توفي يوم الخميس 9 يناير 2025 بالرباط، الموسيقار والملحن محمد بن عبد السلام عن عمر ناهز 94 عامًا. وقد نعى الراحل فنانون وإعلاميون ومحبو أعماله الإبداعية التي راكمها طيلة مسيرته الفنية على مر عقود من الزمن، حيث تعامل فيها مع نجوم المغرب، وهي الأعمال التي جعلته يحمل لقب سيد الأغنية المغربية الزجلية.
العشرات من الأعمال الفنية التي لحنها الموسيقار محمد بن عبد السلام أداها العديد من نجوم الأغنية المغربية، مثل عبد الوهاب الدكالي، نعيمة سميح، إسماعيل أحمد، بهيجة إدريس، محمود الإدريسي، وغيرهم.
الموسيقار محمد بن عبد السلام، اسمه الحقيقي هو محمد التواشي، تعلم العزف على آلتي العود والكمان والعديد من الآلات الموسيقية. التحق ضمن أفراد الجوق الذي أسسه الفنان والأستاذ أحمد زنيبر أحد أعلام الموسيقى الأندلسية. بعد مرحلة التكوين، يعود إلى مدينة سلا، وأسس جوق الاتحاد السلاوي، الذي قدم من خلاله حفلات عديدة في مختلف المدن المغربية.
ساهم رحمه الله في إدماج المطربين في الأوبريتات الغنائية حيث لحن أوبريت مشروع «بورقراق»، ومحاورات منها «التيلفون» و«أنت هاني» وغيرها من الألحان. تقول مسيرته الفنية، أن أول أغنية لحنها وغناها هي أغنية «في الدرب» سنة 1952، وهي السنة نفسها التي لحن فيها أغنية «يا لخاطف عقلي» من كلمات الفنان محمد حسن الجندي، لتتوالى بعد ذلك أعماله الفنية.
يعد الموسيقار محمد بن عبد السلام، من اكتشف العديد من الأصوات الغنائية، من ضمن هؤلاء الذين كان وراء اكتشاف موهبتهم، الفنانة بهيجة إدريس وأختها أمينة إدريس، ومحمد الإدريسي، ومحمد واكواكو، والفنانة لطيفة الجوهري وغيرهم، بالإضافة إلى تلحينه للعديد من الأغاني الناجحة مثل أغنية «الظروف» لعبد الهادي بلخياط، التي أثارت الكثير من الجدل في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك رائعة «السنارة». كما ساند عبد الوهاب الدكالي، في بداياته الفنية، بالعديد من الروائع منها «يالغادي فالطوموبيل» التي كتب كلماتها حمادي التونسي سنة 1958 و«مول الخال»، التي كتبها عبد الأحد إبراهيم سنة 1959، و«أنا مخاصمك»، و«سيد القاضي» لبهيجة إدريس، وأغنية «بلا محبة ما تكون عداوة». كما ساهم في شهرة إسماعيل أحمد من خلال تلحينه رائعة «سولت عليك العود والناي». ولحن كذلك للفنانة نعيمة سميح أغنية «البحارة» وغيرهم.
ولحن الفقيد للفنانة عليا «أنا من أنا» للشاعر إيليا أبو ماضي، كما لحن العديد من القطع الوطنية والدينية والعاطفية والقومية مثل «المجد العربي» بمناسبة الانتصار في حرب أكتوبر سنة 1973، سجلت في مصر بمشاركة هاني شاكر، ومحمد رشدي، وغيثة بنعبد السلام، والمجموعة الصوتية المصرية، و«القنطرة» التي غناها محمد فويتح، ومحمد المزكلدي وأحمد البورزكي، وقصيدة «صوت الأحرار» وهي من شعر الزعيم علال الفاسي، ومحاورة «الرباطي والسلاوي».
من الأغاني الوطنية التي مازال يرددها المغاربة، هناك أغنية «عيشي يا بلادي» التي لحنها الموسيقار محمد بن عبد السلام وأداها الفنان الكبير الراحل محمود الإدريسي، وكتب كلماتها الأستاذ علي الحداني.
يحكي الفنان محمود الإدريسي، كيف جاءت هذه الأغنية في حوار سابق مع جريدة الاتحاد الاشتراكي. وتبقى بالنسبة له، فاتحة خير في مشواره الفني لأنها فتحت له «من جديد» أبواب القصر الملكي على مصراعيه.
هذه الأغنية رأت النور سنة 1973 وبالضبط بمناسبة عيد العرش الذي كان يصادف الثالث من شهر مارس من كل سنة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. قبل هذا التاريخ الذي سيبقى خالداً في ذاكرة محمود الإدريسي، يقول: «كنت بمعية العديد من الفنانين في ضيافة الملك الراحل الحسن الثاني، وقد أديت أغنية أمام جلالته. حين انتهيت كان جلالته يتحدث معي، لكنني تحت رهبة المشهد والموقف والدهشة بصدق كنت «مرفوعاً» ولم أنتبه وأنا أتحدث مع الملك أنني أضع يدي في جيبي.
هذا السلوك لم يستسغه جلالته، فغضب مني وخاطب البعض قائلاً: «علمو الناس الاحترام والانضباط ملي تدخل هنا»، وهي القصة التي استغلها بعض الفنانين، واعتبروها مناسبة للتخلص مني وإلى الأبد وظنوا أنها المرة الأخيرة لي في «دار المخزن»».
