لستُ سيئا أبدا

لم تعد الأرجوحة تناسبني
تحت سروال الجينز عظمتا فخذيّ طويلتان تنتهيان بركبتين كقبضتين على زهرة الروماتيزم
قدمايَ ثقيلتان ليس بما يكفي لأرتفع
تمنيتُ أن أتأرجح فيما يميل عشب الأرض تحتي
من أجل ذلك أمام عينيّ أصفّفُ قناني بيرة
تجعلُ مدينة بكاملها تميل بي فوق أرجوحة..

هكذا أخلي بالي تماما
من سعال أبي الذي كان سرطانا قاتلا
من موته، وسترته المعلّقة برائحة سجائر الماركيز..
من حرصي الجادّ على رصّ الجمال كالحجارة في ممشى
لم يقد للأسف سوى خيالاتي العظيمة، بارزة القوّة
كخيول جيّدةٍ إلى المسلخ.
أخلي بالي من كثير أشياء أخرى مزعجة
وأن أفعل كلّ ذلك ببيرة في اليد.
..
سألمس فروة الحياة كذئبة، وأروّضها بروحي المخمورة
سأبدو مبتهجا ماسكا السّعادة من جلدها عند العنق كقطّة حديثة الولادة
واضعا إيّاها على سيّاج الّنهار المرتفع
لأراها تتشبّثُ ثمّ تسقطُ.

لم أعد خفيفاً، -أين أنت أيّتها الطفولة؟-
مثقلا كأنّي مررت بحذائي في الوحل
مُتهالكاً، كرجلٍ حزينٍ
يريدُ أن يضحك
لولا أنّي أخفُّ كلّما سنحت الفرصة فوق كرسيّ بار عالٍ يُقرّبني من وجه مساءٍ بعنق الزّرافة.
كانت للمساءات أعناق الزرافات في طفولتي
والآن مع البيرة يحدثُ العجب.
..

لستُ سيئا أبدا، حين أشربُ
أنا طفل يريدُ أن يتأرجح..

طفلٌ لا يريدُ أن يحمل على كتفيه الكبيرين سوى بتلات سقطت في نزهة.
لا يريدُ أن يجرّ مع النّاس مدفعا حديديّا محشوّاً بضراط القرون السّابقة
لقذف أنفسهم في الجهة الأخرى

لست سيئا أبدا.. أنا شاعرٌ مُفلسٌ
حين ناداني اللّه رافعا ستار حياتي صدّقتُ دوري جيّداً في نصّهِ وخلت نفسي سحابة بيضاء تظلّلُ طوال الوقت بحيرة صافية في الظهيرة.
لم أجهد لأحصل على عمل آخر، كان عملي هو هذا الشّعر المنعكسُ بلا فلسٍ في البحيرة.

حتّى هزّتني ريحٌ من معطفي إلى مشربِ بارٍ، ليس فيه شاعرٌ واحدٌ.

لستُ سيّئا أبدا حتّى لو تفلتُ في الهواء
وبلتُ البيرة عكس الريح
إنّي أفتح ياقة قميصي لأغنّي بصوت جميل
ومحرّكا بدالات الكلمات أصلُ وجه اللّه كشجر في غابةٍ
لي مسلكُ الفراشة فيها، لأنّي أتبعُ حدسي فقط.
..

هذا العالمُ شبيهٌ بماكينة ثقيلة بتروس تسحق لحمنا وعظامنا وهي تتحرّكُ في باطنها لتشيرَ إلى ساعة القيامةِ.
من أجل راعي بقر يصعد خفيفَ الألوهية
فوق قبّة العالم
هذا العالمُ شريرٌ
لا يريد أن نلتفت إلى طفولاتنا كي لا نكبر خارجه
كقبائل حرّة في الطّبيعة
دحرجتْ براميل النبيذ
من الرّبيع المزهر إلى قشّ الحصاد
عتّقت السّعادة جيّداً في براميل من خشب، خزّنتها بطرقٍ جد فعّالة، و باهتمام كبير.
ثمّ رقصتْ لوحدها هناك بلا سقف في مواجهة سماء
بسحابٍ ذي نوايا بيضاء طيّبة.

عائدا إلى بربريّتي الأولى
أريدُ أن ألهو حرّا، بلا سقف لهذا القلب
هازئا من تيجان الأقوياء التي تريد أن تخنق بالوسائد النّاعمة حريّتي
حريّتي التي أريد أن أصنعها على مقاس ظلّ الرّب.
فأنا الرّسولُ إليَّ لوحدي أحيانا، واللّه صامتٌ في روحي كالبوصلة.


الكاتب : منير الإدريسي

  

بتاريخ : 13/08/2021