لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮

أسترجع لحظات الحج،‮ ‬في‮ ‬شكل مدارات كتابية،‮ ‬عن تلاطم المعرفة والإيمان،‮ ‬المشاهدات المهنية مع الفتوحات المكية،‮ ‬كما رصص لها الطريق،‮ ‬بخيال زلال ولغة طافحة صاحب المراتب العليا ابن عربي‮. ‬وبنقل ما كان‮ ‬يدور في‮ ‬ذهني‮ ‬وما‮ ‬يدور أمامي،‮ ‬وما كنت أراه من إعادة تمثيل نوبات من النبوة،‮ ‬في‮ ‬المدينة أو في‮ ‬طريق منى والجمرات،‮ ‬والحوارات التي‮ ‬تجعل الأمان أحيانا أكثر قلقا من الغربة في‮ ‬الوجود،‮ ‬مع الحرص على أن تكون للتأملات الصحافية حظها من الجدارة الدينية،‮ ‬كما للمشاهدات المحسوسة قسطها من مراتب الوجدان‮… ‬
كنت أحدس بأن حياتي‮ ‬ستدخل منعطفا‮ ‬غير مسبوق،‮ ‬وتتغير رأسا على عقب‮. ‬لا لأني‮ ‬جئت إلى الحج من فراغ‮ ‬روحي‮ ‬طافح ومطلق،‮ ‬أو من فيافي‮ ‬ديانة أخرى،‮ ‬أو من فراغ‮ ‬عقدي،‮ ‬كلا‮. ‬لم أكن طارئا على الغيب‮: ‬فَأنا ليَ‮ ‬فيه أقاصيص ورؤى من الطفولة‮. ‬فقد كنت أصوم وأصلي‮ ‬وأزكي‮ ‬وشهدت الشهادتين بالسليقة والإرادة والالتزام اليومي‮ ‬مع كل خطوة أخطوها في‮ ‬الحياة‮. ‬وعليه كان الحج واردا‮ ‬في‮ ‬منطق الأشياء،‮ ‬ولما تحقق الإمكان واستوفيت القدرة،‮ ‬تحققت الزيارة‮ …‬
هل أزعم بأنني‮ ‬لم أكن عرضة للشك،‮ ‬أو لتنسيب الاعتقاد،‮ ‬أو حتى للابتعاد عن نشأتي‮ ‬الدينية وسط أسرة تسكن بالقرب من المسجد،‮ ‬تولت القيام بشؤون هذا المعبد من جيل لجيل،‮ ‬من جد وعم وخال وأخ؟
لا‮ ‬يمكن لهذا الادعاء أن‮ ‬يكون صادقا‮..‬ ربما من بين كل الملايين من الذاهبين‮ ‬إلى المكان المقدس،‮ ‬كنت موزعا بين دعة وسكينة حياة ألفتها،‮ ‬وحياة تتراءى في‮ ‬مستقبل مثير أو لعله ملغز‮…‬
كنت مقبلا على قطيعة أنثروبولوجية،‮ ‬بين اليومي‮ ‬المتكرر وبين الجدول الزمني‮ ‬العام والأفكار التي‮ ‬لا تمتحن بميزان العدم‮!‬
لكن كنت أحدس أن قلوبنا التي‮ ‬نضعها مؤتمنة عند صاحب القيامة‮‬،‮ ‬تعرف كيف تلتفت للنظر في‮ ‬الحياة والنظر إليها من جهة أخرى‮.‬
كنت مثل من وجد الجواب عن معنى حياته،‮ ‬لكن الذي‮ ‬يقلقه هو السؤال الذي‮ ‬يكون بعده‮! ‬أو قُلْ‮ ‬صرت‮ ‬لا أجزم بأن الإيمان أو الارتكاز إلى حقائق،‮ ‬يُعفي‮ ‬من‮ … ‬القلق الأنثروبولوجي‮!‬
التحول كان في‮ ‬الخطوة نفسها،‮ ‬مع تدقيق النظر في‮ ‬الهوية الدينية على مشارف الستينيات‮.. ‬كهوية في‮ ‬الموقف من الحياة اليومية في‮ ‬سريانها‮: ‬كيف أعيشها وقد تخليت عن بعضها الكثير‮…‬؟ كيف أواصل العيش،‮ ‬ولم تعد الحياة أولوية،‮ ‬وقد تجاوزتها مشاغل الموت في‮ ‬الجولة السادسة من العقد السابع من العمر،‮ ‬وكيف لا أساير جسدا تعود على الجموح،‮ ‬كنمط وحيد في‮ ‬الكينونة؟ جسد الإيروس الطافح،‮ ‬وهو‮ ‬يستدرج نفسه إلى الطيطانوس الغابر؟
كنت أعرف أيضا أن هناك تيارا من المقادير‮ ‬يجرني‮: ‬لقد أصبحت محاطا بالموت والموتى من الأصدقاء والأهل‮.‬ لا‮ ‬يمكن أن أسلُّم بأنهم ذهبوا إلى اللامكان،‮ ‬اللاعالم‮ ‬صنو العدم الجليل،‮ ‬أو تبخروا في‮ ‬الثقب الأسود لما قبل الخليقة،‮ ‬كما‮ ‬يشاء علماء الفيزياء الكوانطية،‮ ‬ووجدتني‮ ‬في‮ ‬مفترق المشاعر لا القناعات أتساءل،‮ ‬أي‮ ‬طريق سأسلك إلى ذلك‮…‬
