لخضوعها للإرادات السياسية والقناعات الثقافية الرسمية : هل تضمن المجلات الصادرة عن وزارة الثقافة الاستمرارية؟

لامست ندوة « المجلات الثقافية بالمغرب بين الاستمرار والانقطاع « المنعقدة أول أمس الاثنين 10 فبراير،ضمن فعاليات الدورة 26 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، واقع المجلات الثقافية كرهان رفعته الوزارة من خلال إعادة إصدار أربع مجلات بعد سنوات من التوقيف، ومدى مساهمة هذه المبادرة في استعادة الاشعاع الثقافي الذي حظيت به من قبل في محيط ثقافي كان يعي جيدا إمكانات الثقافة ودورها الطلائعي في قيادة قاطرة الحداثة والتحديث.

الندوة التي استضافت مدراء المجلات التي عاودت الصدور بعد سنوات من التوقف، الأساتذة مصطفى القباج مدير مجلة «المناهل»، وفوزية لبيض مديرة تحرير مجلة «فنون» وصلاح بوسريف مدير مجلة «الثقافة المغربية»، وجمال بوطيب مدير مجلة «اقرأ»، اعتبر الشاعر والصحافي عبد العالي الدمياني في تقديمه لها أن قرار معاودة صدورها، وإن حافظت فيه هذه الاخيرة على خطها التحريري الذي تم إرساؤه منذ بداية انطلاقها، فإن توقفها في عهد وزير الثقافة الأسبق بنسالم حميش وامتداد هذا التوقف لسنوات، يقتضي اليوم بعد عودة هذه المجلات الى الصدور تبيان عناصر الجدة التي حملتها الأسماء التي تتحمل إدارتها في مشهد ثقافي يتسم اليوم بالوفرة الكمية في هذا النوع من الاصدارات، والذي بلغ اليوم 542 مجلة موزعة بين الورقي والالكتروني ما مع يطرحه ذلك عليهم بخصوص كيفية التعاطي مع الإرث الذي تختزنه هذه التجربة والاشتغال لصيانته واستمرار فعله.
وساق الدمياني وهو يعرض لهذه التجارب أربعة نماذج من المجلات وهي مجلة «المناهل» التي يسهر على ادراتها الاستاذ مصطفى القباج رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي لاتحاد كتاب المغرب، ومجلة «الثقافة المغربية» التي يديرها الشاعر والناقد صلاح بوسريف ومجلة «فنون» التي ترأس ادارة تحريرها الكاتبة والحقوقية والباحثة في فلسفة الجماليات فوزية لبيض ثم مجلة «اقرأ» االمتخصصة في أدب الاطفال والتي يشرف عليها الشاعر والناشر والاكاديمي جمال بوطيب.
*توقيف «المناهل» قرار تجهل أسبابه لحد الآن

في محاولة منه لتقريب تجربة المجلة في حلتها الجديدة بعد عودتها للصدور في 2019، انطلق الاستاذ القباج من اعتبار المجلة فعلا ثقافيا يدخل ضمن ما تقوم به النخبة، سياسية كانت أم ثقافية أو مدنية لنشر أعمال تتوفر فيها الرصانة الفكرية والافق الحداثي تبعا لتخصص كل مجلة، محيلا على تجربة المجلة منذ انطلاقها في 1974 في عهد وزير الثقافة أنذاك المرحوم امحمد باحنيني عندما تبلورت فكرة تأسيسها كمجلة تعنى بالثقافة المغربية في شمولية روافدها وتعدد تعبيراتها ، في محيط ثقافي كانت تتصدر فيه الدوريات المشهد منذ1916 الذي عرف صدور 20 مجلة متخصصة، مرورا بمرحلة الاستعمار ووصولا الى مابعد الاستقلال الذي سجل والى حدود 1974 صدور 50 مجلة لم تترجم في العمق تنوع الثقافة المغربية ولم تقدم صورة حقيقية لها، ما دفع الوزير باحنيني وقتها الى إحداث مجموعة تفكير للنظر في إمكانية إحداث مجلة تستجيب لانتظارات القارئ المغربي وتعكس مفهوم الثقافة في كل تجلياته. وهي المجموعة التي استرشدت بتوجهات الملك الراحل الحسن الثاني شخصيا عبر رسالة منه حث فيها على ضرورة قيام مجلة تعنى بالثقافة المغربية.
ومنذ ذلك التاريخ، يقول القباج، عرفت المجلة بعد تأسيسها مراحل مد وجزر وبياضات دون معرفة الأسباب الكامنة وراء توقفها الى أن تم توقيفها نهائيا بقرار شخصي من الوزير بنسالم حميش، قرار تجهل حيثياته لحد اليوم رغم أن المجلة أصبحت مجلة مرجعية ولها قاعدة قراء من داخل المغرب وخارجه بل كانت منبرا للرواد من مختلف الحساسيات الأدبية والفكرية بالمغرب.
الغياب الذي استمر 6 سنوات، سيبدده قرار وزير الثقافة السابق الاعرج عبر قرار إعادة اصدار المجلة في حلة جديدة من أجل إرساء دورية لها مصداقية وتعبر عن مستوى إبداعي يعكس حقيقة الثقافة المغربية. ولأن القرار كان متساوقا مع إعادة إصدار مجلات أخرى، فقد اختار فريق عمل المناهل التخصص في العلوم الانسانية والاجتماعية وفق خط تحريري واضح يضمن استمرار الاهداف التي أطرت المجلة منذ انطلاقها في السبعينات أي الدفاع عن القيم التقليدية والتراث مع احترام اشتراطات الحداثة، بالإضافة الى تعميم منهجية علمية للنشر وفق معايير تحترم الاساليب العلمية في البحوث والدراسات، مع ضمان حقوق التأليف للباحثين.
عودة مجلة «فنون» مكسب للمغرب الثقافي

