لا مفر من الميتافيزيقيا

يتبنى نقاد الميتافيزيقا عادة منظور بعض التخصصات الأخرى (عادة العلوم التجريبية) للادعاء بأن النظرة الكلية للأمور التي تعتمد عليها الماورائيات قد تم تجاوزها، مما يجعل هذا العلم غير ضروري، فإذن هناك رد واحد لهذه المسألة: أيًا كان هذا التخصص، فهو إما يدّعي تقديم صورة للعالم بنطاق كافي ليرتقي في حد ذاته إلى ميتافيزيقيا، أو أنه ليس كذلك، وفي هذه الحالة يجب أن يترك مجالًا للميتافيزيقا، لأن نظرتها الخاصة للعالم تظل ضيقة جدًا بحيث لا يمكنها استبعاد ذلك أو التصرف كمنافس، وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نجادل بأن المفهوم العلمي الذي يتضمن بحد ذاته بعض الالتزامات غير العلمية الإضافية، وبالتالي فإن الالتزامات ميتافيزيقية يمكن في الواقع أن تمثل تحديًا لادعاءات وحجج الميتافيزيقيين. إذا أكد شخصٌ ما أن العلم يدحض وجود إله، فهو في الواقع يتخطى العلم ويغامر بالميتافيزيقا، وبالمثل، إذا كان العلم صامتًا بشأن قضية وجود إله، فهذا يعني أنه لا يزال هناك مساحة للتنظير الميتافيزيقي. إذن الفكرة هي أن العلم لا يمكن أن يقلب الميتافيزيقيا، لأنه بمحاولة القيام بذلك، ينتهي العلم بتقديم ادعاءات نظرية وتجريدية مما يعني أنه في الواقع يصبح شكلاً من أشكال الميتافيزيقيا نفسها.
من المؤكد أن هذه الاستراتيجية الدفاعية لها سحرها، وقد يكون الأمر كذلك أن بعض نقاد الميتافيزيقيا قد تجاوزوا أعمالهم وانخرطوا في أشكال مختلفة من التنظير الميتافيزيقي بأنفسهم. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تقوم على افتراض أن التحدي للميتافيزيقا يجب أن يأتي في شكل نقد مباشر، والذي ينطوي على التزامات ميتافيزيقية، لكن التحدي يمكن أن يتخذ أيضًا شكلًا مختلفًا لا يتضمن أي التزامات من هذا القبيل، أي ما قد يسمى بالإهمال الحميد. وهذا يعني أن ناقد الميتافيزيقا يمكنه ببساطة تجنب الأشكال المختلفة للتنظير الميتافيزيقي الواسع، والالتزام بحدود تخصصه، إذ يمكن للناقد، على سبيل المثال، أن يتساءل عما إذا كانت بعض القوانين تتفق مع الضرورة التجريبية في هذا العالم وعوالم أخرى مشابهة، ولا يجب عليه التساؤل عما إذا كان تمسك بالضرورة الميتافيزيقية في جميع العوالم الممكنة؛ أو السؤال عن العمليات التي تقوم عليها الحياة البشرية في هذا العالم، وعدم التكهن كيف يمكن أن تكون الحياة ممكنة في العالم التالي. بمعنى آخر، هذه الاستراتيجية تترك الميتافيزيقيا غير مدحضة، ولكنها كاستراتيجية، يمكن أن تكون مثل تفنيد لها، وكأننا نترك الميتافزيقيا كفاكهة تذبل وهي ما زالت معلقة على الشجرة.
يمكن أن يكون رد الميتافيزيقي حينئذٍ أن البشر لا يمكنهم الابتعاد عن هذا النوع من الأسئلة، فتجاهلهم لهذه الأسئلة ليس خيارًا حقًا، وبالتالي فإن التأملات الميتافيزيقية لن تختفي أبدًا، ولكن، يعارض الناقد ويذكر أن المشكلة في هذه الأنواع من الاستفسارات الميتافيزيقية، حتى لو نستطع أن نقاومها، أنها لا يبدو أنها تسفر عن أي نتائج، ويجادل الناقد بأن التأملات الميتافزيقية هي مجرد تخمينات، وبالتالي علينا أن نتنقل إلى مساعي فكرية أكثر إنتاجية وأشكال بحث يمكن أن تؤدي إلى نتائج، ويتابع الناقد أنه إذا كان البعض منا لا يسعه إلا أن يستمر في التأمل في الأسئلة الميتافيزيقية، فهذا ليس دليلًا لصالح الميتافيزيقيا، إنه بالأحرى دليل ضد الحكمة الفكرية لأولئك الذين يتفكّرون.
وهكذا، على ما يبدو، يمكن أن يتدخل ناقد الميتافيزيقيا في الحجة من عدم القدرة على التنفيس على أساس أن الميتافيزيقيا هي تساهل اختياري قد نضطر إلى تعلم الاستغناء عنه، نظرًا لافتقارها إلى التقدم.
إذن، كما يبدو لنا، يمكن لناقد الميتافزيقيا أن يتجنب حجة مناعة الميتافزيقيا على أساس أن الميتافزيقيا هو استرسال اختياري، قد نضطر إلى تعلم الاستغناء عنه، نظرًا لافتقاره التقدم في المجال. لكن هل يمكننا فعلاً الاستغناء عنها؟ وهنا يمكنني أن آخذ بالاعتبار الحجة الثانية، وهي الحجة صعوبة الاستغناء عن الميتافزيقيا، وأعتقد أنه هذه الحجة موجودة في أعمال البراغماتي الأمريكي سي إس بيرس) في القرن التاسع عشر الميلادي، وقبله في أعمال الفيلسوف الألماني المثالي، هيغل.

 


الكاتب : ترجمة:عبدالله سليمان

  

بتاريخ : 29/07/2023