الاطمئنان على قسطي‮ ‬الإنساني‮ ‬من الروحانيات كان‮ ‬يتطلب أن تكون الكعبة رمزًا لقلبي‮ ‬كما‮ ‬يشاء الشيخ ابن عربي‮!‬

 

من‭ ‬حسن‭ ‬حظنا،‭ ‬قال‭ ‬مرافق‭ ‬مدير‭ ‬الوفد،‭ ‬أن‭ ‬آخر‭ ‬ليلة‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬قبل‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬ستكون‭ ‬ليلة‭ ‬زيارة‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‭.‬
هناك‭ ‬من‭ ‬رتب،‭ ‬بشكل‭ ‬فردي،‭ ‬زيارته‭ ‬خارج‭ ‬الأجندة‭ ‬المشتركة‭ ‬للوفد‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ ‬‮«…‬نسك‮»‬
و”نسك‮”‬‭ ‬لم‭ ‬تكن،‭ ‬كما‭ ‬عرفنا‭ ‬من‭ ‬بعد،‭ ‬مجرد‭ ‬بطاقة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬منصة‭ ‬شاملة‭ ‬وكاملة،‭ ‬تسهل‭ ‬رحلة‭ ‬الحجاج‭ ‬من‭ ‬126‭ ‬دولة‭ ‬محددة،‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬هي‭ ‬طريق‭ ‬إلكتروني‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬طريقا‭ ‬إلكترونيا‭ ‬لزيارة‭ ‬النبي‭ ‬في‭ ‬روضته،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الحاضرون‭ ‬جسديا‭ ‬يجدون‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وينتظرون‭ ‬جدول‭ ‬الزيارات‭ ‬المنظم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المرشدين‭ ‬والمرافقين،‭ ‬كانت‭ ‬‮”‬نسك‮”‬‭ ‬تسمح‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬‮”‬الفيزا‮”‬‭ ‬أيضا‭ ‬وتضمن‭ ‬زيارة‭ ‬كل‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة‮…‬
أينما‭ ‬وليت‭ ‬وجهك‭ ‬هناك‭ ‬ملصقات‭ ‬ودعوات‭ ‬تحمل‭ ‬تنبيهات‭ ‬بضرورة‭ ‬التوفر‭ ‬على‭ ‬‮”‬نسك‮”‬‭ ‬وتنبيهات‭ ‬من‭ ‬الحج‭ ‬غير‭ ‬الشرعي،‭ ‬لأن‭ ‬البطاقة‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬لديه تصريح‭ ‬أو‭ ‬تأشيرة‭ ‬حج،‭ ‬وفي‭ ‬التعريف‭ ‬الرسمي‭ ‬تقول‭ ‬وزارة‭ ‬الحج‭ ‬‮:‬‭ ‬نُسُك‭ ‬تعد‭ ‬أول‭ ‬منصة‭ ‬رسمية‭ ‬سعودية‭ ‬تتيح‭ ‬لك‭ ‬خيار‭ ‬التخطيط‭ ‬والحجز‭ ‬وعيش‭ ‬تجربة‭ ‬العمرة‭ ‬أو‭ ‬الحج‭ ‬الخاصة‭ ‬بك‭. “‬نُسُك‭” ‬تتيح‭ ‬للمسافرين‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬تنظيم‭ ‬وتخطيط‭ ‬جميع‭ ‬تفاصيل‭ ‬زيارتهم‭ ‬بسهولة،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬بطلب‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تأشيرة‭ ‬إلكترونية‭ ‬إلى‭ ‬حجز‭ ‬الفنادق‭ ‬والرحلات‭ ‬الجوية‮.‬‭ ‬مستقبلًا،‭ ‬ستمكنك‭ “‬نُسُك‭” ‬من‭ ‬جدولة‭ ‬الزيارات‭ ‬للمواقع‭ ‬المهمة،‭ ‬والعثور‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬النقل،‭ ‬وتنظيم‭ ‬مسارات‭ ‬الرحلات،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الخدمات‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬مثل‭ ‬تعقب‭ ‬الطواف‭ ‬وغيره‭ ‬كثير‮…‬
ولعل‭ ‬أهم‭ ‬خدمة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬هي‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتوجيه‭ ‬الحجاج‭ ‬التائهين‭ ‬والذين‭ ‬كانوا‭ ‬يشكلون‭ ‬ظاهرة‭ ‬أصبحت‭ ‬موضوع‭ ‬حديث‭ ‬كل‭ ‬الوفود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواسم‮…‬