لفتت مدير تحرير مجلة «فنون» فوزية لبيض الى أن إعادة اصدار المجلة في نسختها الجديدة، أملاه هاجس جماعي هو كون المجلة شكلت ولسنوات صرحا ثقافيا اختارت النخبة السياسية المثقفة التعبير من خلاله، وهي النخبة التي عاصرت رواد الثقافة المغربية في الفترة التي أدارها الاستاذ ابوبكر المريني، غير أن المجلة بفعل إكراهات العمل الاداري والمؤسسي عرفت بدورها فترات انقطاع وتوقف، تحكم فيها تباين العلقيات والتغيير الحاصل في مناصب المسؤولية الحكومية على القطاع والذي ينسحب على الارادات السياسية والثقافية والقناعات تجاه العمل الثقافي.
أما بخصوص التجديد الذي لحق المجلة في حلتها الجديدة اليوم، فتؤكد لبيض أنه أخذ بعين الاعتبار عدة معطيات كان لابد من التشديد عليها لإنجاح التجربة وهي:
الشكل والتقديم الجمالي، بالاضافة الى الاشتغال في إطار مبدأ الاستمرارية والوفاء لهذا الصرح الثقافي، لكنه وفاء يتم من داخل التجديد الى جانب الاخذ بعين الاعتبار تحديات القرصنة والمستجد الرقمي، ثم دمقرطة الاهتمامات بكل فنون الجهات الترابية دون أن تغفل جانبا مهما في هذه التجربة الجديدة وهو الاهتمام بالتشريع الفني الذي يسلط في كل عدد الضوء على نصوص قانونية متعلقة بالمجال الفني يجب مراجعتها أو تمت مراجعتها وتحتاج الى تنفيذ، معتبرة أن عودة المجلة الى الصدور تعد مكسبا للمغرب الثقافي في المبتدأ والمنتهى.
غياب مفهوم دقيق لأدب الطفل في المغرب

اعتبر الشاعر ومدير مؤسسة مقاربات للنشر جمال بوطيب، وهو يعرض لتجربة مجلة «اقرأ» المتخصصة في أب الطفل، أن هذا المجال بالضبط يصعب تدبيره وسط تضارب الرؤى والمفاهيم المتعلقة بأدب الطفل وأهدافه، والحدود التي ترسم له، مقدما جملة من الاسئلة التي طرحت نفسها عند التفكير في إصدار المجلة ومن بينها: أي أدب نتوخى تقديمه للطفل؟ هل يقتصر على الحكايات المستعادة وقصص الانبياء أم يتم تمريره بمضمون تربوية وتعليمية؟
وساق بوطيب العديد من الاكراهات التي تواجه المشتغلين في هذه المجلة، وأولها التدقيق في مرجعيات النصوص التي تقدم للطفل، أي الخلفيات الثاوية وراء كل منتوج يقدم للقارئ الصغير والذي يجب أن يتماشى ومرجعية المجلة وفلسفتها وأولها الانتصار للمرجعية الحقوقية وزرع روح الوطنية والقيم الثقافية والدينية، بالاضافة الى طابع المناسباتية عكس المجلات المشرقية المنتظمة الصدور والتي تباع بأسعار في متناول الاطفال، مشيرا الى ضرورة مراجعة سعر المجلة الذي يبقى عائقا أمام إمكانية اقتنائها دون أن يغفل دور بعض المؤسسات التي قد تلعب دورا في تجسير العلاقة ببين الطفل والمجلات كوزارة التربية والتعليم بعقد شراكات مع الوزارة لتوزيعها على التلاميذ.

مجلة «الثقافة المغربية» قيمة معرفية وجمالية

شدد الشاعر والناقد ومدير مجلة «الثقافة المغربية»صلاح بوسريف على أن الرؤية والهاجس الذي تحكم في إعادة إصدار المجلة هو البحث عن صيغة جديدة تضمن لها التميز والانتشار، خصوصا بعد غياب استمر خمس سنوات، ترك فراغا تغيرت خلاله معطيات كانت موجودة وبرزت معه معطيات ومستجدات أبرزها التطور الحاصل في مجال النشر والطباعة، بالاضافة الى هيمنة المجلات الخليجية التي استقطبت عددا كبيرا ممن القراء المغاربة والكتاب على حد سواء ، بالنظر الى جمالية إخراجها الفني والتعويض المادي للمشتغلين ضمن طواقمها.
وأشار بوسريف الى أن هذه المعطيات كلها ولدت لدى المسؤولين عن إصدار هذه المجلة إحساسا بكونهم مطوقين بمسؤولية كبرى هي الحرص على جعل المجلة ممثِلة ومترجِمة لكل التعبيرات الثقافية والجمالية والفنية، وعلى ضمان عدالة مجالية ولغوية ضمن مواد المجلة تتوزع بين العربية والفرنسية والامازيغية والحسانية بالاضافة الى التمثيلية الجغرافية.
ولم تفت بوسريف الإشارة الى أن فريق العمل حرص على الالتزام بخط تحريري واضح ، محاولا التأسيس لنوع من الرؤية الثقافية والقيمة الجمالية في كل مواد المجلة، لكنها رؤية يربطها خيط ناظم يجمع المواد كلها ما يضمن لها الالتقائية، ومسجلا باعتزاز كبير عودة العديد من الاقلام المغربية المقيمة بالمهجر الى المساهمة في المجلة كنوع من المصالحة المعنوية مع المشهد الثقافي المغربي.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 12/02/2020