صعوده في المستقبل.
لكن جمال «عبقري» بحسب مدربه لويس دي لا فوينتي «لقد رأينا عبقريا ..
هو لاعب يجب أن نعتني به. علي تقديم المشورة له كي يتابع العمل بتواضع ويبقي قدميه على الأرض».
وقال النجم الألماني السابق لوتار ماتيوس «مارادونا، ميسي والآن جمال»، فيما رأى الهداف التاريخي للمنتخب الإسباني دافيد فيا إنه «لاعب فريد.. لا حدود» لقدراته.
ومدد برشلونة عقد جمال حتى 2026 مع بند جزائي بقيمة مليار يورو، في ظل تقارير عن سعي صفوة الأندية الأوروبية لضمه ومنحه الرقم 10 الشهير.

مسقط رأس جمال الذي خرج معه
إلى العالمية

في كل مرة يسجل فيها، يشير لامين بيديه إلى الرقم 304 وهو الرمز البريدي لروكافوندا، المنطقة الكاتالونية المتواضعة التي نشأ فيها والتي يختلجها الفخر بتألق ونجاح ابنها البالغ 17 عاما فقط في كأس أوروبا 2024 لكرة القدم.
ولا يكون قد مر منتصف النهار بعد ومع ذلك تكون الضجة كبيرة داخل الحانة المحلية، «إل كوردوبيس» التي لا تزال على الأرجح تحتفل بشدة بعد أن سجل جمال الذي اعتاد أن يأتي مع والده المغربي الأصل، وهو يمسك الكرة، هدفا رائع ا في مرمى فرنسا ما ساعد «لا روخا» على بلوغ نهائي «يورو 2024».
منذ أعوام، والكثيرون هنا في شمال برشلونة أدركوا أنه مختلف لكن أحدا لم يتوقع أن يصبح أصغر لاعب في التاريخ يسجل بكأس أوروبا.
يقول صاحب الحانة خوان كارلوس سيرانو مبتسما «كنا نعلم أنه سيلعب مع الفريق الأول لبرشلونة».
وأردف «لكن لم تكن لدينا أي فكرة أنه سيكون له هذا النوع من التأثير الذي يحدثه الآن».
وعلى الحائط خلفه يبرز قميص برشلونة معلقا وموقعا من جمال، والذي منحه إياه والد النجم اليافع، كعربون شكر لدعمه خلال السنوات التي اعتاد فيها الثنائي الذهاب إلى الحانة قبل ركوب القطار إلى المدينة، ليتدرب مع فريق الناشئين، إلى أن وقع مع أكاديمية «لاماسيا» الشهيرة.
كان ذاك النهار هو الأخير لجمال في الحانة، لكنه لم يكن الأخير في منطقة ماتارو، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 130 ألف نسمة وتقع على بعد 30 كيلومترا أعلى الساحل من برشلونة، حيث قضى جزءا من طفولته وحيث يتباهى العديد من السكان المحليين بالتقاط الصور معه.
وبعد انفصال والديه، عاش جمال بين مدينتي غرانويرس وماتارو القريبتين، لكن زياراته المستمرة لجدته التي وصلت من المغرب قبل عقود ومازالت تعيش في روكافوندا، حافظت على روابط الصلة مع الحي، حيث يتم الترحيب بوالده كبطل محلي.
عاد والده للتو من ألمانيا حيث تابع لقاء النصف النهائي الذي فازت به إسبانيا على حساب فرنسا 2 – 1، فاجتمع جيرانه من حوله لتهنئته على هدف ابنه المذهل، فيما لا يزال الحي بأكمله يظهر حماسة كبيرة لتلك اللحظة الأيقونية.
ويقول منير النصراوي وهو يقف بحيوية عند مدخل الحانة عن هدف ابنه «لقد عشت كل لحظة في هذا الملعب مثل أي مشجع إسباني آخر، وقد أصابني الجنون».
وكان عليه العودة من جديد إلى ألمانيا لاحتفالية مزدوجة: بلغ نجله عامه 17 السبت، ويوم الأحد شاهده يحمل الكأس القارية في النهائي ضد إنكلترا.
وقال «كأب، أنا فخور وسعيد وممتن»، متوجها أيضا بالشكر إلى جيرانه على دعمهم. وأردف «هذا الحي فخور بكونه المكان الذي يأتي منه لامين جمال».
وعلى بعد شوارع معدودة، لا تمنع الشمس الحارقة الأطفال من ممارسة كرة القدم على ملعب محلي، حيث كان جمال يمضي ساعات طويلة يلعب عندما كان صغيرا .
والجميع الآن يريد أن يكون مثله في هذه المنطقة التي تبرز تحت الأضواء في كل مرة يسجل فيها النجم الشاب ويرفع علامة «304».
يوضح مامادو سو، 32 عاما، الذي يعمل في مجال تقديم الطعام «الناس متحمسون للغاية بشأن لامين جمال لأنه لم يحدث شيء مثل هذا القبيل هنا من قبل».
وقال لوكالة فرانس برس «هذا يمنح الأطفال رغبة أكبر في ممارسة الرياضة، معربا عن سعادته البالغة لرؤية الحي «أخيرا» بعد أن كان مصبوغا بصورة سلبية في وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة، بينما يتم ذكره على شاشة التلفزيون بشكل إيجابي في الوقت الحالي.
وأردف «إنه أمر مثير».
ولم تكن الحياة دائم ا بسيطة في هذه المنطقة على مشارف ماتارو، ورمزها البريدي هو 08304، والتي يقطنها عدد كبير من السكان المهاجرين ذات دخل متواضع مقارنة بالأحياء الأخرى الأكثر ثراء .
وقالت روسيو إسكانديل، رئيسة رابطة سكان روكافوندا «لقد كانت لدينا دائما سمعة سيئة فيما يتعلق بالجريمة وأشياء أخرى، ووجود شخص مهم جدا يلقي ضوءا مختلفا على الحي هو أمر إيجابي حقا».
رغم صغر سنه، لطالما حظي جمال بتكريم كبير داخل مسقط رأسه.
وتوجد خارج المخبز، الذي كان عمه يديره بالقرب من ملعب كرة القدم المحلي، صورة كبيرة مرسومة له وهو يرتدي قميص برشلونة، وذراعيه متقاطعتين وهو يشير إلى الرقم 304.
وفيما يقوم جواد دراز، المالك الجديد، بإجراء تجديدات حتى يتمكن من فتح حانة جديدة لكن ثمة بعض الأشياء التي لا ينوي تغييرها.
وأشار مبتسما وهو يشير إلى اللوحة «نحن نغير كل شيء ما عدا الصورة».
ونوه «أنا أحب ذلك لأن لامين جمال من الحي… لدينا نجم هنا!»


بتاريخ : 16/07/2024