بطاقة‭ ‬‮”‬نسك‮”‬،‭ ‬هي‭ ‬تجربة‭ ‬السعودية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وعربون‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬تكنولوجي‭ ‬ورقمي‭ ‬جدير‭ ‬بالاهتمام‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬وزمن‭ ‬قياسي‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬ولعلي‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬انتبهت‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬سابقة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الرهان‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬الجديدة‮..‬
صار‭ ‬بإمكان‭ ‬المواطنين‭ ‬الجدد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‭ ‬بواسطة‭ ‬التقنيات‭ ‬الجديدة،‭ ‬شخصيا‭ ‬فشلت،‭ ‬وبدأت‭ ‬أنتظر‭ ‬الذهاب‭ ‬إليها‭ ‬بالطرق‭ ‬القديمة‮«‬،‭ ‬طرق‭ ‬الحجاج‭ ‬اليوم،‭ ‬قال‭ ‬المرافق‭ ‬‮»‬من‭ ‬حسن‭ ‬الحظ‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‭ ‬ستكون‭ ‬آخر‭ ‬عهدنا‭ ‬بالمدينة،‭ ‬غدا‭ ‬السبت‭ ‬سنتوجه‭ ‬إلى‭ ‬مكة‮.‬
كان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتطيب‭ ‬ونأخذ‭ ‬زينتنا‭ ‬عند‭ ‬المسجد‭ ‬وكذلك كان‮.‬‭ ‬انتظرنا‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬لكي‭ ‬نواصل‭ ‬طريقنا‭ ‬إلى‭ ‬الروضة‮.‬‭ ‬كان‭ ‬والدي‭ ‬حاضرا‭ ‬بقوة‭ ‬كبيرة،‭ ‬كنت‭ ‬أتذكر‭ ‬زيارته‭ ‬وكيف‭ ‬أنه،‭ ‬هو‭ ‬الشيخ‭ ‬المتعب‭ ‬العليل،‭ ‬لم‭ ‬يتحمل‭ ‬الزحام‮.‬‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬ناداه‭ ‬حارس‭ ‬أمن،‭ ‬وفتح‭ ‬له‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬القبر‭ ‬النبوي،‭ ‬حكت‭ ‬والدتي،‭ ‬وقتها،‭ ‬بأنه‭ ‬خرج‭ ‬شخصا‭ ‬صامتا‭ ‬للغاية‮.‬‭ ‬وأنه‭ ‬بكى‭ ‬دموع‭ ‬جسده‭ ‬كلها‮.‬‭ ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قلبي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬براءته‮.‬‭ ‬عدت‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬اتصلت‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬والوالدة‭ ‬من‭ ‬هناك‮.‬‭ ‬قبل‭ ‬حجه‮…‬
في‭ ‬نفس‭ ‬اليوم‭ ‬الجمعة‭ ‬مع‭ ‬فارق‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬31مايو‭ ‬ليلا‭ ‬تقررت‭ ‬زيارة‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‮.‬‭ ‬تقرر‭ ‬أن‭ ‬تزور‭ ‬الحاجات‭ ‬الروضة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‮.‬‭ ‬والحجاج‭ ‬الذكور‭ ‬عند‭ ‬الواحدة‭ ‬صباحا،‭ ‬ويعقب‭ ‬ذلك‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مكة‮.‬
كانت‭ ‬غرفتنا‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬الفندق‭ ‬خلية‭ ‬نحل‭ ‬هادئة‭ ‬وممرا‭ ‬إلى‭ ‬نور‭ ‬يجذبنا‭ ‬منذ‮…‬‭ ‬الطفولة‮.‬‭ ‬تذكرت‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬طلبوا‭ ‬مني‭ ‬بإلحاح‮«‬‭ ‬سلم‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬النبي‮»!‬
