«لا وردة لحنان» .. ولا اعتبار للسيناريست

 

قدمت القناة الأولى مؤخرا فيلما روائيا طويلا بعنوان (لا وردة لحنان).. سيناريو: عزيز الساطوري.. إخراج: سعيد خلاف.. والحقيقة ما أثارني في هذا الفيلم أو بعبارة أصح: ما «استفزني» هو جنيريكه الذي أغفل اسم أول وأهم نواة للفيلم برمته ولجميع الأفلام ألا وهو «كاتب السيناريو» لا سيما في جينريك البداية الذي قد ترتفع نسبة مشاهدته إلى 90 في المائة، بخلاف جينريك النهاية الذي لا تعاينه إلا القلة المهتمة، ويحدث ذلك غالبا في المسابقات المهرجانية. ففي جينيرك بداية فيلم (لا وردة لحنان) تم ذكر جميع العاملين فيه بل ومنهم من ذكر اسمه أكثر من مرة إلا السيناريست ؟؟
1 – سهل ممتنع
يتناول الفيلم حكاية زوجة سائق طاكسي يتوفى تاركا لها طفلة صغيرة في سن التمدرس دون إرث يذكر، حتى المنزل الذي تقطنه تضطر لمغادرته أولا لعدم قدرتها على دفع أجرته الشهرية، وثانيا هروبا من تحرش مالكه الحاج بولحية المحترم ! فتسعى بدعم صديق زوجها لإيجاد شغل يسترها هي وابنتها. لكنها في سائر الأعمال التي ترتادها تتعرض للمضايقات تحرشا، استغلالا وتجريحا.. فتغلق في وجهها جميع الأبواب دون أن تلتم ولا على وردة واحدة مقابل أشواك تلسعها أينما وضعت يدها.
أقل ما يقال عن هذا الفيلم أنه منجز بحرفية، فالحبكة الروائية محكمة بدءا من تقديم عائلة حنان الصغيرة المتوسطة والمستقرة، بإكراهاتها الاجتماعية وتطلعاتها المادية من حيث اكتساب ملكية شقة وتوفير عيش أفضل لها، لابنتها وزوجها. حيث لا يطنب عزيز في هذا التقديم ليزج بنا مباشرة في عقدة الحكاية بوفاة الزوج.. يردفها بعُقد أخرى في خط تصاعدي ضمن بناء درامي متماسك، إلى أن يصل بحنان إلى الباب المسدود فيفتح لها منفذا من خلال تحولها إلى سائقة طاكسي صغير، خالقا لها وللمشاهد متنفسا حيث تُبهجه ضحكة ابنتها الصغيرة، وهي تجلس في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة التي تقودها والدتها باعتزاز وثقة نفس، تمرق بها صاعدة من أحد أنفاق المدينة وكأنها تولد من جديد…
حكاية قد تبدو بسيطة، كلاسيكية التركيب.. ولو.. فهذا ما نسميه بالسهل الممتنع الذي يعسر شق مثيله.. فالأحداث واقعية وسردها لا يتغيا التعقيد أو الإطناب في متاهات بسيكولوجية وأحاسيس داخلية يصعب أحيانا ترجمتها عبر الصورة. كما أن تعامل الشخصيات وردود أفعالها تجاه بعضهم البعض لا سيما تجاه البطلة والعكس صحيح، لا تشذ عن المنطق والتفاعل الواقعي للأحداث ككل. هذا البناء الدرامي سهَّل دون شك مهمة الإخراج.
حل الإخراج ليرتفق نفس النهج تقريبا حيث اعتمد سعيد خلاف كتابة سينمائية تبدو هي الأخرى مبسطة لكن بغير استسهال. بعكس إخراجه لفيلم (مسافة ميل بحذائي) الذي اعتمد على تداخل الأزمنة والفضاءات ومزج السرد والجمود بالصمت والحركة… بينما وردت كتابة (لا وردة لحنان) سلسة خالية من الحذلقة الفنية والتقنية، مسايرة البناء الدرامي للسيناريو وطبيعة أحداثه ذات المنحى الواقعي الراهن.