المهم، يتذكر محمود الإدريسي، كانت أسوأ فترة عشتها في حياتي، وعدت إلى حال سبيلي بصحبة الملحن محمد بن عبدالسلام في سيارته. وقد لاحظ انزعاجي وغضبي وإحباطي، فخاطبني قائلاً: «المهم علينا أن نهيئ أغنية وطنية بمناسية عيد الشباب الذي يصادف 7 يوليوز، علينا أن نشتغل على أغنية «عظيمة» ستجعل «سيدنا» ينتبه إلينا ويدعونا إلى القصر…». أقسم بالله هكذا خاطبني الملحن محمد بن عبدالسلام، يقول الإدريسي، لكنني لم آخذ كلامه على محمل الجد، ولم نهيئ أي عمل فني بهذه المناسبة، لأني اعتبرت الأمر منتهياً منذ تلك الحادثة التي وقعت معي في القصر الملكي، خاصة وأنه يستحيل أن يتم تسجيل أي أغنية صحبة الجوق الملكي، لأن الكل كان يعتقد أن جلالة الملك الراحل الحسن الثاني قد غضب مني وعلي، وبالتالي كأنني مطرود.
وحدث ذات يوم يقول محمود الإدريسي أنه كان برفقة الملحن محمد بن عبدالسلام بالرباط، فالتقينا بمحافظ الجوق الوطني في الساعة العاشرة صباحاً تقريباً، فسأل المحافظ الملحن بن عبدالسلام إن كان لديه أغنية بمناسبة عيد الشباب، فرد عليه بسرعة ومن غير تردد، نعم «موجودة»، فضرب معنا موعداً في السادسة من مساء نفس اليوم. اندهشت لموقف محمد بن عبدالسلام، وسألته بعد أن غادر المحافظ: «فين هاد الأغنية؟»، فرد علي: «اليوم إن شاء الله سنهيئها، عليك بمسايرتي فقط…».
فعلاً اتجهنا نحو مقهى باليما، نبحث عن الشاعر علي الحداني، حيث كانت عادته أن يحتسي قهوة سوداء ووالماس. فعلاً وجدناه هناك، وسأله بن عبدالسلام إن كانت لديه قطعة غنائية بالمناسبة، فأجابه الحداني، هناك قطعة غنائية من خمسة أبيات ولم تكتمل بعد، فكان رد فعل بن عبدالسلام: «هذا يكفي»، وطلب منه مدنا بها، لكنه اعتذر لأنها في منزله. كانت عادة علي الحداني، رحمه الله، أنه يخلد للنوم مباشرة بعد تناول وجبة الغداء، لكننا اتفقنا في الأخير أن يلتحق بنا بمسرح محمد الخامس بالرباط في الساعة الرابعة بعد الزوال.
وبالفعل، يضيف الفنان القدير محمود الإدريسي، تسلمنا هذه القطعة الغنائية، وانزويت والملحن الذي كان مصحوباً بآلة عود في إحدى القاعات، وخاطبني أنه ليست لدينا آلة تسجيل، وبالتالي علينا أن نحفظ أي مقطع تم تلحينه، واقترح أن يكون الموال الذي يسبق الأغنية على الطريقة الرحبانية، وقد أضفت بعض الأشياء من عندي فأعجب بها الملحن محمد بن عبدالسلام. المهم، يضيف محمود الإدريسي، انتهينا من اللحن والحفظ وتوجهنا مباشرة من مسرح محمد الخامس بالرباط بعد أن اكتملت هذه القطعة في الساعة السادسة إلا ربع مساء، بالفعل كنا في الموعد كما حددناه مع محافظ الجوق الوطني، وبدأت التمرينات. بدأنا بالموال وقد تم حفظه من طرف الكورال، وكلما أعدنا التمرين، تترسخ الأغنية في ذاكرتي القوية. في صباح اليوم الموالي تمرننا من جديد لنسجلها في المساء.
وقد تفاجأنا برد فعل المغاربة الإيجابي عند سماعهم لهذه الأغنية، ويضيف الإدريسي، أنه حينما سجلت كانت تحظى بدعاية كبيرة في الإذاعة الوطنية، كانت تقدم بـ»عيشي يا بلادي» للصوت الذهبي محمد الإدريسي، وأنا الذي كنت ما أزال في بداياتي. كنا نقوم بجولة غنائية في المغرب كله، وحكى لي الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، أن جلالته كان يسمع هذه الأغنية في الراديو، وكان دائماً يحاول تسجيلها ظناً أن الأغنية ستذاع كلها، وإذا بالأمر كان مجرد إعلان في إطار هذه الجولة. حينما وصلنا إلى مدينة وجدة، أراد الملك الراحل أن يستمع إليها كاملة، مما اضطرنا إلى إيقاف الجولةوالعودة إلى الرباط، حيث أديتها أمام جلالته وأهداني معطفه، ومن ثمة أصبحت معتمدا في القصر الملكي مع الجوق الملكي، وفي كل جولة نغني «عيشي يا بلادي»، وهي من الأغاني العزيزة على قلبي بشكل لا يتصور، وقال لي رحمه الله، هكذا كانت أغنية عبد الوهاب الدكالي محببة لي «يا حبيب الجماهير « وهي من الأغاني الوطنية التي أفتخر بها، والآن هناك أغنية «عيشي يا بلادي» التي أفتخر بها ولا يمكن ألا تتغنى في كل مناسبة، ويتم الافتتاح بها، بل إن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله كان دائما يقول لي «غني لي أغنيتي «في إشارة إلى أغنية»عيشي يابلادي «.غنية»عيشي يابلادي «.