كان‭ ‬الأهل‭ ‬قد‭ ‬نجحوا‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الزيارة‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ “‬نسك‭” (‬انظر‭ ‬حلقة‭ ‬سابقة‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬تطبيق‭ ‬إلكتروني‭ ‬يتيح‭ ‬الحجز‭ ‬للزيارة‭ ‬قبل‭ ‬المغادرة‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬الوصول‭. ‬وقد‭ ‬استعمله‭ ‬البعض‭ ‬حتى‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬آسيا‭ ‬أو‭ ‬أوروبا‭. ‬أما‭ ‬أنا،‭ ‬فقد‭ ‬باءت‭ ‬محاولتي‭ ‬بالفشل،‭ ‬ربما‭ ‬لأنني‭ ‬اكتفيت‭ ‬بالزيارة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مبرمجة‭ ‬للجميع،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لي‭ ‬صبر‭ ‬على‭ ‬معاركة‭ ‬التطبيق،‭ ‬بينما‭ ‬الأهل‭ ‬نجحوا‭ ‬في‭ ‬الأمر‭.‬
كان‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أتذكر‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬حملوني‭ ‬أمانة‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬النبي‮:‬‭ ‬أتأمل‭ ‬الأمر،‭ ‬والنبي‭ ‬ينتظر‭ ‬في‭ ‬روضته،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬حي‭ ‬فيها،‭ ‬أن‭ ‬يصله‭ ‬سلام‭ ‬موظفة‭ ‬البنك‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‮.‬‭ ‬وزميلي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وتقنية‭ ‬الحاسوب‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬وجاري‭ ‬المتقاعد‭ ‬في‭ ‬المقهى‭ ‬براس‭ ‬الدرب‮.‬‭ ‬والكثيرون‭ ‬يغرقون‭ ‬الخيال‭ ‬معهم‭ ‬عندما‭ ‬يتأمل‭ ‬المهمة‮.‬
لا‭ ‬حدود‭ ‬بين‭ ‬الموت‭ ‬والحياة‮:‬‭ ‬بين‭ ‬الميت‭ ‬والأحياء‮.‬‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬زمنية‭ ‬أيضا‮..‬‭ ‬‮«‬يا‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله،كا‭ ‬يسلم‭ ‬عليك‭ ‬زهير،‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬1970‭ ‬وتسلم‭ ‬عليك‭ ‬حسنا‭ ‬اللي‭ ‬خدامة‭ ‬ف‭ ‬ألبانكة‭ ‬في‭ ‬كازا‮».‬‭ ‬
تقبل‭ ‬سلام‭ ‬الذين‭ ‬يحبون‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬بينهم‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬بوصلتهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‮..‬
قبل‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬الموعد،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬طقوس‭ ‬الاغتسال‭ ‬والطهارة‮(‬‭ ‬أبتسم‭ ‬عندما‭ ‬أتذكر‭ ‬أحد‭ ‬الرفاق وهو‮ ‬يتنمر‮ ‬علي‭ ‬لأنني‭ ‬أزور‭ ‬المكان‭ ‬وأتحدث‭ ‬عن‭ ‬طقوس‭ ‬الروضة‮:‬‭ ‬توسوس‭ ‬لي‭ ‬الأمارة‭ ‬بالسوء‮:‬‭ ‬ليته‭ ‬جاء‭ ‬معنا‭ ‬لكي‭ ‬يغتسل‭ ‬ويتطهر‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬هاته‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬عمره‮..‬‭ ‬عوض‭ ‬حالته‭ ‬المزرية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬‮..!.).‬‭ ‬أتعوذ‭ ‬بالله‭ ‬من‭ ‬الشيطان‭ ‬الرجيم‭ ‬وأتطيب‭ ‬‮.‬‭ ‬أتذكر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أدعية‭ ‬عمرها‭ ‬أزيد‭ ‬من‮ ‬12‮ ‬قرنا‭ ‬يحفظها‭ ‬الحاضرون‮.‬‭ ‬بعضها‭ ‬يلائمني،‭ ‬وأترجمه‮ ….«‬بالدارجة‮»!‬