هذا دون نسيان الإدارة المحكمة للمثلين الذين كانوا جميعا في مستوى إقناعي متكامل لا سيما الطفلة الصغيرة صفاء ختامي إلى جانب المحترفين طبعا : مريم باكوش، منال الصديقي، فريد الرگراگي، يوسف الجندي، حسناء مومني، نبيل عاطف… وكذلك إدارة التصوير التي اضطلع بها فاضل شويكة.. وموسيقى محمد السايسي التي سايرت الطرح الفكري والفني للفيلم والذي اعتمد فيها بالخصوص على تركيب هارموني بين البيانو، الكمان والفيولانسيل. فكل هؤلاء وغيرهم (مهندس الصوت: محمد شكر الله –مونطاج: إلياس خماس–ميكساج: يوسف حركي – مدير الإنتاج: نجيب وليد الدرقاوي…) كتبت أسماؤهم بجينريك البداية الذي دام دقيقتين و11 ثانية.. كل واحد في لوحة مستقلة وبخطوط كبيرة إلا اسم السيناريست!!
وفي جنيريك النهاية الذي استغرق 3 دقائق وبضع ثوان حين تمرق سيارة الأجرة من النفق، يصعد العنوان بخط كبير ولوحة مستقلة يليه – إنتاج: «بوشتة الإبراهيمي» كتبت خطأ بينما الصحيح هو «بوشتى إبراهيمي» فكان ينبغي على الأقل الانتباه للاسم الشخصي كعَلَم والذي يكتب دائما هكذا: بوشتى… على غرار موسى وعيسى وبشرى ونعمى… ثم مدير التصوير: فاضل شويكة.. مهندس الصوت: محمد شكر الله.. مونطاج إلياس لخماس.. ميكساج سفيان حركي.. وموسيقى محمد السايسي. بعد كل هؤلاء الذين استقل كل واحد منهم بلوحة خاصة وحجم كبير لكتابة اسمه، تصعد لائحة مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية وبخط أصغر، مسطِّرة أسماء عاملين آخرين في الفيلم: سيناريو: عزيز «الصاطوري» Ecrit par Aziz SATOURI.. (كُتب اللقب مغلوطا لأن الصحيح هو «الساطوري» بالسين وليس بالصاد) ثم المنتج: بوشتى إبراهيمي (للمرة الثالثة !) Produit par Bouchta IBRAHIMI. فالأدوار Interprétation… حيث تمت إعادة كتابة أسماء الأبطال الرئيسيين في الفيلم مضاف إليها أسماء لم ترد في جينريك البداية مثل عبد الحق بلمجاهد (الضابط)، أسماء بنزاكور(ممرضة المصحة)، الصديق مكوار (طبيب المستشفى) وغيرهم… لتعود لائحة أخرى تقدم الطاقم التقني L’équipe technique. يتصدرها «طاقم الإخراج» سعيد خلاف (للمرة الثالثة كذلك !) نفس الشيء أيضا – أي كتابة الاسم والمهمة للمرة الثالثة – سيطال أسماء مدير التصوير والمونتاج والميكساج… ثم المدير الفني، فمدير الكاستينغ إلى أن ينتهي جينريك النهاية…
2–حلِّل وناقش
أدرجتُ وكرّرتُ عمدا جزءا كبير من الأسماء والمهام الواردة في جنريك بداية الفيلم والذي خلا منه اسم السيناريست.. ثم في جينريك النهاية الذي بدا فيه اسمه صغيرا غير مستقل، مع أسماء عاملين آخرين، لإثبات الحيف الذي طال هذا الأخير ولو كان غير مقصود، رغم أهمية عنصر السيناريو في تركيبة أي فيلم. إذ لولاه ما كان لا إخراج ولا إنتاج ولا تصوير ولا مونتاج ولا ولا…. فمن المسؤول الأول عن هذا الخطأ / الحيف..؟ هل القناة التلفزيونية؟ أم المنتج؟ أم المسؤول عن المونطاج وكتابة جينريك الفيلم؟ أم المخرج؟ ربما كل هؤلاء بنسب متفاوتة، لكن المخرج يبقى هو المسؤول الأهم عن النسخة والصورة النهائية التي يظهر بها الفيلم. فكيف لم ينتبه الأخ سعيد لهذا؟ أكيداً أن اسم عزيز الساطوري سقط سهوا عن جينريك البداية في فيلم (لا وردة لحنان) وهو بأي شكل من الأشكال خطأ، لا أريد أن أصفه بالقاتل لأنه ليس كذلك، فأكتفي فقط بنعته بالمستفز واللامُعتبِر للسيناريست وعنصر السيناريو في تركيبة الفيلم ككل.
سئل عبقري السينما شارلي شابلن مرة عن أهم عناصر الفيلم السينمائي؟ فأجاب:
ثلاثة.. أولا: السيناريو.. ثانيا: السيناريو.. ثالثا: السيناريو…
حلل وناقش…


الكاتب : خالد الخضري

  

بتاريخ : 16/01/2021