نتوجه‭ ‬فوجا‭ ‬واحدا‮:‬‭ ‬كان‭ ‬مرافقنا‭ ‬السي‭ ‬محمد‭ ‬مفاوضنا‭ ‬مع‭ ‬الحرس‭ ‬والمشرفين‭ ‬على‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‮.‬‭ ‬أهل‭ ‬المغرب‭ ‬يا‭ ‬أهلا‭ ‬وسهلا.انتظروا‭ ‬هناك‮.‬‭ ‬عند‭ ‬نهاية‭ ‬الممر‮.‬‭ ‬انضباط‭ ‬وانتظار‭ ‬وتلهف‭ ‬تلمسه‭ ‬عند‭ ‬الجميع‮:‬‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬والي‭ ‬الأمن‭ ‬وموظف‭ ‬الوزارة ورجل‭ ‬التعليم‭ ‬ورجل‭ ‬الدولة‭ ‬الملتف‭ ‬في‭ ‬سره‮..‬‭ ‬الجميع‭ ‬يتطلع‭ ‬للدخول‭ ‬على‭ ‬النبي‭ ‬في‭ ‬روضته‮.‬
قبل‭ ‬الروضة،‭ ‬مكان‭ ‬محايث‭ ‬للصلاة‮.‬‭ ‬قاعة‭ ‬انتظار،‭ ‬ننتقل‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬رياض الروضة،‮ ‬أنتبه الى جواري‮ ‬القدسي‮ ‬وما فيه،‭ ‬من‮ «‬معجزات‮»‬‭ ‬صغيرة‮:‬‭ ‬رفيقي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬المشي،‭ ‬وكان‭ ‬يجر‭ ‬رجله‭ ‬جرا،‭ ‬ويصعب‭ ‬عليه‭ ‬ثني‭ ‬الركبتين،‭ ‬يركع‭ ‬ويسجد‭ ‬بيسر،‭ ‬فاجأه‭ ‬هو‭ ‬نفسه،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تلاشى‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الزيارة‮<‬‭ ‬المسؤول‭ ‬الأمني‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬زادت‭ ‬مَعَزَّتي‭ ‬عنده‭ ‬لأنني‭ ‬فضلته‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬وسمحت‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬يتقدم‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬بين‭ ‬المصلين‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬المقام‮.‬
نخرج‭ ‬مجددا،‭ ‬عندما‭ ‬يحين‭ ‬الوقت،‭ ‬لنذهب،‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الترقب،‭ ‬إلى‭ ‬الروضة‮.‬‭ ‬ندخل‭ ‬متدافعين،‭ ‬يقف‭ ‬المشرفون‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬القبر،‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬من‭ ‬العين‮.‬‭ ‬يتساهلون‭ ‬تارة‭ ‬ويتشددون‭ ‬مرات‮.‬
لي‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬معي‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬المرحوم‭ ‬والدي‮:‬أن‭ ‬يفسح‭ ‬لي‭ ‬رجل‭ ‬منهم‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬قرب‭ ‬القبر‮.‬‭ ‬يحصل‭ ‬العكس مرات‭ ‬عديدة‭ ‬بقدر‭ ‬محاولاتي،‭ ‬الهادئة،‭ ‬الرتيبة‭ ‬في‭ ‬موجة‭ ‬الحجاج،‭ ‬الذين‭ ‬تحلقوا‭ ‬هناك:مغاربة‭ ‬ومشرقيون‭ ‬وأفارقة‭ ‬وآسيويون‮.. ‬انتبه أن التصوير بالتلفون لم‮ ‬يعد ممنوعا صراحة‮!.‬
هنا‭ ‬روضة‭ ‬النبي،‭ ‬وهنا نبي‮ ‬تحرر من سيرته البشرية وتحرر من الزمان والمكان والمصالح والجدليات التاريخية وتزاحم الطبقات والشرعية السياسية‮…‬
لا‭ ‬تحضرني‭ ‬كل‭ ‬قراءتي‭ ‬عن‭ ‬وفاة‭ ‬النبي‮.‬‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬دفنه‭ ‬وما‭ ‬تداولته‭ ‬كتب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تركه‭ ‬مسجّى‭ ‬والانشغال‭ ‬بنقاش‭ ‬الخلافة‭ ‬في‭ ‬سقيفة‭ ‬بني‭ ‬ساعدة‮.‬
هنا‭ ‬تكون‭ ‬للنسيان‭ ‬ممرات،‭ ‬محاطة‭ ‬بهالة‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬الإيمان‮:‬‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬للأنثروبولوجيا‭ ‬الدينية‭ ‬ولا‭ ‬لعلم‭ ‬الأنساب‭ ‬ولا‭ ‬المكر‭ ‬الهيجيلي‭ ‬للتاريخ‮:‬‭ ‬هنا‭ ‬صحبة‭ ‬مولانا‭ ‬فقط‮..‬
‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬سجلت،‭ ‬قبل‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬مضت،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬مماثلة،‭ ‬أن‭ ‬الشعور‭ ‬يتخثر‭ ‬هنا:من‭ ‬الروضة،‭ ‬تبدأ‭ ‬جغرافيا‭ ‬الله‭ ‬العلي‭ ‬القدير‮.!‬
الروضة‭ ‬الشريفة‭ ‬حلم‭ ‬القادمين‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬وحبكة‭ ‬الروح‭ ‬وهي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬منتهاها‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬القدسية،‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المربع‭ ‬السماوي‭ ‬فوق‭ ‬الأرض،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬المؤمن‭ ‬تذكرته‭ ‬إلى‭ ‬رياض‭ ‬الجنة‮.‬‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬صلاة،‭ ‬تتسلل‭ ‬أفواج‭ ‬من‭ ‬المصلين‭ ‬نحو‭ ‬باب‭ ‬السلام،‭ ‬متدافعين‭ ‬بالمناكب،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يصلي‭ ‬صلاة‭ ‬الجنازات،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬صلاة‭ ‬هناك‭ ‬موتى‭ ‬وأطفال،‭ ‬يرفع‭ ‬الإمام‭ ‬صوته‮:‬‭ ‬صلاة‭ ‬الجنازات‭ ‬والأطفال‭ ‬رحمكم‭ ‬لله‮..‬‭ ‬كثيرون‭ ‬يتركون‭ ‬الإمام‭ ‬واقفا‭ ‬ويتسابقون‭ ‬لحجز‭ ‬رقعة‭ ‬في‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‮..‬‭ ‬أقف‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬عند‭ ‬الجنازة،‭ ‬أسأل‭ ‬نفسي‮:‬‭ ‬من‭ ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬الطفل‭ ‬البنغالي‭ ‬أو‭ ‬البشتوني‭ ‬الذي‭ ‬أودعك‭ ‬الآن‭ ‬واقفا‭ ‬مع‭ ‬ملايين‭ ‬الناس،‭ ‬لا‭ ‬صلاة‭ ‬عائلية‭ ‬ولا‭ ‬قبلية،‭ ‬بل‭ ‬جنازة‭ ‬مفتوحة؟‭ ‬أنتبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حميمية‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬عائلة‭ ‬أو‭ ‬بلاد‮..‬‭ ‬هنا‭ ‬يموت‭ ‬من‭ ‬يموت‭ ‬وتأتي‭ ‬الجماعة‭ ‬كلها‭ ‬لتوديعه‮..…‬‭ ‬ونحن‭ ‬نودع‭ ‬الموتى،‭ ‬يتواصل‭ ‬الركض‭ ‬أو‭ ‬الهرولة،‭ ‬من‭ ‬سبق‭ ‬الآخرين‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬أو‭ ‬يلحقوا‭ ‬به،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬بعدها‭ ‬يضمن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة،‭ ‬‮…‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬من‭ ‬الوفد‭ ‬إلى‭ ‬المنبع،‭ ‬يحاط‭ ‬باهتمام‭ ‬خاص،‭ ‬وتبريكات،‭ ‬وتهاني‭ ‬حتى‭ ‬قول‭ ‬‮«‬مبروك‮»‬‭ ‬أو‮»‬‭ ‬تقبل‭ ‬الله‮»‬‭ ‬يتوالى‭ ‬بين‭ ‬الأعضاء‮.‬‭ ‬العسكر‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬ابتعاد‭ ‬المصلين‭ ‬عن‭ ‬شباك‭ ‬القبر،‭ ‬ويسمح‭ ‬بإطلالة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأسلاك‭ ‬المذهبة‮.‬‭ ‬‮..‬‭ ‬هي‭ ‬ذي‭ ‬الروضة‭ ‬المباركة،‭ ‬والناس‭ ‬تلوح‭ ‬بالسلام‭ ‬‮..‬‭ ‬بالدموع‭ ‬أو‭ ‬الابتهال‮.‬‭ ‬هي‭ ‬ذي‭ ‬الروضة،‭ ‬أو‭ ‬الروضة‭ ‬المباركة،‭ ‬أو‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة،‭ ‬بين‭ ‬المنبر‭ ‬وحجرة‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬لله،‭ ‬‮…‬ومن‭ ‬فضلها‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬النبي‮:‬‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بين‭ ‬بيتي‭ ‬ومنبري‭ ‬روضة‭ ‬من‭ ‬رياض‭ ‬الجنة،‭ ‬ومنبري‭ ‬على‭ ‬حوضي‮.»‬‭ ‬أي‭ ‬حوالي‭ ‬26‭ ‬متراً‭ ‬ونصف‭ ‬متر،‭ ‬وهي‭ ‬محددة‭ ‬بسجاد‭ ‬أخضر‭ ‬اللون‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬سجاد‭ ‬الحرم،‭ ‬ويمنع‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التقاط‭ ‬الصور‭ ‬للقبر‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يوحي‭ ‬القرب‭ ‬منه،‭ ‬الأمن‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بمشاهد‭ ‬دنيوية‭ ‬محضة‭ ‬في‭ ‬ثني‭ ‬المصلين‭ ‬والزائرين‭ ‬وإجبارهم‭ ‬على‭ ‬مغادرة‭ ‬المكان،‭ ‬نظرا‭ ‬للزحام‭ ‬أو‭ ‬لإصرار‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬الالتصاق‭ ‬بالأسطوانات والسواري‮..‬‭ ‬هنا‭ ‬تمتلئ‭ ‬العين‭ ‬أيضا‭ ‬بالمعمار‭ ‬الدنيوي‮..‬‭ ‬أعمدة‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‭ ‬مكسوة‭ ‬بالرخام‭ ‬الأبيض،‭ ‬أطواق‭ ‬نحاسية‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬‮(‬2‭.‬50م‮)‬‭ ‬و‮(‬232‮)‬عموداً‭ ‬مستديراً،‭ ‬ارتفاع‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬‮(‬5‭.‬60م‮)‬‭ ‬وعمق‭ ‬أساسه‭ ‬‮(‬7‭.‬35م‮)‬،‭ ‬تيجان‭ ‬من‭ ‬البرونز،‭ ‬زخارف‭ ‬نباتية‭ ‬كسيت‭ ‬بالبياض‭ ‬وغطيت‭ ‬بالرخام،‭ ‬الأعمدة‭ ‬بلون‭ ‬فاتح‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الأبيض‮…‬‭ ‬لم‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الروضة‮.‬‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬الباحث‭ ‬محمد‭ ‬بخش،‭ ‬أخبرنا‭ ‬نائب‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬لبرنامج‭ ‬ضيوف‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬بتخصيص‭ ‬أوقات‭ ‬للزيارة‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬العشاء،‭ ‬سرت‭ ‬قشعريرة‭ ‬مبتسمة‭ ‬في‭ ‬الضيوف،‭ ‬‮(‬لبنانيون،‭ ‬جزائريون،‭ ‬تونسيون،‭ ‬مغاربة،‭ ‬مصريون،‭ ‬موريتانيون‭ ‬وأردنيون‮…(‬كل‭ ‬أعضاء‭ ‬المجموعة‭ ‬الأولى‭ ‬للعام‭ ‬الثالث،‭ ‬الذين‭ ‬صدر‭ ‬الأمر‭ ‬باستضافتهم‭ ‬لأداء‭ ‬مناسك‭ ‬العمرة،‭ ‬وهو‭ ‬برنامج‭ ‬يستضيف‭ ‬1000‭ ‬شخصية‭ ‬إسلامية‭ ‬بارزة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬لأداء‭ ‬العمرة‭ ‬والصلاة‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬والتشرف‭ ‬بالسلام‭ ‬على‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وصاحبيه‭ ‬الكريمين‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‮»…‬،‭ ‬كما‭ ‬ينص‭ ‬تعريف‭ ‬البرنامج‮.‬‭ ‬شحنة‭ ‬استبدت‭ ‬بالوفد،‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي،‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الروضة،‭ ‬توزع‭ ‬أفراده‭ ‬كيفما‭ ‬اتفق،‭ ‬وبمجرد‭ ‬إعلان‭ ‬السلام‭ ‬بنهاية‭ ‬صلاة‭ ‬العشاء،‭ ‬تحلقوا‭ ‬وسط‭ ‬المسجد‭ ‬مقتربين‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الجنوبية‭ ‬للروضة،‭ ‬أحد‭ ‬المصلين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المنتمين،‭ ‬اندس‭ ‬وسط‭ ‬الوفد،‭ ‬ولم‭ ‬يرد‭ ‬أحد‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬الزيارة،‭ ‬وعلت‭ ‬الابتسامات‭ ‬المتواطئة‭ ‬شفاه‭ ‬المعتمرين‭ ‬تزكية‭ ‬لهذا‭ ‬الشاب‭ ‬الملح‮.‬‭ ‬الصلاة‭ ‬هنا‭ ‬قدر‭ ‬فردي‭ ‬بامتياز،‭ ‬النحيب‭ ‬الخافت‭ ‬أو‭ ‬الابتهالات‭ ‬المتصاعدة‭ ‬من‭ ‬الأجساد‭ ‬الراكعة،‭ ‬تكاد‭ ‬تتشابه،‭ ‬في‭ ‬همسها‭ ‬وفي‭ ‬امتدادات‭ ‬الجسد،‭ ‬البعض‭ ‬يتلو‭ ‬أدعية‭ ‬حفظها‭ ‬قبل‭ ‬المجيء،‭ ‬بصوت‭ ‬يسمع‭ ‬بعضه‭ ‬ويبدو‭ ‬من‭ ‬تراتيله‭ ‬أنه‭ ‬مستظهر‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب،‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬أطلق‭ ‬السليقة‭ ‬للأدعية‭ ‬التي‭ ‬أوصي‭ ‬بها‭ ‬بحديث‭ ‬خاص‭ ‬مع‭ ‬النبي‮..‬‭ ‬وصايا‭ ‬ودعوات‭ ‬وإعلان‭ ‬شوق‮:‬‭ ‬قل‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬اشتقت‭ ‬إليه‮.‬‭ ‬قل‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬‮..‬‭ ‬لا‭ ‬تنساني‭ ‬من‭ ‬دعواتك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المقام‭ ‬الشريف‮..‬‭ ‬الصمت‭ ‬أيضا‭ ‬له‭ ‬هسيسه‭ ‬ورناته‭ ‬هنا‮…..‬‭ ‬تتنبه،‭ ‬في‭ ‬غمرة‭ ‬الهزة‭ ‬الداخلية،‭ ‬أن‭ ‬الروضة،‭ ‬بداية‭ ‬فضاء‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المادي‭ ‬واللامادي،‭ ‬تزاوج‭ ‬الروحاني‭ ‬والجسدي،‭ ‬نقطة‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬في‭ ‬تركيبة‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬المؤمن‭ ‬إلا‭ ‬كتجسيد‭ ‬لحياته‭ ‬هو‭ ‬ذاته،‭ ‬التقاء‭ ‬الوجود‭ ‬والعدم،‭ ‬حلول‭ ‬السماوي‭ ‬في‭ ‬الجسدي‮..‬‭ ‬المطلق‭ ‬السماوي،‭ ‬الذي‭ ‬يعقب‭ ‬الموت‭ ‬عادة،‭ ‬يحل‭ ‬هنا،‭ ‬في‮ ‬الأرضي‭ ‬والحسي‮..‬‭ ‬فيك‭ ‬في‭ ‬الرجل‭ ‬المسن‭ ‬بالقرب‭ ‬منك،‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬القاضي‭ ‬والصحافي‭ ‬وهما‭ ‬يركعان‭ ‬لرب‭ ‬ساكن‭ ‬الروضة‮..‬‭ ‬شعر‭ ‬الجميع‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬محظوظين‭ ‬بهذا‭ ‬الامتياز،‭ ‬للصلاة‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬النبي‭ ‬رسم‭ ‬حدود‭ ‬روضة‭ ‬الجنة‮..‬‭ ‬وكان‭ ‬الاستعداد‭ ‬لزيارة‭ ‬الغد‭ ‬‮…‬


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 05/09/2025